حدث هذا أمام تلاميذ الصف وكثير من تلاميذ المدرسة؛ فقد زعق سالم بوجه خالد
فجأة وقال:
" كفى! كفاك تظاهراً بأنك مع الحق دائماً، كفاك ما تعيب عليّ أكثر أفعالي!
".
قال خالد بهدوء: "إنني لا أتظاهر بأني مع الحق كما تظن، ولكنني كذلك فعلاً!
فاتقد وجه سالم بالغضب وصاح كالملسوع:
" والآن سأضع حداً لغرورك! اذهب عني مع الحق الذي تدعي أنك معه، ودعني أفعل
ما أريد، كفى أيها المغرور، ولستَ صديقي منذ الآن!"
ادلهمَّ وجهُ خالد بالحزن وقال:
"إنني أحزن حقاً لفراق أي صديق ولا أريد أن يزعل. ومع ذلك فأنْ تتركني بسبب
تمسكي بالحق خيرٌ لي من أن أكون صديقك على باطل!.
وفي الحال أسرع سالم مبتعداً عن خالد، وتركه وحيداً، بعد أن أسمعه كلمات
قاسية لا يصبر عليها إلا حليم.
ومرت الأيام وسالم لا يكلم خالداً ولا ينظر إليه، برغم ما أبداه خالد من
مودة إزاءه في أحيان كثيرة.
* * *
هكذا كان سالم تلميذاً كثير الخصام والمشاكسة؛ وبرغم أنه لا يضمر الشر
لأحد، إلا أن سرعة غضبه ولجاجته جعلته يصطدم بكثيرين من أصدقائه. وكان
الجميع ينظرون إليه على أنه تلميذ يحب أن يصنع المشاكل! وحتى المدرسون
عرفوا هذه الصفة فيه. أما هو فكان يظن سلوكه تفرداً يميزه عن أصحابه!!.
وفي إحدى المرات ارتفع صوت سالم بالصياح في ساحة المدرسة، ثم كان هناك عراك
وضرب. وكان خالد واقفاً ينظر، ومن عجيب طالعه فإنه كان الوحيد الذي شهد
ذلك العراك الذي نشب بين سالم وتلميذ آخر، هو زيد ابن عم خالد نفسه!!.
وبعد دقائق كان سالم يجلس في الصف وآثار الشجار بادية على وجهه وملابسه
معاً! أما التلميذ الآخر "زيد" فقد أسرع إلى مدير المدرسة وشكا "سالم "
إليه وهو يقول:
- "أستاذ إن سالم يرفض المثول أمامك برغم كل شيء!!".
غضب المدير وأسرع إلى الصف في الحال، حيث كان يجلس سالم بين بقية التلاميذ.
قال المدير:
"سالم ! اسمع، نحن كلنا –وأنت أيضاً- نعرف أنك مصدر إزعاج في المدرسة،
ولكنني لن أعاقبك حتى أعرف الحقيقة تماماً. والآن إذا كنت على حق، فأريد
منك أن تسمي لي ولو تلميذاً واحداً يشهد بأنك لم تعتد على زيد!".
التزم جميع الطلاب الصمت وبدت عيونهم تومض بالحيرة. فمن ذا يشهد لسالم وهو
المعروف بعراكه وشراسته! وأدار سالم عيونه متفحصاً الجميع واليأس يتملك
نفسه. ثم ابتسم فجأة ولاح على وجهه الفرح وأشار بيده بثقة نحو خالد وقال:
"خالد، نعمْ خالد، يا أستاذ هو الذي سيشهد بأنني لم أكن المعتدي هذه المرة!
لأنه الوحيد الذي رأى كل شيء عند الشجار!".
ترددت أصوات التلاميذ:
"خالد! خالد؟! أخالد يشهد لسالم وهو خصم له.. وضدَّ مَنْ؟ ضدَّ زيد ابن
عمه!؟".
نظر المدير بهدوء إلى خالد وقال:
"يا خالد، أنا أعرف أن "سالم " قد شاجرك وخاصمك قبل مدة، فماذا تقول
الآن؟".
ألقى خالد نظرة على سالم ثم نظر إلى زيد وقال على عجل:
"لا يا أستاذ، لم يكن سالم معتدياً هذه المرة، فزيد هو الذي تحرش به وآذاه
أولاً!".
ضجَّ الجميع بالعجب والاستغراب. ثم صمتوا فجأة، حين سمعوا المدير يسأل
"سالما".
"ولكن! ما الذي دعاك لاختيار خالد كي يشهد لك وأنت متخاصم معه؟!".
قال سالم مبتسماً:
"لأنني كنت واثقاً بأنه لا يقول إلا الحق حتى ولو على نفسه! نعم يا أستاذ،
فقد جربته منذ زمن، فسبب خصامي معه هو أنه لم يجاملني على حساب الحق
أبداً!".
فالتفت المدير إلى خالد وقال له بفرح:
"ما أنبل خلقك، إنني أفخر بك يا ولدي!، ولكنْ لماذا شهدت ضد زيد وهو ابن
عمك؟".
قال خالد بخجل:
"لأنه كان هو المعتدي فعلاً. ولو شهدت له لكانت شهادتي زوراً، وقد نهانا
الله عن ذلك بقوله .. واجتنبوا قول الزور.". سورة الحج من الآية (30)
وفي لحظة مفاجئة أقبل زيد على سالم واعتذر منه، فصفق التلاميذ لهما فرحاً!
ووسط تصفيق التلاميذ، سُمِعَ صوت أحدهم يقول:
"هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها "سالما " على حق في خصومته!".
فرد سالم مبتهجاً:
"وسأكون مع الحق دائماً، ما دام عندي صديق مثل خالد!".
ثم أقبل نحوه وصافحه واعتذر منه. فقال المدير سعيداً كأنه يحدث نفسه هذه
المرة:
"ما أجمل أن يفترق الناس بالحق ثم عليه يلتقون!".
.. الهدف من القصة ..
شهادة الزور هي قول غير الحقيقة، وخصوصا أمام المحكمة أو أي مسؤول يطبق
العدالة ؛
لأن هذه الشهادة يترتب عليها حقوق الآخرين، فهي ( مضيّعة للحقوق، إضافة إلى
أنها كذب )
ولذلك عدها النبي عليه الصلاة والسلام واحدة من ثلاثة جعلها أكبر الكبائر
وهي: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور
وقد حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا، وحذر الله تعالى من كتمان
الشهادة عندما يُدعى الإنسان إلى الشهادة.. قال تعالى: "ومن يكتمها فإنه
آثم قلبه" .