رفعت الببغاء قدمها
إلى رأسها" وحكته"، ثم أنزلت قدمها والتقطت بواسطة مخالبها القوية بندقة
ونقلت البندقة بحركة رشيقة إلى منقارها القصير المعقوف، وضغطت عليها بطرفي
المنقار، فشقتها وألقت بالقشرة جانبا، ثم التهمت الثمرة. التقطت ثانية،
لكنها لم تلبث أن ألقتها جانباً، وخطت خطوتين، ثم توقفت. كانت تشعر بالضجر،
كان القفص واسعاً، وفي أرجائه تناثرت الأطعمة التي تعشقها: البندق والموز،
قطع البسكويت، لكن ذلك ما كان يعدل الحياة المثيرة خارجهأدارت رأسها في
حركات عصبية واستقرت كل عين من عينيها على جانب من محتويات الغرفة: المكتب
الكبير وما عليه من أوراق وأدوات وجهاز التلفون الذي يرن بين الحينورفوف
الكتب التي تغطي الجدران.. فغرت منقارها وصاحت:" وليدكان وليد هو الذي
رباها منذ الصغر، واعتنى بإطعامها ونظافتها. وحرص على مصاحبتها، وكان صبورا
في محاولة تدريبها على الكلام، أو بعبارة أدق محاكاة الأصوات
فقد كانت
الببغاء من النوع الأول الذي يستطيع تقليد الأصوات المختلفة بدقة بالغة،
دون أن تفهم- بالطبع- مغزاها، وإن أدركت أحيانا بذكائها الحاد ارتباط هذه
الأصوات بمواقف معينة
فلم تكن تدرك- مثلاً أن وليد هو اسم صاحبها- لكنها
تبينت- بالتجربة- أن مجموعة الأصوات التي تتشكل منها كلمة (وليد) ترتبط به
ارتباطا وثيقاً، وغالبا ما تؤدي- لدى ترديدها – إلى ظهوره فورا لكنه-هذه
المرة- لم يستجب إلى ندائها.. اقتربت من باب القفص وأدارت رأسها، بحيث
استقرت عيناها على مزلاجه قد اكتشفت أنها إذا وضعت منقارها أسفل قاعدة
المزلاج وضغطت إلى أعلى، فإنه يتحرك ولا يلبث أن ينفتح
لكن وليد أضاف
إلى الباب مزلاجاً ثانياً، بعيدا عن متناولها، رفعت عرفها استعدادا لصراخ
متواصل باسم وليد وأسماء أخرى، وأصواتاً بشرية متعددة، ورنين أجراس وأبواق
سيارات، وصرير أبواب وكل ما تعلمته، وحذقته، ثم أدارت رأسها جانبا، وتابعت
بعينها- في انفعال- باب الغرفة وهو يفتح في بطء ويبرز منه شخص غريب ودخل في
حذر، ثم أغلقالباب خلفه في هدوء واتجه الغريب إلى المكتب وأقبل يفتش
أدراجه، ويضع في جيبه ما يعثر عليه من نقود أو أشياء ثمينة وفجأة، رن جرس
التلفون، جمد اللص في مكانه، واستقرت عيناه على الجهاز حتى توقف الرنين،
فاستأنف عمله تابعته الببغاء باهتمام-بعض الوقت- حتى ضجرت وعاودها الحنين
إلى وليد، وهنا أوحى إليها رنين التلفون أن تستعرض مواهبها وكان اللص
منهمكا في محاولة فتح أحد الأدراج، عندما سمع فجأة وقع أقدام تقترب من باب
الغرفة، ثم دوت عدة طرقات على الباب، وجاء صوت مقبض الباب وهو يدور في عنف،
ثم سمع صوتاً نسائياً يقول:يا وليد.. أنت هنا؟
صعق اللص من المفاجأة،
فقد كان متأكدا من خلو المنزل من قاطنه وإلا ما أقدم على اقتحامه، ولم يخطر
بباله أن كل الأصوات التي سمعها كانت الببغاء هي مصدرهاانتقلت الببغاء إلى
أصوات صرير باب يفتح، ورنين جرس التلفون، وبوق سيارة الشرطة وهي تعلو
مقتربة، ثم صوت مكابح قوية، وعند هذا الحد أفاق اللص من ذهوله، وهوىإلى
النافذة فقفز منها دون أن يعبأ بارتفاعها عن الارض لم يذهب اللص بعيداً،
فقد التوت ساقه وعجز عن السير وجلس على الأرض بجوار حائط المنزل، وهو يندب
حظه،قبل أن يكتشف- فجأة- أنه لا توجد أية سيارات للشرطة على مقربة منه.هز
رأسه متعجبا، ثم انتفض فجأة، عندما بلغه صوت الضحك وكانت الببغاء قد انتقلت
إلى مجموعة جديدة من الأصوات، تبدأ بضحكات خاصة تتحول تدريجياً إلى قهقهة
عالية، ثم تتحول إلى ضحكات صاخبة مرحة