السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دقت الساعة الثالثة فجراً .. الصمت يخيم على كل شئ من حولى .. ولم يتبقى إلا دقائق ولحظات ليقوم المؤذن ويرفع النداء لــ .. صلاة الفجر
فقررت أن أمضى إلى شرفة منزلنا لأتابع هذه الدقائق وما فيها من تحركات .. ولربما وقفت مع نفسي فيها بعض الوقفات
أنطلقت بالفعل فى رحلة قصيرة للشرفة .. فتحت الباب وخرجت للهواء الطلق .. وحملت المصحف بيميني لأتلو بعض آيات القرآن الكريم حتى يرتفع صوت الأذان
ومنذ اللحظة الأولى من خروجي للشرفة .. كنت أشعر أن الجو علي غير عادته .. أشعر بتغير ملحوظ فى حالة الطقس وفى نسمات هذا الوقت ..
لم أكن أعلم السبب في ذلك .. إلا أننى .. كنت أشعر براحة وإطمئنان وإنشراح صدر يختلف عن أي يوم فى أى وقت
جلست أقرأ بعض آيات الله .. وبعدما انتهيت من التلاوة .. قررت أن أجلس دون تفكير في أي أمر .. فقط أريد الإسترخاء في هذا الجو اللطيف
وما أن اتخذت هذا القرار إلا وبدأت أولي خيوط هذا الشعور الطيب تنحل أمامي
وذلك .. عندما نظرت للسماء .. فوجدت قرصاً مستديراً ينسج عبير النور علي ظلام الليل الشديد ..
إنه !! .. القمر .. بدراً منيراً .. يملأ السماء بهجة وسروراً .. أضفى علي قلبي هذا الشعور .. فلكم أحب النظر إلى السماء وأخص منها القمر بجميع أطواره ..
وبعد لحظات .. رأيته قد أمسك بالفرشاة ليرسم ألواناً علي صفحات الليل شديد الظلام..
فها هو السحاب .. يمر أمام هذا الوجه المنير .. فتتلون السماء بتمازج هذا الضوء الرباني بلون السحاب ..
وفى إحدي اللحظات .. أدرت وجهي ونظري عن القمر وأخذت ألتفت يمنة ويسرة .. فلم أجد ما يسرني مثل هذا البدر .. فقررت العودة له من جديد ..
وعندما أدرت وجهي له .. إذا بي لم أجده أمامي .. !! ؟؟
لا يوجد له أثر في السماء بعدما كان يظهر أمامي وكأنه يُجالسني وجهاً لوجه ..
فصحت فجأة بصوتٍ مسموع .. ما هذا ؟؟ أين ذهب القمر ؟؟ ..
كدت أشعر أن أذناي لا تصدق أنها تسمعنى أحدث نفسي وأتسائل ..
أخذت أبحث في السماء ولم أجد له أي أثر يُذكر .. كدت أشعر أنه قد غضب مني عندما أدرت وجهي عنه
وأثناء هذا الصراع الداخلي والتساؤلات التي تُحيرني .. إذا بسحابةٍ شديدة الكثافة تمر من أمامي وبدأ يظهر ضوء القمر من جديد ..
فضحكت مع نفسي وقلت .. الحمد لله .. لقد عاد القمر من جديد ..
وكأن أذناي تشعر بأنني قد جُننت .. !! فهي تسمعني أتحدث .. وتراني أضحك مع نفسي .. لكنني لم أبالي لها ولم أعيرها مسامعى
الوقت يمر .. والقمر يسير تجاه اليمين .. وبدأ يأخذ طريق العودة من حيث أتي .. وكأنه يأخذ فؤادي معه .. فلكم أحزن لفراق هذا المخلوق الجميل
أخذ القمر يسير حتي ظهر لى متخللاً أغصان شجرة عملاقة أمامي .. يضئ أوراقها التى تكاد لا تظهر من الظلام .. وكأنه قلم من نور يرسم علي الظلام شجرة عملاقة تحمل ما تحمل من أوراق خضراء ناصعة الألوان وتحمل ما تحمل من زهور تضفي علي الليل عطراً مميزاً
وفى ظل هذا الجو .. إذا بطائر الكروان يحوم فى المكان .. وكأن طيفه يظهر علي وجه القمر .. وصوته يشدوا علي مسامع الظلام وينشد علي لحن نسمات الفجر ويقول .. الملك لك لك لك يا صاحب الملك
وظل الكروان يردد ويردد هذه الأناشيد حتي امتزج صوته بصوت ابتهالات الفجر تعلو من المساجد ..
وما أن رفع المؤذن صوته بالأذان .. الله أكبر الله أكبر .. إلا .. وقد خشع كل ما ومن حولى .. الكل ينصت للأذان ..
كدت أسمع صوت الكروان يردد خلف المؤذن كيفما ينادي
.. وكأننى أرى القمر يلوح لنا بالسلام ويقول .. لا مكان لى هنا الآن ..
أما الشجرة العملاقة .. فبدأت تنادى علي أعشاش الطيور والعصافير .. يا عباد الله .. انتهي وقت النوم .. هيا للسعي علي الرزق .. وكأنى أسمع الطيور تتحرك سريعاً وتخرج من أعشاشها
وبدأت أسمع أعذب وأرق الأصوات تعلو وتعلو من الأشجار وكأنها تعزف أجمل سيمفونية علي صمت الليل الطويل
وخرجت الطيور فى أسراب .. وكأني أراها تمحو قطعة من الظلام مع كل ضربة بجناحيها الصغيرين ..
وبدأت أري المصليين يتوافدون في هدوء وسكينة وخشوع إلى بيوت الله ملبيين النداء .. لم أكد أسمع سوي تهليلات وتكبيرات وصوت سيرهم للمسجد فى خطوات
وقمت أنا الأخري أعد عدتي للعودة من هذه الرحلة القصيرة التى استغرقت دقائق ولحظات
وبعدما مرت هذه اللحظات النورانية وما أمدتني به من نفحات إيمانية .. كدت أشعر أننى أريد تقديم خالص الشكر والتحية لكل أعضاء هذه الليلة لما رسمه كل منهم علي قلبي من سعادة غامرة