آداب تلاوة القرآن وما يتعلق به .
- قال تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
- وقال تعالى :{ أ فلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }
- وقال تعالى:{ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }
-وقال تعالى:{ ورتل القرآن ترتيلاً }
- وقال صلى الله عليه وسلم
... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده..)([1]) .
-وقال صلى الله عليه وسلم
خيركم من تعلم القرآن وعلمه )([2]) .
-وقال صلى الله عليه وسلم
الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة . والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه ، وهو عليه شاق، له أجران )([3]) .
* الآداب *
1-تحري الإخلاص عند تعلم القرآن وتلاوته . لأن قراءة القرآن عبادة يبتغى بها وجه الله، وكل عمل يتقرب به إلى الله لا يتحقق فيه شرطا قبول العمل -الإخلاص والمتابعة- فهو مردود على صاحبه . قال النووي: فأول ما يؤمر به[ أي القاريء ]: الإخلاص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وأن لا يقصد بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك([4]) . وهذا الذي قاله النووي صحيح، فإن من القراء من يبتغي بقراءته صرف أنظار الناس إليه، والاقبال على مجلسه وتبجيله وتوقيره-نسأل الله السلامة والعافية-. وكفى القاريء زجراً أن يعلم عقوبة من تعلم القرآن لكي يقال: قاريء !. فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد. فأُتي به فعرفه نِعمهُ فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت. ولكنك قاتلت لأن يقال جريءٌ. فقد قيل. ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن . فأُتي به . فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم. وقرأت القرآن ليقال هو قاريءٌ . فقد قيل. ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار..الحديث )([5]) .
2-العمل بالقرآن . بتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والوقوف عند نهيه، والائتمار بأمره، والعمل بمحكمه ، والإيمان بمتشابهه، وإقامة حدوده وحروفه . ولقد جاء نهي شديد فيمن آتاه الله القرآن ثم لم يعمل به . ففي صحيح البخاري من حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم -الطويل- ( قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على رجلٍ مضطجع على قفاه، ورجل قائمٌ على رأسه بفهر أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الهجر، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه، قلت: من هذا ؟ قالا: انطلق. [ ثم فسر له ذلك صلى الله عليه وسلم فقال:] والذي رأيته يُشدخ رأسه فرجلٌ علمه الله القرآن ، فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يُفعل به إلى يوم القيامة )([6]) .
3-الحث على استذكار القرآن وتعاهده . استذكار القرآن أي: المواظبة على التلاوة وطلب ذكره. والمعاهدة، أي: تجديد العهد به بملازمته وتلاوته([7]) . فالمشتغل بحفظ كتاب الله العزيز، والحافظ له، إن لم يتعاهده بالمدارسة والاستذكار، فإن حفظه سيتعرض للنسيان، فالقرآن سريع التفلت من الصدور، ولذا وجب العناية به وكثرة مدارسته وتلاوته، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً يبين لنا حال صاحب القرآن المعتني به والمفرط فيه . روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقَّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت )([8]) . ومن حديث أبي موسى-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعاهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عُقلها)([9]) . قال الحافظ ابن حجر -مبيناً المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم- : شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد، فما زال التعاهد موجوداً فالحفظ موجود، كما أن البعير مادام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ. وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة([10]) .
4-لا تقل نسيت؛ ولكن قل: أُنسيت، أو أُسقطت، أو نُسيت . ودليل ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت : ( سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنتُ أُنسيتها من سورة كذا وكذا ) وفي رواية عند مسلم
... لقد أذكرني آية كنت أُسقطتها من سورة كذا وكذا )([11]) . وفي حديث ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بئس مالأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسي)([12]) .
قال النووي: وفيه[ أي الحديث] كراهية قول نسي آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قول أُنسيتها وإنما نهي عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها، وقد قال الله تعالى:{ أتتك آياتنا فنسيتها } وقال القاضي عياض: أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول، أي نسيت الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه([13]) .
مسألة: ما حكم من حفظ القرآن أو شيئاً منه ثم نسيه ؟
الجواب: قالت اللجنة الدائمة: ... فلا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته ولا أن يفرط في تعاهده، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يومياً يساعده على ضبطه ويحول دون نسيانه رجاء الأجر والاستفادة من أحكامه عقيدة وعملاً، ولكن من حفظ شيئاً من القرآن ثم نسيه عن شغل أو غفلة ليس بآثم وما ورد من الوعيد في نسيان ما قد حفظ لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم . وبالله التوفيق([14]) .
5-وجوب تدبر القرآن . تضافرت النصوص على تدبر آيات الكتاب العزيز، وقد سبق بيان طرفاً من ذلك . وفي قوله تعالى:{ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }
قال ابن سعدي : يأمر تعالى بتدبر كتابه، وهو: التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه،ولوازم ذلك . فإن في تدبر كتاب الله مفتاحاً للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم . وبه يزداد الإيمان في القلب، وترسخ شجرته. فإنه يعرف بالرب المعبود، وماله من صفات الكمال؛ وما ينزه عنه من سمات النقص . ويعرف الطريق الموصلة إليه، وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه. ويعرف العدو، الذي هو العدو على الحقيقة؛ والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب. وكلما ازداد العبد تأملاً فيه، ازداد علماً وعملاً وبصيرة . ولذلك أمر الله بذلك، وحث عليه، وأخبر أنه هو المقصود بإنزال القرآن، كما قال تعالى: { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب }([15]) .
والسلف من الصحابة -رضوان الله عليهم-ومن بعدهم طبقوا ذلك عملياً . روى الامام أحمد عن عبد الرحمن قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل . قالوا: فتعلمنا العلم والعمل([16]) . ويستأنس لذلك أيضاً بما رواه مالك في موطأه عن يحيى بن سعيد أنه قال: كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمدٌ رجلاً، فقال : أخبرني بالذي سمعت من أبيك، فقال: الرجل أخبرني أبي أنه أتى زيد بن ثابت فقال له: كيف ترى قراءة القرآن في سبع، فقال زيدٌ حسن ولأن أقرأه في نصفٍ أو عشرٍ أحب إليه وسلني لم ذاك؟ قال فإني أسألك. قال زيد لكي أتدبره وأقف عليه([17]) .
6-جواز تلاوة القرآن قائماً أو ماشياً أو مضطجعاً أو راكباً . والأصل في ذلك قوله تعالى :{ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } الآية . وقوله تعالى :{ لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون } . والسنة جاءت بهذا كله، فمن حديث عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح )([18]) . ومن حديث عائشة- أم المؤمنين رضي الله عنها- قالت: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكىء في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن )([19]) . أما الماشي فإنه يقاس على الراكب ولا فرق .
فائدة: في حديث عائشة- رضي الله عنها- دليل على جواز قراءة القرآن في حجر الحائض والنفساء. والمراد بالاتكاء هنا: وضع الرأس في الحجر. قال ابن حجر: وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة، قاله النووي([20]) .
7-لا يمس المصحف إلا طاهر. الأصل فيه قوله تعالى:{ لا يمسه إلا المطهرون } . والنهي عن مسه إلا لمتطهر جاء مصرحاً به في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وفيه
أن لا يمس القرآن إلا طاهر)([21]) .
مسألة: هل يجوز حمل القرآن إذا كان بعلاقته ([22]) أو بين قماشه للمحدث ؟
الجواب: نعم . يجوز حمل القرآن بعلاقته ، لأنه ليس بمس له([23]). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن كان معه مصحف فله أن يحمله بين قماشه. وفي خرجه وحمله، سواء كان ذلك القماش لرجل أو امرأه أو صبي وإن كان القماش فوقه أو تحته ، والله أعلم([24]) .
فائدة: حمل المصحف بالجيب جائز، ولا يجوز أن يدخل الشخص مكان قضاء الحاجة ومعه مصحف بل يجعل المصحف في مكان لائق به تعظيماً لكتاب الله واحتراماً له، لكن إذا اضطر إلى الدخول به خوفاً من أن يسرق إذا تركه خارجاً جاز له الدخول به للضرورة([25]) .
8-جواز تلاوة القرآن للمحدث حدثاً أصغر عن ظهر قلب. أما الجنابة، فإنه فلا يجوز للجنب قراءة القرآن بحال من الأحوال ودليل ذلك ما رواه علي -رضي الله عنه- أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً )([26]) .
وأما الحدث الأصغر؛ فإنه يجوز معه قراءة القرآن عن ظهر قلب، ويستدل لذلك بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما في حديث مبيته عند خالته ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قال: (حتى إذا انتصف الليل- أو قبله بقليل، أو بعده بقليل- استيقط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده. ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران. ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ) ([27]) . فقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن بعد نومه وقبل وضوءه دليل على جواز قراءة القرآن لمن أحدث ببول أو غائط أو نوم، والأكمل والأفضل هو قراءة القرآن على حال طهرٍ .
ولا لوم ولا نكير على من قرأ القرآن وهو بهذه الحالة، بل اللوم على المنكر أولى وأحرى لورود السنة الصحيحة بذلك . جاء في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهم يقرءون القرآن، فذهب لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال له عمر: من أفتاك بهذا أمسيلمة ؟([28]) .
مسألة: هل يجوز للمحدث حدثاً أصغر يقرأ القرآن من المصحف؟
الجواب: قالت اللجنة الدائمة في إحدى أجوبتها: لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن حتى يغتسل ، سواء قرأه من المصحف أو عن ظهر قلب، وليس له أن يقرأه من المصحف إلا على طهارة كاملة من الحدث الأكبر والأصغر ([29]) .
مسألة 2 :أيهما أفضل للقارىء أن يقرأ عن ظهر قلب أو من المصحف ؟
الجواب: خلاف بين أهل العلم في ذلك، ففضل بعضهم القراءة عن ظهر قلب على القراءة من المصحف، ومنع ذلك آخرون وهم الأكثرون وقالوا: إن القراءة من المصحف أفضل، لأن فيه نظر للقرآن . وفي النظر للقرآن آثارٌ لم تثبت. وفصل آخرون في ذلك؛ قال ابن كثير:وقال بعض العلماء : المدار في هذه المسألة على الخشوع، فإن كان الخشوع أكثر عند القراءة عن ظهر قلب، فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف أكثر، فهو أفضل، فإن استويا، فالقراءة نظراً أولى، لأنها أثبت، وتمتاز بالنظر إلى المصحف. قال الشيخ أبو زكريا النواوي -رحمه الله- في التبيان: الظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل([30]) . وقال ابن الجوزي: وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم أيات يسيرة لئلا يكون مهجوراً ([31]).
9-جواز قراءة القرآن للحائض والنفساء . وذلك لأنه لم يثبت دليل يتعين المصير إليه على المنع من ذلك، ولكن بدون مس المصحف. قالت اللجنة الدائمة: أما قراءة الحائض والنفساء القرآن بلا مس مصحف فلا بأس به في أصح قولي العلماء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع ذلك([32]).
10-استحباب تنظيف الفم بالسواك قبل التلاوة . وذلك تأدباً مع كلام الله، فإن القارىء لما كان مريداً لتلاوة كلام الله، حسُنَ منه أن يطيب فمه وينظفه بالسواك أو بما يحصل به التنظيف، ولا شك أن في هذا تأدباً مع كلام الله . وقد يُستأنس لذلك بحديث حذيفة-رضي الله عنه- قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد من الليل يشوصُ فاه بالسواك ) ([33]) ، ([34]