كثيراً ما نقع تحت وطأة الخجل العارم عندما نخطئ ، ويحاول بعضنا تبرير خطأه بكل السبل المتاحة مما يزيد الخطأ قبحاً، ويعود هذا السلوك في حياتنا إلى نظرتنا القاصرة إلى الخطأ ، فنحن نرى أن الخطأ دائماً هو نقص وخلل ، وهذا بدوره جعل بعضنا يتخذ مواقف حادة جداً ممن يقعون في الخطأ ، وبعضهم أسهب في تأنيب الآخرين وألصق عار الخطيئة كتهمة لاصقة بنا على الدوام .
والقرآن والسنة النبوية بيّنا لنا أن الخطأ من طبيعة البشر ، ولو لم نخطئ لأبدلنا الله بغيرنا ، إلا أننا عُلّمنا كيف نتعامل مع الخطأ وكيف نتعلم منه ، كما أبدل الله بفضله ومنته سيئات كل خطاء إلى حسنات متى ما تاب منها ، وبين أن المطلوب هو اقتراب العبد إلى ربه ولجوئه إليه وخوفه منه مع بقائه على بشريته .
وتتنوع الأخطاء بدرجاتها وماهيتها ، فمثلا هناك أخطاء دنيوية وهناك أخطاء تتعلق بعبادة الإنسان لربه ، وأياً كان الخطأ لنتذكر أنه طريق لحصول التعلم والرقي بالنفس حين نتعامل معه تعاملاً واعياً بحيث لا نحارب المخطئ ونعاديه ليبقى أسير الندم واليأس والإحباط أو تتولد لديه ردة فعل معادية لكل ما نحن عليه وبذلك نعين الشيطان على أخينا ونحن نحسب أننا ممن أحسن صنعاً ، أو أن نهمله ونسكت عنه فيتمادى المخطئ ضالاً طريقه في ظل غياب الإرشاد والتوجيه .
إن إدراكنا لمفهوم الخطأ ونظرتنا له كطريق للتعلم ورقي النفس سيقودنا إلى تعامل إيجابي مع المخطئ مما يساعدنا في تحقيق توبته وتعلمه من خطئه ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة إذ جاءه شاب يستأذنه بالزنا ( وهو من كبائر الذنوب ) فابتسم له المصطفى وخاطب عقله ووضع يده على صدره ودعا له ، وفي وضع المصطفى يده على صدر ذلك الشاب دلالة عظيمة نغفل عنها كثيرا وهي أهمية اقترابنا من المخطئ واطمئنانه لنا ليتم النصح والتوجيه والتعلم ما لم ولن يكون بالكره والنفرة منه أو الابتعاد عنه ، ولن يزيده الجفاء إلا تهوراً في الخطأ واقتحام أخطاء أخرى ، ولنتذكر صنيع المصطفى صلى الله عليه وسلم مع ماعز والغامدية عندما حاول أن يخفف من حدة الخطأ ليمنحهما فرصة البقاء لتصحيح المسار إلا أنهما أرادا التطهير .
ما سبق قد يكون واضحاً وجلياً في الأخطاء الشرعية ، وبنفس الطريقة والأسلوب نتعامل مع أخطائنا الدنيوية ونربي أبناءنا على كيفية التعامل معها ، فالخطأ لا يعني الفشل والهلاك ، ولا ينبغي أن يكون باعثاً على ترك العمل والتقاعس ، ولا نقابل الخطأ بالضحك والسخرية والاستهزاء ، بل نقف مع المخطئ ونسانده ونشد من عزمه ليعاود المحاولة أو النظر في الطريقة التي اتبعها وجدواها .
إنه ليس عيباً أن نقول أخطأنا ونعترف بأخطائنا ، إنما الخلل في أن ننظر لهذا الأمر بأنه قاع الرذيلة أو الفشل ، وينبغي لنا عدم التركيز على الخطأ ذاته بل ننظر إليه على أنه أمر طبيعي الحدوث وشيء مضى لا تحكم لنا به الآن ، ونركز اهتمامنا في كيفية التعلم من أخطائنا والاستفادة منها لا التمادي فيها والإمعان ، وتجنب سبل الوقوع فيها مرة أخرى .