الامل مـــدير المنتدى الفنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
عدد المساهمات : 19301 رصيد نقاط : 51937 رصيد حسابك فى بنك نور : 577 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 البلد : مصر
بطاقة الشخصية عـــائلــة نــــــــــور: 50
| موضوع: الشمس المريضة! الغد المشرق السبت يونيو 19, 2010 6:33 am | |
| الشمس المريضة!
كتبها: د.طارق البكري
في أحد الأيام، وفي موعدها المعتاد، خرجت الشمس في الصباح الباكر لتنير وجه الأرض بأشعتها الذهبية.. لكنّ نورها كان ضعيفاً باهتاً ليس كمثل كل يوم من أيام الصيف المشرقة..
لاحظ صبي صغير يدعى سالم أنّ الشمس لا تشرق ساطعة كعادتها..
فسألها دون أنْ ينظر إليها مباشرة، لأنّه يعلم أنّ النظر إلى الشمس يضرّ بعينيه.. قائلاً: أيتها الشمس المحبوبة.. ما لي أراك اليوم حزينة مهمومة ولست كعادتك كل يوم نشيطة زاهية اللون؟ هل أنت مريضة؟
تنهدت الشمس تنهيدة عميقة.. ثمّ التفتت إلى سالم وقالت: آهٍ يا صديقي العزيز.. ماذا أقول لك! اليوم قبل أنْ أخرج إلى الدنيا اليوم صباحاً لأنير التلال والصحارى والسهول والجبال والمدن والقرى... تأمّلت نفسي وقلت: إلى متى أستمر على هذه الحال.. لقد تعبت.. كل يوم احترق واحترق.. تتفجر على رأسي البراكين لكي أنير الأرض.. وأنا أحترق وأذوب من أجل الآخرين.. ولا أحد يشعر بي ويقدّرني.. لقد أصابني اليأس..! وبدأت أشعر بالمرض والإحباط والشيخوخة.. كم أتمنى أن تنطفيء أنواري الساطعة.. وتهدأ براكيني الثائرة المشتعلة لأعيش بأمان وسلام وراحة وهدوء بال..
نظر الصبي الذكي من حوله.. وتأمّل أشعّة الشّمس الضعيفة المنسكبة على الأرض بخمول وبؤس..
وشعر في نفسه بتأثر بالغ من كلام الشمس التي يحبها..
وقال لها: يا حبيبتي الشمس.. أيّتها النور البديع، من قال لك إنّنا لا نقدرك؟! كلّ الناس يعرفون قيمتك.. وقد كتبوا لك وعنك قصائد وقصصاً وحكايات..
والله تعالى ذكرك في كتابه العزيز مرات ومرات.. ويكفي أنّه سبحانه وتعالى أقسم بك في سورة حملت اسم (الشمس) قائلاً: (والشمس ضحاها..).. وقد ورد اسمك صريحا في القرآن الكريم نحو 35 مرة، منها 33 مرة باسمك (الشمس) ومرتان بصفتك، سراج مرة، وسراج وهاج مرة أخرى.. وهناك آيات كريمات كثيرة تتحدث عن الضوء والنور، وآيات تذكر النجم والنجوم. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس:5).
اهتزت الشمس وهي تسمع كلام الله تعالى... وصار نورها يتوهج.. فقال الصبي: ألا يكفيك هذا يا عزيزتي فخراً وعزاً.... كما إنّك تسبحين في الفضاء الرحب دون انقطاع، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: (والشمس تجري لمستقر لها)..
ثم توقف الصبي عن الكلام قليلاً يتأمل هذه الآية البديعة ثم قال: أنا أحبك يا شمسي العزيزة.. وتأكدي أنّ كلّ الناس يحبونك.. ألا تذكرين قصتك الشهيرة (يؤخذ باللين ما لا يؤخذ بالشدة)، ونقاشك مع الريح الذي راهنك على قدرته على خطف المعطف من صاحبه بقوة الريح الشديدة.. لكنّ الريح لم تتمكن من ذلك.. لأنّ الريح كلما اشتدت كان صاحب المعطف يشدّ معطفه إلى جسمه.. غير أنّك وبحرارة بسيطة، جعلت الرجل يخلع معطفه.. وفي هذه القصة البسيطة تعلّمنا منك أمثولة كبيرة..
قالت الشمس بتواضع: الحمد لله الذي ذكرني في كتابه العزيز... وأشكر الناس الذين أخذوني عبرة في حكاياتهم وقصصهم وحياتهم.. وهذا أمر لا أنكره على أبداً.. وقد غمرني الله تعالى بفضله.. وأكرمني الناس بذكرهم لي.. وأصبحت قرآنا يتعبّد الناس به، ويقرأوني في صلواتهم.. وأنا أقدّر كلّ ذلك وأعرف أهميّته.. لكنني أشعر بالهم والحزين رغم ذلك..
فقال الصبي: ماذا بعد هذا من إكرام أيّتها الشمس اللطيفة؟
قالت الشمس بمحبة وبصوت هادئ لطيف: أيّها الولد المحب.. أنا أقرّ بكل كلامك وأقدّره وأعترف به ولا أنكره، لكنّي أحياناً أشعر بملل من عملي.. فقد تعبت.. فأنا أعمل بلا انقطاع.. النّاس ينامون وأنا أعمل.. بعض الأطفال يظنون أنّني أنام في الليل.. لكني أتركهم هم ليناموا وأتوجه أنا إلى ناحية أخرى من الأرض، حيث ألتقي بأناس آخرين وأطفال آخرين.. فعندما يكون الليل في ناحية من الأرض يكون النهار في ناحية أخرى منها.. وعليّ أنْ أعمل ليل نهار.. ففي كل لحظة على الأرض يوجد شروق وغروب.. والله تعالى يصف نفسه في سورة المعارج: (برب المشارق والمغارب).. وكله لله طبعاً (ولله المشرق والمغرب). ففي كل لحظة شروقٌ وغروبٌ.. ولهذا فإني تعبت.. تعبت.. خاصة أنّ هناك من يقول إنّ عمري سيكون نحو 10 آلاف مليون سنة، مضى منها 4600 مليون سنة – فانظر كم أنا عجوز عجوز – وما تبقى من عمري يقدر بنحو 5500 مليون سنة.. تصور؟؟ هل يمكن أن تتخيل هذا الرقم؟؟؟؟
تأمّل الصبي شعاع الشمس الذي عاد باهتاً حزيناً أكثر من ذي قبل.. فقد استغلت بعض السحب ضعف الشمس لتنتشر في المكان وتغطي جزئاً من السماء..
فقال الصبي الذكي:
ايّتها الشمس اللطيفة.. لقد أحسست بكل كلمة قلتها.. وبكل نفس حار صدر من قلبك.. ولو أردت مدحك لما كفتني ساعات وساعات، فأنت مصدر الدفء والضياء في الأرض، ومن دونك تنمحي الحياة عنها. فطاقتك ضرورية لنحيا وليحيا النبات والحيوان، كما هي لازمة لاستمرار الحضارة البشرية، فمعظم الطاقات الأخرى الموجودة على الأرض مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي والرياح ما هي إلاّ صور مختلفة من الطاقة الشمسية، ولو اختفيت لفترة ولو قصيرة لتجمدت الحياة على الأرض.
ثمّ سكت الصبي قليلاً قبل أن يتابع حديثه قائلاً: أنت يا شمسي الحبيبة من أهم أسباب استمرار الحياة على الأرض، ولهذا قدّسك القدماء، حتى إنّ بعضهم عبدك من دون الله زوراً وبهتاناً تقديراً لك ولقوتك وجبروتك...
نظرت الشمس إلى الصبي بعطف شديد.. أرسلت أشعتها الدافئة بحنان.. تحييه على كلامه الطيب.. كانت تريد أنْ تحني رأسها إجلالاً لعظمة الله وإقراراًً بعبوديتها له، وتواضعاً أمام قدرته ولما منحها من نعم جليلة وفوائد عظيمة..
ثم قالت: ما أنا إلا مخلوق من مخلوقات الله تعالى.. وقد كنتُ حزينة جداً منذ القدم وغاضبة من أولئك الذين يكفرون بالله ويعبدونني دون وجه حق.. ولستُ أنا بشيء.. فأنا أعرف قدر نفسي أكثر منهم، فلست سوى نجم متوسط الحجم والكتلة واللمعان، حيث توجد فى الكون نجوم أكبر مني تعرف بالنجوم العملاقة، كما توجد نجوم أصغر مني تعرف بالنجوم الأقزام. وكوني نجماً وسطاً كنت بأمر الله أكثر استقراراً، ما انعكس على استقرار الحياة على الأرض. فلو زاد إشعاعي عن حد معين لاحترقت الحياة على الأرض، ولو نقص عن حد معين أيضا لتجمّدت الحياة على الأرض.. كم قلت يا صديقي الصغير...
وكانت الشمس في هذه الأثناء تتحدث بثقة وإيمان ومحبة حبور...
فرح الصبي بكلام الشمس بعد أن استعادت بريقها.. وبدأت تخرج من حزنها... وقال: لقد درست عنك في مدرستي الكثير الكثير.. وهنالك علماء كبار يدرسون كل شيء عنك..
فتح الصبي كتابه المدرسي وبدأ يقرأ:
.. والشمس هي أقرب النجوم إلى الأرض، وهي النجم الوحيد الذى يمكن رؤية معالمه المسطحه بواسطة المنظار الفلكي. أمّا باقي النجوم فيصعب حتى الآن مشاهدة تفاصيل أسطحها نظراً لبعدها السحيق عنا. فلو استخدمنا أكبر المناظير في العالم نرى النجوم كنقط لامعة ودون تفاصيل، أمّا لو استخدمنا منظاراً متوسط القوة لرأينا مساحات على سطح الشمس تساوي مساحة دولة مصر تقربياً. وعلى سبيل المثال والمقارنة نجد أنّ متوسط بعد الشمس عن الأرض يساوى 93 مليون ميل، ويعرف بالوحدة الفلكية لقياس المسافات فى الكون وتساوى 149.6 مليون كم. أمّا أقرب نجم أو شمس لنا بعد شمسنا فيقدر بعده بنحو 4.2 سنة ضوئية أي ما يعادل نحو 42 مليون مليون كيلو متر.
وكانت الشمس فخورة بنفسها وهي تسمع هذا الكلام..
فرح الصبي سالم بفرح الشمس وفخرها بنفسها.. وقال لها: حقٌّ لك أيتها الشمس أنْ تفخري بنفسك.. وسوف أخبرك خبراً يسرّك أكثر.. هل تعلمين أنّه ومنذ سنوات قليلة وفي جامعة عربية ناقش باحث من الطلاب رسالة جامعية بعنوان: (الشمـس فـي الشـعر الجاهلـي)..
فضحكت الشمس بصوت مليء بالفرح والسعادة
وتابع سالم حديثه قائلاً:
وعرض الباحث واسمه كمـال فواز أحمد سـلمان مكانتك الدينية في القدم، وذكر أنّك كنت أحد ثلاثة أركان ثالوث مقدس، في معتقدات الأمم القديمة في الفكر السومري والبابلي والأشوري والفينيقي والمصري واليوناني والروماني والعبراني، إضافة إلى اليمنيين والعرب الجاهليين.
وتابع سالمٌ حديثه فخوراً هو أيضاً بمعلوماته القيّمة، وكانت الشمس تنصت إليه بكل فرح وسرور: تناول الباحث المواضع التي وردت فيها (الشمس) في أشعار الجاهليين بعامة، وعرّفنا إلى رموزك في الشعر الجاهلي، والمواضع التي ركز الشعراء فيها على ذكرك، وعلاقة المرأة بالشمس ومعرفة دور هذا الكوكب من خلال أغراض الشعر بأشكالها المتنوعة، ثم وصف حالة الشمس في أثناء الحرب والطبيعة الحيّة بنباتها وحيوانها. كما طرح أشياء كثيرة عنك أيتها الشمس الدافئة..
ضحكت الشمس من قلبها وقالت: ما أطيب قلبك يا ولدي الحبيب..
فقال سالم: لو قعدنا نتكلم عن الشمس لما انتهينا.. فحديثك طويل طويل.. وقد ورد ذكرك في كثيرمن الأساطير العالمية والقصص الخيالية.. وهناك دراسات وبحوث، وكتب كثيرة صدرت عنك.. فهل بعد كل هذا الكلام ما زلت تشعرين بالحزن والإحباط..
قالت الشمس وقد انجلى همها... ولمع لونها.. واشتد توهجها وسطوعها:
ما أجمل كلامك يا صديقي العزيز.. أعدك أنني من اليوم وصاعداً لن أشعر بالملل ولا بالإحباط.. وشكراً لله على نعمائه العطيمة.. فقد وهبني أشياء كثيرة لم ينلها نجم كبير ولا صغير كما نلت أنا من إكرام وفضل..
ثم عادت الشمس وشكرت سالماً على حديثه اللطيف الذكي.. وقالت له إنّها ستكافئه على عمله بأنْ تخفف حرّها عليه طوال حياته، فلن يشعر بالحر أبداً..
فضحك الطفل الذكي وقال الطفل مبتسماً:
كم أنت لطيفة أيتها الشمس، ورغم تقديري لموقفك النبيل، لكنّي أتمنى منك أن تعامليني كغيري من البشر.. لأني أريد أن أحيا مثل الجميع دون تميّز عنهم.. فأشعر بالبرد في أيام البرد والحر في أيام الحر..
وراح الصبي سالمٌ يضحك ويضحك
فضحكت الشمس هي أيضاً مرّات ومرّات من أعماقها.. وقالت:
ولك ما تريد أيها الولد النجيب...
فرح سالم بتعبير الشمس.. وصار يغني:
أنا سالم.. أنا الولد النجيبْ..
أنا سالم.. أنا الولد النجيبْ..
أحيا بفرح وضحك
لا أعرف الحزن ولا النحيبْ
لآأحب الشمس المشرقة
ولا أريدها أن تغيبْ..
أحبها سعيدة.. سعيدة..
تأتي كل صباح بلون قشيب..
ما أجمل الشمس وقولها:
سالم ولد نجيب..
سالم ولد نجيب.. | |
|