النرجسة المغرورة
في صباح يوم جميل غزلت السماء الزرقاء خيوط الصباح الأولى في حديقة احد المنازل المليئة بالورود والأزهار الزنبق و الجوري و القرنفل و الياسمين والريحان والبنفسج و زهرة النرجس البيضاء .
كانت كل أزهار الحديقة ترفع رأسها وتفتح أكمامها عند رؤية زهرة النرجس البيضاء لجمالها الأخاذ .
حتى صاحبة الحديقة نفسها كانت تستفتح برؤيتها وتوليها عناية خاصة فعزلتها بحوض منفصل عن بقية الأزهار ووضعتها على رف نافذة غرفتها ...
وقيل أن سر اهتمام صاحبة الحديقة بزهرة النرجس البيضاء هو ان حبيبها قبل سفره أهداها لها .
ولكن هذه الزهرة الجميلة كانت مغرورة ، لا تختلط بأي من الورود ولا تتحدث معهم ...
لهذا تجنبت كل الورود والأزهار التعامل معها لقساوتها وجفاءها وقررن مقاطعتها
إلا "زهرة عباد الشمس" أطول تلك الأزهار وأكبرهن عمرا كانت تأبى ان تخاصم النرجسة البيضاء و تحث الجميع على عدم مقاطعتها بالرغم من عجرفتها
وتقول لهن : يا صغيراتي الجميلات ان الغرور صفة قبيحة انه مرض ويجب معالجته والنرجسة البيضاء صغيرة مغترة بجمالها يجب مساعدتها على التخلص من غرورها وعدم المساهمة في نموه.
حاولت زهرة عباد الشمس مرارا وتكرارا التقرب والتودد من النرجسة البيضاء لإسداء النصح والإرشاد لها بعدم الابتعاد والانعزال عن الأزهار .
زهرة عباد الشمس : ياصغيرتي الجميلة لأني أكبرك سنا اسمحي لي ان أنصحك بعدم الابتعاد عن أخواتك الورود …
ردت عليها النرجسة البيضاء بوقاحة : لو ان غيرك يسدي لي نصيحة يمكن ان استمع له ولكن أنت لا ..
زهرة عباد الشمس : انا !!! ولم لا أسدي لك النصح انا اكبر منك ومن حقـ
قاطعتها وصاحت بصوت عالي : لأنك قبيحة بلا فائدة عديمة الرائحة واللون كبيرة الحجم منظرك يشوه جمال الحدائق ، كان من المفروض أن يزرعوك مع الأعشاب الضارة بالقرب من مصارف المياه بالشارع .
اندهشت زهرة عباد الشمس من وقاحة النرجسة وقسوتها ، وانزوت في مكان بالحديقة وراحت تبكي دون أن يلحظها احد وأيقنت أنها كانت مخطئة بالحكم على تلك الزهرة المغرورة .
علمت كل الأزهار في الحديقة بما دار بين زهرة عباد الشمس وبين النرجسة البيضاء من البلبل الصغير صديق الأزهار .
وتضامنت كل الورود مع زهرة عباد الشمس وتجمعن حولها ورحن يخففن عليها وينسينها كلام النرجسة القاسي ويؤكدن لها أنها أهم الأزهار في كل حديقة ....
كانت النرجسة تنظر إلى الورود المتجمعة حول زهرة عباد الشمس بكل اشمئزاز وتحدث نفسها : كم هن مسكينات يأكلهن الغيظ من جمالي ويتآمرن علي مع زعيمتهن القبيحة ... حسنا فعلت بها كان من المفروض أن أقسى عليها أكثر واكسر شوكتها .
في فترة الظهيرة كانت صاحبة الحديقة تنقل حوض النرجسة إلى داخل غرفتها المكيفة لتقيها من حرارة الشمس وتدير المسجلة على اعذب الالحان والأغاني وتتراقصان معا .
تتالت الأيام ..
وظلت النرجسة البيضاء على حالها تستقبح كل الورود وتتجنب التحدث اليهن وبالذات زهرة عباد الشمس .
وجاء شهر آب اللهاب ….
ارتفعت درجات الحرارة وبدا الجفاف يخيم على كل الحدائق لان اشعة الشمس كانت تبخر كل المياه ...
بدأت الأزهار تعاني من الحر وتتقيه بانحنائها تحت ظل زهرة عباد الشمس ...
النجرسة البيضاء كانت تنظر إليهن منحنيات من خلف نافذة الغرفة المكيفة وتتشمت بهن .
كانت كل الورود تنظر إليها والى نظرات الشماتة في عينيها .
وفي يوم بمنتصف الشهر وبينما الشمس في عز قيظها والورود مختبئة تحت ظل زهرة عباد الشمس ذبلت وردة القرنفل الصغيرة وتعبت بدأت تضمر وتذبل وشعرت بالجفاف كادت تشرف على الموت ، حزنت كل الورود والأزهار وصحن يطلبن النجدة من البلبل الصغير لينقلها الى النرجسة البيضاء لتدخلها إليها ....
طار البلبل الى النافذة وبفمه يحمل القرنفلة المريضة وطلب من النرجسة المغرورة ان تفتح له النافذة ليدخل القرنفلة.
رفضت النرجسة المغرورة بشدة وقالت له من خلف الزجاج : ابتعد ايها الاحمق هل تظن أني اقبل أن يشاركني بالحوض اي من تلك القبيحات ..
صار يترجاها بشدة وكانت كل أنظار الأزهار متجهة حيث البلبل والقرنفلة .
صاحت لن ادخل أحدا هنا وأسدلت ستارة الغرفة ...
عاد البلبل ومعه القرنفلة الذابلة حزن عليها لأنها كانت تتأوه أبى أن تموت فطار بها بعيدا إلى أن وصل إلى شلال مياه صغير سقاها وظل معها حتى تعافت وأرجعها إلى صديقاتها اللاتي شكرنه على إنقاذ حياتها ....
وفي اليوم التالي للحادثة ...
سمعت الأزهار صوت بكاء ينبع من غرفة صاحبة الحديقة كانت تصيح وتصرخ : الخائن تزوج وخدعني كل تلك الأيام والأشهر وأنا انتظره احتفظت له بكل الحب والمشاعر الجميلة حتى الزهرة التي أهداني إياها اعتنيت بها دونا عن كل الأزهار آه ه ه أيتها الزهرة البغيضة ألست من رائحته وذكراه سألقي بك خارج غرفتي ...
وفجأة فتحت صاحبة الحديقة النافذة وألقت منها حوض النرجسة البيضاء
تحطم الحوض إلى عدة قطع وتناثر الرمل الموجود بداخله وكسر ساق النرجسة المغرورة وصارت تتأوه من الوجع وتستنجد بالجميع ، لكن دون جدوى لم يعرها احد اهتمامه ، أشاحت كل الأزهار نظرهن عنها عقابا على أفعالها القبيحة ...
ازدادت حرارة الجو وبدأت أطراف النرجسة البيضاء تحترق ... دون أن يرأف بحالها احد .
صدفة مر عامل القمامة بالقرب من المكان فوجد الحوض المكسور لملمه خوفا من أن يتأذى احد من قطعه المكسورة فوجد النرجسة حزن عليها وقام بتضميد ساقها بقطعة من القماش وغرسها بالقرب من إحدى المصارف الموجودة على ناصية الشارع مقابل الحديقة ....
استطاعت النرجسه مع مر الأيام المقاومة والبقاء على قيد الحياة إلا أنها لم تعد جميلة كالسابق لأنها اضمحلت وذبلت وفقدت بريقها وأصبحت باهتة ...
انتهى شهر آب ...
وعادت كل الورود والأزهار بالحديقة تتفتح من جديد وتضحك وتتمايل .
كانت النرجسة تراقبهن من موقعها الجديد عند مصرف المياه بين الأعشاب الضارة ذات الرائحة النتنة .
صار البكاء رفيقا دائما للنرجسة ، خاصة أن الأعشاب المحيطة بها كرهتها ولم تتقبلها لأنها غريبة ودخيلة عليهم فصاروا يؤذوها ويضربوها ....
كان البلبل صديق الأزهار في الحديقة يراقبها حتى رق قلبه عليها وطار إلى زهرة عباد الشمس وحدثها بالحال التي أصبحت عليه النرجسة ....
حزنت زهرة عباد الشمس وكل الأزهار كذلك ، ورفضن أن تكون واحدة منهن تتعرض للأذى ، فاجتمعن وقررن ان يسامحنها وطلبن من البلبل ان ينقلها اليهن ..
طار البلبل سعيدا بقرار الورود والأزهار لينقله الى النرجسة ، وما ان وصل المكان حيث النرجسة وجد الأعشاب الضارة التفت عليها وخنقتها …
بكى البلبل على النرجسة واقتلعها ورجع بها الى الورود واخبرهم ما حدث .
خيم الحزن على الحديقة ، وقررن أن يغرسنها أسفل النافذة ….
مرت أيام وأسابيع
ونبتت نرجسة صغيرة من جديد ....
اعتنت بها كل الورود والأزهار وعادت الفرحة من جديد إلى حديقة المنزل