محمد السيد عبد الرازق
قصة الشاب عادي:
(كان هناك رجل ولد بطريقة عادية من أب وأم عاديين وعاش في بيت عادي، وكانت طفولته عادية ثم دخل المدرسة الابتدائية بطريقة عادية والمرحلة التي تليها بطريقة عادية، وكانت درجاته عادية إلأى أن تخرج من الثانوي بمعدل عادي، ليدخل جامعة عادية وتخصصًا عاديًا ليتخرج بطريقة عادية، ثم توظف في وظيفة عادية براتب عادي، وكان عليه أن يختار امرأة ليتزوجها فاختار امرأة عادية ليتزوجها بطريقة عادية وأنجبت له أولادًا عاديين ورباهم تربية عادية وعاشوا بطريقة عادية، ثم تقاعد الرجل بطريقة عادية، ليتوفى وفاة عادية، وأقيمت له جنازة عادية، وكان من الطبيعي أن يترك في الحياة من بعده أثرًا عاديًا) [أقوال وقصص ملهمة، د.محمد فتحي،
(10)].
إن هذه القصة مع الأسف تنطبق على كثير من الشباب الذين عاشوا في هذه الحياة بلا هدف كبير ولا غاية سامية، من أجلها يضحون ويبذلون بل ساقتهم الحياة برتابتها إلى هذا الحال العادي مع الأسف حتى تركوا الحياة بلا أثر يذكر، ومن ثم فإنه لن يذكرهم أحد.
الشباب المسلم:
ومن المؤسف حقًا أن يكون هذا هو حال كثير من الشباب المسلم، أتباع خير البشرية المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأحفاد العظماء والمجديين في كل الميادين، ابتداء بعمر وأبي بكر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين مرورًا بسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وغيرهم من كبار التابعين أرباب العلم والفقه في الدين، ووقوفًا عند الأئمة الأربعة الأعلام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله أجمعين.
ومع ذكر أبطال أمة التوحيد، خالد بن الوليد وعبد الله بن المبارك وصلاح الدين وقطز وغيرهم يحن الإنسان إلى أن يمسك بطرف الحاضر ليصل به الماضي، لكن هذا لايعني أن كل شباب الأمة أصبحوا من أصحاب الحياة العادية، فمن بني أمتنا رجال على درب الأبطال سائرون يقطعون المراحل ويحققون الأهداف ويبلغون الآمال، فما أجمل اللحوق بهم على درب المعالي.
سلسلة الأهداف المباركة:
إذا تأملنا أيها الشباب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ نجد أن الصحابة رضي الله عنهم بلغوا قمة الإيجابية وعاشوا حياة مفعمة بالإنجاز، فكان من بينهم القائد العسكري الفذ كخالد بن الوليد رضي الله عنه، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان منهم العلماء الأجلاء كمعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، إلى غير ذلك من التخصصات.
فما الذي أوصلهم إلى ذلك؟
إنه الهدف، لقد استطاع المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم، أن يصنع في حياة كل صحابي من هؤلاء الصحابة هدفًا له يسعى إليه ويعيش من أجله، إنه هدف يصب في الهدف الأكبر وهو إقامة دولة الإسلام وتشييد أركانها؛ ومن ثم فقد أصبحت الدنيا والآخرة طريقًا واحدًا لديهم يوصل إلى مرضاة الله، وأصبح المسلم مطالب بصناعة الحياة، وعمارة الأرض، كما هو مطالب بالصلاة والصيام، وتلاوة القرآن فكل ذلك هو عبادة لرب العالمين الذي يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
هذا ما فعله النبي الأمين:
هذا ما فعله النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، لقد (فجر النبي صلى الله عليه وسلم طاقة الإرادة في نفوس أصحابه، عن طريق صناعة تلك السلسلة المباركة من الأهداف الواضحة، حتى غدا دخول الجنة والفوز برضوان الله تبارك وتعالى، والعمل على رفعة المسلمين من خلال النبوغ والتفوق في مجال من مجالات الحياة؛ حلمًا يعيش من أجله كل صحابي، ويتفاعل معه بكل ذرة من كيانه، بعد أن غرسه النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس رجال الإسلام الأُوَل) [يا له من دين لو أن له رجالًا، فريد مناع، (108)].
آن الأوان:
وها قد آن الأوان يا ابن الإسلام الهمام، أن تدفع عنك فراش السلبية والحياة المملة العادية، وتشرع في صناعة سلسلة مباركة من الأهداف العظيمة كتلك التي كانت لدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بقي عليك الآن أن تختار لك تخصصًا بعينه من مجالات الحياة سواء أكان الطب أو الهندسة، أو التجارة أو العلم أو الصناعة، وغير ذلك بما يتناسب مع ميولك وإمكاناتك.
ثم تحدد لنفسك فيه أهدافًا واضحة جلية، تشكل من خلالها حلمك الخاص الذي ستعيش من أجله، ومن خلاله تعمل على رفعة المسلمين، وعلى تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى في الأرض؛ ليكون جزاؤك أن تذوق حلاوة النجاح في الدنيا، ثم أن تحجز مقعدًا في جنة عرضها السموات والأرض، تلك الجنة التي سبقك إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لما أتقنوا صناعة أهدافهم بتوجيه من أعظم معلم عرفته البشرية صلى الله عليه وسلم.
أما الآن أيها الشاب، فهذه خطة عملية توضع بين يديك؛ تستطيع من خلالها أن تصنع هدفك لتعمل من خلاله على رفعة هذا الدين:
خطوات على الطريق:
بداية أيها الحبيب وقبل أن تشرع في صناعة هدفك، مهم جدًا أن تعلم أن هناك ثلاثة أنواع من الأهداف:
فهناك أهداف بعيد المدى: وهي تلك الأهداف التي تتحقق في غضون عشرين سنة.
مثال: هدفي مثلًا في الجانب المهني أن أصبح مالكًا لشركة من شركات الاستيراد والتصدير، أو شركة تعمل في برمجة الحاسوب.
أهداف متوسطة المدى: وهي تلك الأهداف التي تتحقق في غضون خمس سنوات، مثال ذلك في الجانب المهني أيضًا: هدفي أن أحصل على البكالوريوس في التجارة بتقدير جيد جدًا وذلك خطوة عملية في طريق افتتاح شركة الاستيراد والتصدير، أو هدفي أن أحصل على بكالوريوس الهندسة في قسم الحاسب الآلي، وذلك كخطوة في طريق افتتاح شركة البرمجة.
أهداف قصيرة المدى: وهي تلك الأهداف التي تتحقق في غضون سنة فأقل، ومثال ذلك أن يكون هدفك في الجانب المهني: اجتياز دورة إدارية في كيفية إدارة الأعمال.
(وكل إنسان صاحب رسالة في الحياة لكي يستطيع أن يحقق رسالته فلابد أن يمر بكل هذه المراحل السابقة من وضع الرسالة، ثم تحديد الرؤية (الأهداف بعيدة المدى)، ثم ترجمة هذه الرؤية إلى أهداف متوسطة المدى وأهداف قصيرة المدى لكي يستطيع أن يبدأ السعي في تحقيقها؛ لأن مشوار الألف ميل لابد أن يبدأ بخطوة واحدة.
وإذا أردنا أن نضرب مثالًا عمليًا على كل هذه المراحل فلن نجد أعظم من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) [صناعة الهدف، هشام مصطفى عبد العزيز، صويان شايع الهاجري، وآخرون، (220)].
ويطبق الإمام ابن القيم هذا المعنى على هدف الوصول إلى الله تبارك وتعالى ونيل رضاه سبحانه، فيقول: (العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها، مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر.
فالكيِّس الفَطِن هو الذي يجعل كل رحلة نصب عينيه، فيهتم بقطعها سالمًا غانمًا، فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه، ولا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ويمتد أمله، ويحضر بالتسويف والوعد والتأخير والمطل، بل يعد عمره تلك المرحلة الواحدة فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته، فإنه إذا تيقن قصرها وسرعة انقضائها هان عليه العمل فطوعت له نفسه الانقياد إلى التزود) [طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم، (337)].
وهذا نموذج عملي:
الأهداف
الزمن المقدر
الهدف الاستراتيجي
الحصول على مركز أستاذ الأمراض الباطنة.
17 سنة
الأهداف المرحلية
1
بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير ممتاز.
6سنوات
2
ماجستير الأمراض الباطنة.
3سنوات
3
الدكتوراه في الأمراض الباطنة.
4سنوات
4
الإشراف على عدد من رسائل الماجستير ثم الدكتوراه.
3سنوات
وهكذا أيها الحبيب ووفق هذه الخطة المحكمة التي تضعها وتضع فيها أوقاتًا محددة لبدء الأهداف وكذلك أوقاتًا للانتهاء منها، تصل لما تريد وتشيد بيديك أهدافك، تهنئ برؤية تحقيقها على أرض الواقع ويسعد بك الإسلام، الذي ما وضعت تلك الأهداف إلا من أجل رفعته.
ناقوص الفشل:
والآن ربما يترامى إلى مسامعك صوت ينادي فيك إنك لن تستطيع فعل هذا، من الصعب عليك أن تحقق هذا، ولو كنت في حال آخر لربما أمكنك ... إلخ.
إنه ناقوص الفشل، فاحذر منه أن يغويك فتقعد ويعلو صوته في أذنك فتعرض، فالحياة تعيشها مرة واحدة وربما لا تأتيك الفرصة إلا مرة واحدة والفطن من يغتنما، ولا أجد أبلغ من هذه القصة ترد على هذه الأفكار، فعش معها وتأمل فيها، علك تبلغ المنى وتحقق الآمال:
ليس في قلبي إلى أن أرى قطرة فيك غدت بحرًا عميقًا
لا عرى الروح هدوء ولتكن بحياة الكد خليقًا
إرادة تفل الحديد:
"كان هناك طفل في العاشرة من عمره فقد ساقه اليسرى في حادث سيارة وأصبح كل أفراد العائلة في حالة حزن على ما حدث له وكان أصدقاؤه ومدرّسوه في المدرسة يعاملونه بطريقة مختلفة لأنه معوّقّ، فقرر الطفل ترك المدرسة وإكمال دراسته بالمنزل، وكان الطفل مولعًا بالسباحة وفي أحد الأيام عندما كان يسير على ضفة النيل بالقاهرة لاحظ أن هناك مجموعة من المعوقين يتدربون على السباحة في ناد خاص لهذه اللعبة، وبالحديث معهم اتضح أنهم يشتركون في مسابقات سباحة للمعوقين، وبدون تردد انضم لهذا الفريق وبدأ في التدريب معهم، وفي عام 1978م حصل على الميدالية الذهبية وأصبح من أبطال مصر للسباحة، وقاده حماسه المتأجج للعودة إلى المدرسة وحصل على درجات ممتازة وبدأ أيضًا في ممارسة رياضات أخرى للمعوقين . وفي عام 1980م اشترك في الأولمبياد الخاص بالمعوقين وكان مندهشًا لمستوى المهارات التي وصل إليها المتسابقون الآخرون . وفي عام 1981م حدثت نقطة تحول في حياة هذا الشاب فقد قرر أن يعبر بحر المانش (القنال الإنجليزي) ونصحه من حوله بعدم القيام بهذه الخطوة لأن درجة الحرارة هناك كانت ثلاث درجات مئوية فقط وهناك تيار قوي في هذه المنطقة مما يشكل خطورة كبيرة عليه، وقال له النقاد أن المسافة لعبور القنال تتعدى الثلاثين كيلو مترًا، وأن كثيرًا من الأبطال الذين كانوا في أتم صحة قد فشلوا في عبور هذه المسافة وقيل له أيضًا أنه ما زال صغير السن ووزنه أقل من ستين كيلو جرامًا , وإنه معوق وأنهم لا يعتقدون أن باستطاعته عبور المانش وأن هذا مستحيل .
ولكن الشاب لم يعبأ برأيهم بل عاهد نفسه على أن ينجح في محاولته للعبور، وفي يوم من الأيام عُرض عليه أن يشترك في سباق لعبور القنال الإنجليزي (المانش) بشرط أن يتحمل هو جميع المصاريف وبدون تردد وافق على الفور.
وفي عام 1982م بدأ في فترة تدريب لمدة ستة أشهر ثم دخل تجربة التأهل للسباق وكانت أدنى سرعة 5و3 كيلومترات / ساعة، ورغم أن سرعة الشاب كانت فقط ثلاث كيلو مترات في الساعة إلا أنه أقنع اللجنة المسؤولة بقبوله للاشتراك .
وأخيرًا سافر إلى إنجلترا وبدأ في التدريب المكثف لمدة أربع ساعات يوميًا وكان كل شيء على ما يرام، و قبل السباق بيومين، فقد أحس بألم شديد في أذنه، واكتشف الطبيب أن هناك كيسًا دهنيًا ملتهبًا في أذنه ولا يستطيع الاشتراك بسببه في السباق، وطلب الشاب من الطبيب أن يستأصل الكيس الدهني، وفعلًا تم إزالته بعملية جراحية وطلب الطبيب من الشاب أن يلتزم بالراحة لمدة أسبوع على الأقل مما يعني أنه لن يشترك في السباق، وشعر الشاب بأن حلم حياته على وشك الانهيار، ونصحه من حوله بأن يلتزم بنصائح الطبيب وأن ينتظر حتى السباق التالي ولكن الشاب قرر بإصرار أن يشترك في السباق مهما كانت النتيجة وقامت اللجنة المشرفة على السباق بتعيين حكم خاص لمراقبة حالة الشاب خلال السباق.
وبدأ الشاب عام 1982م رحلة مصيرية على شاطئ دوفر في إنجلترا وبعد 12 ساعة و39 دقيقة وصل للشاطئ الفرنسي، وبإنجازه لهذا النجاح رغم شراسة المياه، والمتاعب الكثيرة التي واجهته، كان هو أسرع من أي سباح آخر حتى الأعلى لياقة والأتم صحة وجسمًا وأصبح بذلك أول شخص معوق يعبر المانش وبعد أن فاز بهذا السباق قال (أنا الآن أتساوى مع أي سباح آخر بل أي شخص آخر وأستطيع أن أقوم بأي عمل يقوم به أي شخص آخر وباستطاعتي أن أنجزه حتى بطريقة أفضل).
أنت تستطيع
المصادر:
يا له من دين لو أن له رجالًا فريد مناع.
طريق الهجرتين وباب السعادتين ابن القيم.
صناعة الهدف هشام مصطفى عبد العزيز، صويان شايع الهاجري.
اضف تعليق ارسل لصديقاطبع الخبر
الاسمالبريد الإليكترونيعنوان التعليق