السؤال : لقد أعفيت لحيتي - والحمد لله - اتباعا لتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم ، لكني أعمل في شركة غير مسلمة ، وسبحان الله فإنه يُنظر إلى اللحية غير المهذبة باحتقار ليس فقط بين غير المسلمين لكن أيضا بين المسلمين (ربما لأن العلماء لم يقوموا بأداء واجبهم بإخبار الناس بالحكم الشرعي للحية وهم أنفسهم يهذبون لحيتهم بل إنهم حتى يقومون بحلاقة جزء منها) ولكي أتجنب الأذى ولكي أتدبر أمر لحيتي : جمعتُها معاً برباط مطاطي ، وطويتها تحته حتى تبدو أقصر ومهذبة ، وهذه الطريقة مفيدة في الألعاب الرياضية أيضاً ؛ لأنها تجمع اللحية ، وتقلل من فرص الإمساك بها وسحبها ، والآن يبدو أن هناك حديثاً يمنع ربط اللحية لكن قال أحد الإخوة إن ربط اللحية في هذا الحديث يشير إلى الربط بسبب وجود اعتقادات خرافية ، فما هو فهم العلماء الصحيح للحديث ورأيهم فيمن ربط اللحية دون أسباب خرافية ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
استهزاء الكفار بالمسلمين أمر متوقع وواقع ، ولكن حصول ذلك من بعض المسلمين فيه خطر كبير على دينهم ، لا سيما إذا تعلق الأمر بشيء من أحكام الدين وشرائعه الثابتة .
قال الله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) التوبة/ 64 – 66 .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله :
فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه ؛ لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعباً ، فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك ....
فدلَّ على استواء حكم الجاد والهازل في إظهار كلمة الكفر ، ودل أيضاً على أن الاستهزاء بآيات الله وبشيء من شرائع دينه كفر مِن فاعله .
" أحكام القرآن " ( 4 / 348 ، 349 ) .
ثانياً :
الحديث الذي تشير إليه في المنع من ربط اللحية هو :
عن رُوَيْفِعَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَا رُوَيْفِعُ ، لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ) رواه أبو داود (36) والنسائي (5067) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقد ذكر العلماء تفسير ذلك بما لا ينطبق على حالتك .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
قوله : (أن من عقد لحيته) عقد اللحية اختلف العلماء في تفسيره :
منهم من قال : عقد اللحية عادة عند الفُرس ، أنهم كانوا عند الحروب يعقدون لحاهم تكبّراً وتجبّراً ، ونحن قد نهينا عن التشبّه بالكفّار .
والقول الثاني : المراد به عقد اللحية في الصلاة ؛ لأن هذا من العبث في الصلاة ، والحركة في الصلاة ، وهذا مكروه في الصلاة ؛ لأنه يدل على عدم الخشوع .
القول الثالث : أن المراد بعقد اللحية ما يفعله أهل الترف من تجعيد لحاهم وتحسينها وكدّها ، حتى تتجعّد ، يقصدون بها الجمال ، فهذا يكون من الترف .
نعم ، لا بأس أن اللحية تصلح ، وأنها تُنظّف ، وأنها تُكرم ، لكن لا يصل هذا إلى حد الإسراف .
" إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد " ( ص 152 ) .
ولا تخرج تفسيرات العلماء عن هذه التفسيرات ، فانظر " شرح السنة " ( 11 / 28 ) للإمام البغوي ، " معالم السنن " ( 1 / 27 ) ، " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 9 / 178 ) .
وبه يتبين أنه لا حرج عليك في ربط لحيتك لما ذكرتَه من سبب ، وأن ذلك لا يشمله النهي الوارد في الحديث .
ونسأل الله تعالى أن يزيدك تمسكاً بالسنة وحبا لها ، ويبعد عنك كل سوء .