في
كلِّ فرصةٍ، ألتقي صديقي أسامة، يُمازحُني، وأمازحُهُ، يُطعمُني ممّا
معهُ، وأُطعمُهُ ممّا معي، فيمضي النهارُ سريعاً، لا نشعرُ فيه بمللٍ،
وبعدَ الانصرافِ من المدرسة، أذهبُ إلى بيتهِ، أو يأتي إلى بيتي،
فندرسُ، ونكتبُ.. يشرحُ لي ما يصعبُ عليَّ، وأشرحُ لـهُ ما يصعبُ
عليهِ.
وفي هذا اليومِ، حينما كنْتُ عائداً إلى
البيت، أسرعَ إليَّ تلميذٌ في صفِّنا، اسمهُ غسّان، وقال لي هامساً:
ـ أتدري ما يقولُ عنكَ أسامة؟
ـ لا.
ـ يزعمُ أنَّهُ يشرحُ لكَ الدروسَ، ولولاهُ
لما فهمْتَ شيئاً، وأنَّكَ تُصاحبُهُ، ليطعمَكَ، و.. دخلْتُ البيتَ
عابسَ الوجهِ، فسألَني أبي:
ـ ما لكَ عابساً كئيباً؟!
أعلمتُهُ بكلِّ شيء، وقلْتُ غاضباً:
ـ يجبُ أنْ أقطعَ صِلتي بأسامة.
ـ لا تعجلْ يا بنيّ، فالخطأُ زادُ العَجول.
ـ ولكنَّ غسّان أكَّدَ لي أقوالَهُ!
ـ هذا ولدٌ نمّامٌ، ومَنْ نمَّ لكَ نمَّ
عليك.
ـ كيف؟
ـ ربَّما حدَّثَ أسامةَ، بمثلِ ما حدَّثكَ.
ـ وماذا ترى؟
ـ أرى أنْ تُصارحَ صديقَكَ بما سمعْتَ.
ذهبْتُ إلى صديقي أسامة، وأخبرتُهُ بما
سمعْتُ، فانتفضَ مدهوشاً، وقال:
ـ لقد صادفَني غسّانُ اليومَ، وقال لي عنكَ
الكلامَ نفسَهُ!
قلتُ غاضباً:
ـ دَعْ أمرَهُ لي، لا تعاتبْهُ.
ـ ماذا ستفعل؟
ـ غداً ترى ما سأفعلُهُ.
عندما ذهبنا إلى المدرسة، بحثْنا عن غسّان،
ولمّا وجدْناهُ، أخرجْتُ من محفظتي، قطعةَ حلوى مصرورة، وقدَّمتُها إلى
غسّان، قائلاً:
ـ هذه الحلوى هديّةٌ لك.
ـ لماذا؟
ـ لن أُخبرَكَ حتّى تأكلَها.
أكلَ غسّانُ الحلوى، ولحسَ شفتيهِ، بلسانِهِ
الطويل، ثمّ قال:
ـ أخبرْني الآنَ: لماذا أهديْتني الحلوى؟
قلْتُ ساخراً:
ـ ليصبحَ كلامُكَ المرُّ حُلواً!
ـ أيُّ كلام؟
ـ الكلام الذي نقلْتَهُ إليَّ، ونقلْتَهُ إلى
أسامة!
انصرفَ خجلاً، وتركَنا نضحك