كانت الحظيرة
مملوءة بالدجاج والديوك ،يستيقظ الديك الكبير عند الفجر ليؤذن فتستيقظ
الطيور ترفرف باليوم الجديد، يصبح الدجاج على بعضه البعض بمناقيره حيث تنقر
كل واحدة منهم الأخرى بمنقارها تحية وحبا، يداعب الدجاج بعضه البعض
وتداعبه الديوك ،تخرج الطيور من الحظيرة لتأتي بالحبوب والماء للصغار ،وفي
المساء تصيح الطيور تنبأ عن رحيل يوم جميل وقدوم ليل أجمل يهنأون ويخلدون
فيه إلى الراحة ، تظل الطيور تمرح وتلعب ،تشرب وتأكل هكذا كل يوم ويبيض
الدجاج وتمر الأيام ويأتي دجاج جديد يملأ الحظيرة وتملأ قلوبهم الفرحة.
وذات مساء نظرت الطيور فإذ بثعلب يتربص بالحظيرة حتى دب الرعب في قلوبهم
فأسرعوا بغلق الحظيرة غلقاً محكماً ،خافت الطيور على بعضها البعض وخافوا
على صغارهم ،اتفق الديوك على أن يتناوبوا الحراسة طوال الليل من ذلك الثعلب
المكار ،وساد الحظيرة الخوف والحزن إلا أن الديك الكير نصح الدجاج بألا
يظهروا هذا الخوف حتى لا يطمع فيهم الثعلب عندما يحس بأنهم خائفون حتى وإن
تملكهم الخوف وأن تظل الديوك تؤذن كل صباح وكل مساء ،لكن أصبحت كل حركاتهم
تتم في حرص وحذر شديد.
وما زال الثعلب يأتي إليهم كل مساء ،فقد فكر الثعلب أن يأتي إليهم كل مساء
على ألا يفعل أي مكروة حتى يتعودوا مجيئه كل يوم ويزيل عنهم الخوف وظل كل
منهم على حاله حتى بدأ يقترب منهم شيئاً فشيئا ثم يتركهم حينما يحس بالهرج
والمرج يدب فيهم .
ومرت الأيام وبدأ الهرج والمرج يخف رويداً رويدا فطرق عليهم الباب ذات ليلة
ولم يفتحوا له فتركهم ، ثم كرر هذا لمدة أسبوعين وهو يطرق الباب ولا
يفتحوا له فيتركهم .
قالت بعض الطيور : لماذا لا نفتح له لنرى ماذا يريد ؟.
فرد الأخرون : لا ، كيف نفتح له ،لو فتحنا له فسوف يأكلنا .
فردت الطيور : لو أراد أن يأكلنا لأكلنا ،إن له أكثر من ثلاثة أشهر ولم
يقترب منا ، لا بد أن له حاجة .
فرد الطيور : ليس له حاجة غير أن يأكلنا الواحدة تلو الأخرى.
فصاحت الطيور : لو أراد أن يأكلنا لا ستطاع فإن الباب ضعيف يمكن أن يحطمه
بكلتا رجليه .
فصاح الديك الكبير فيهم : لست أدري ، كيف تجهلوا نواياه ،إنه ثعلب ألم
تعرفوا شكله ،ألم تعلموا عنه شيئاً ،ألم تسمعوا عن مكره ودهائه ،كم من حيل
حاكها ونفذها ومعظمكم أعلم بها ، كم من حيل حاكها باسم الصداقة ، باسم
التعاون ،وراح جرائها ضحايا كانوا جميعهم أما وجبة دسمة له أو إنقاذ نفسه
من مصيبة كان سيقع فيها ،إن اللئيم لئيم أينما كان إنه ثعلب مكار وخبيث
ونحن لسنا بقدر دهائه وخبثه فيجب ألا تفتحوا له الباب ، ولو فتحتم له الباب
فسوف يعرف عدد بيضنا وأفراخنا حتى عدد ريشنا ،وسوف يقوم بنتف ريشنا ويكسر
بيضنا ويهشم عظامنا وسوف يأخذ بكبيرنا قبل صغيرنا.
فصاحت بعض الطيور :إنك تخشى على نفسك فأنك كبيرنا.
فرد : كلا ، فمعظمكم من ذريتي فهلاككم هو هلاكي فبقاؤكم هو بقائي .
وهنا هاجت الطيور وماجت وقرروا أن يعرفوا نوايا الثعلب ،ثم ارتكن الديك
الكبير جانب ومعه نفرٌ قليل حوالي خمسة دجاجات وأربعة ديوك وأفراخهم
الصغيرة هذا من مئات من الطيور والأفراخ.
وجاء المساء وطرق الثعلب باب الحظيرة ،فنظرت إلية بعض الطيور وسألوه : ماذا
تريد ،؟ إننا نراك تتردد على حظيرتنا كثيراً .
فقال : ليس لي مأرب غير أني أريد أن استأنس بكم فأنا هنا في هذه البلد وحيد
، حيث إنني فرحت بكم وسعدت لسماع صوت الديوك وهي تؤذن وفرحت أكثر لرفرفة
الدجاج وأخذ قلبي يطير فرحاً وأنتم ترعون صغاركم ،ولهذا لتمنى صحبتكم ،كما
إنني أحميكم من الطيور الجارحة والضالة مثل الغربان والحدآت والصقور فإني
كثيراً ما أراهم يخطفون صغاركم ويطيرون بها بعيد ، وهنا هزت الطيور رؤوسها
بصدق ما قاله وقرروا فيما بينهم أن يفتحوا له ،
فصاح الديك : احترسوا ، لو فتحتم له فإنها الطامة عليكم وسوف تكون بأيديكم
نهايتكم ،انتبهوا .
إلا أن الطيور لم تعيير له انتباهاً أو إلتفاتاً لما قاله ،فتحوا له الباب
ودخل الثعلب ،دخل عليهم مبتسماً ، يهدهدهم برفق برجليه الأماميتين ،وصارت
بينهم صداقة حتى فرحوا به ،يخرج من الحظيرة ينظر إلى السماء فيرى طيور
تحملق من قريب و من بعيد فيعوي عليهم فتطير الطيور إلى بعيد ،فتزداد الطيور
به طرباً ويفرحون به ويلومون الديك الكبير ويسخرون منه و من تفكيره وأنه
قد ظلم الثعلب وكم كانت هذه الفكرة غائبة عنهم فقد كان يلزم عليهم التعاون
معه منذ زمن حتى يزدادوا به قوة ،وبعد يومين تماماً وذات مساء دخل عليهم
وعلى عهده يبتسم لهم وبدأ ينظر ويحملق في كل مكان في الحظيرة وبدأ يتجول
فيها ثم استأذنهم لأن يرتاح و ينام قليلا في هذا الدفء الذي لم ينعم به من
قبل ، فسمحوا له ثم تمدد وتمطع فارداً جسمه ورجليه حتى ضاق المكان بالدجاج
والذي تكوم فوق بعضه البعض ومنهم من لم يستطع النوم طوال الليل مما جعل
الديوك لم تؤذن في الصباح من التعب وظل هكذا لعدة أيام وهو يجيء لينام
ويتمدد كما لو كان المكان ملكه حتى خشي الدجاج والديوك من أن يلوموه .
وذات ليلة جاء الثعلب فوجد الباب مغلقاً ولم يفتحوا له فثار الغيظ في نفسه
حتى حطم الباب برجليه الأماميتين وكسر البيض كما داس برجليه على ثلاث
دجاجات صغيرة فماتت ثم نظر فيهم متمثلاً : أنا آسف ، لم أقصد أن أزعجكم ولم
يبال بما كسر وحطم وقتل وتمدد والطيور حوله تنوح على البيض الذي تكسر
والأفراخ الصغيرة التي تُقتل.
وخرج الديك الكبير ومعه بعض رفاقه من الحظيرة يتألمون ولكن إلى أين وهم في
جوف الليل ،بينما الثعلب من الداخل ينظر إلى الدجاج بعينيه اللامعتين فينظر
هنا وهناك فيرى دجاجة نائمة من البكاء والتعب فينقلب عليها كما لو كان
يتقلب على جنبيه ذات اليمين وذات الشمال فينقض عليها بأرجله وبسرعة شديدة
قبل أن تصيح أو أن يسمعها باقي الدجاج.
وبدأ الدجاج يتناقص ولم يبق إلا القليل جداً منهم ، فمنهم من خرج بحثاً عن
مكان أخر حتى قال البعض : أين إخوتنا ، لماذا هربوا ونحن لم نر من الثعلب
مكروة ،وهكذا بدأت تلك الدجاجة تثرثر ويبدو أن الثعلب لم يستطع النوم حتى
ضاق منها فتقلب نحوها وجذبها من عنقها وجعلها بين أرجله الأمامية لتكون له
وجبة يتسلى بها كلما استيقظ من نومه ،بينما سكتت باقي الطيور وراحت في نومٍ
عميق،!!!