لمهاجرون إلى النوبة نحو الجنوب : ُتعد بلاد النوبة منفذا طبيعيا لهجرة
المهاجرين وهذا هو الإتجاه الطبيعى الذى لجأ إليه سكان وادى النيل، لكى
يعيشوا على شريط النيل الممتد جنوبا حتى أعماق إفريقا سواء كان هذا بسبب
ضيق المعيشة أو ضنك الإضطهاد أو السعى نحو حياة أفضل بحثاً عن الذهب
والمعادن النفيسة.. ولقد رحبت النوبة بكل القادمين إليها غير أن نظام مملكة
النوبة كان يعتبر أن الملك هو الذى يملك كل أراضى النوبة وليس من حق مواطن
نوبى أن يبيع بيته لمواطن غير نوبى وهذا جعل مشكلة كبيرة تظهر فى علاقات
النوبة بالمسلمين، وعندما زار الملك " جورج" أمير المؤنين فى بغداد ، وعقد
معه بعض المفاوضات حول البقط والذى تأخر سداده لمدة أربعة عشر سنة، نجحت
المفاوضات وأوقفت التهديدات العربية بالإحتراب.. وأعفى الملك من
البقط..وأختصر البقط بنفس القيمة السنوية.. ولكن مرة كل ثلاث سنوات ولكن
هذه المفاوضات لم تنجح فى أمر المسلمين الذين إشتروا بيوتا فى النوبة وحول
الأمر إلى القضاء الإسلامى والذى رفض الأمر جملة وتفصيلا..وتم شطب البلاغ ،
وكانت هجرة الشمال إلى الجنوب سببا فى تلاقى الثقافات مع تميز كل عن
الأخرى... وتأثرت النوبة بحضارة مصر الفرعونية ، وتأثرت مصر الفرعونية
بحضارة النوبة ويرى البعض أن هناك غلبة للواحدة على الأخرى.. وكانت هجرة
الشمال نحو الجنوب سبباً فى نشر المسيحية.. كما كانت سبباً فى نشر الإسلام،
فلقد نقل الشمال كلاهما على مستوى تدريجى ثم على مستوى عام.. وكان للعرب
نصيباً فى الهجرة إلى النوبة، وذلك فى الأيام الأولى للإسلام، عندما كان
محارباً من القبائل وأقر الرسول الكريم أن يهاجر المسلمون وهم قطيع صغير
إلى بلد جوار، وإلى ملك لا يظلم الناس عنده.. ويؤكد بروفسور" عبدالله
الطيب"، أن ملك الحبشة ليس سوى ملك النوبة، ويزيد بروفسور "حسن الفاتح قريب
الله" التأكيد بأن المهاجرين المسلمين فى الهجرة الأولى والثانية أتوا إلى
مملكة النوبة ولا غرو فى هذا، فلقد كان ملوك النوبة آنذاك يعيشون أعمق
المبادىء المسيحية التى تنادى بقبول اللاجئين إليها ، عملا بقول السيد
المسيح: كنت غريبا فالجأتمونى أو كنت غريبا فآويتمونى، وإن من يفعل هذا
بأحد أخوان يسوع ، فإنه يوجه عمله ليسوع نفسه، وهذا هو ميزان الدينونة فى
اليوم الآخير (إنجيل متى 25)....المهاجرون إلينا : عندما تعرض مسيحو مصر
للإضطهاد الرومانى ومحاولة لتصفية المسيحيين حتى الإمبراطور"سافيروس" أصدر
مرسوماً عام 202م يحرم على رعاياه الدخول إلى المسيحية ولا اليهودية ..
وكان بحسب القانون يحكم بإعدام من يعترف أنه مسيحى، ولهذا هاجر المصريون
إلى منطقة النوبة السفلى والوسطى وإستقروا فى جزر النيل، وبين ثنايا التلال
والصخور، إختاروا بطون الأحجار لكى يمارسوا عباداتهم فى إطمئنان، بعيداً
عن ضغط الرومان.. وبدأت الهجرة أولاً من منطقة "طيبة" أى الأقصر إلى أسوان ،
وكانت طيبة مركزاً للدعوة المسيحية فيما حولها من أقاليم، وهناك إزدهرت
الرهبنة فى القرن الثالث ومن بينها دير أخميم.. وكان المسيحيون محبون نشطون
لم ينعزلوا عن الآخر، بل إختلطوا بأهل النوبة يرغبون فى أن يمتد إليهم نور
المسيح.. وأن يذوق أهل النوبة: ما أطيب الرب ، وما أحلى العشرة معه..
وهاجر البعض إلى الصحراء الغربية على الطريق التجارى مع السودان، طريق درب
الأربعين، وعاشوا هناك يشرحون درب يسوع المسيح طريقاً للحياة
الأفضل.. وقام التجار المقيمون هناك، خلال الحصون الممتدة على طول الطريق،
بدعوة النوبة إلى المسيحية، كما أيضا سهلوا للمهاجرين أمر الإلتجاء إلى
النوبة كما دعموا أيضا التبشير بالمسيحية، بين أهل النوبة فى وقت مبكر وقبل
دخول المسيحية رسمياً فى القرن السادس الميلادى.. والتجار كانوا
مصريين ويهوداً.. أهل مصر أجمعوا على المسيحية وبعض اليهود عندما زاروا
أورشليم بحسب قواعد دينهم رأوا.. وسمعوا.. وفهموا ماهىّ المسيحية ؟.. ورجع
بعضهم يؤمن بالمسيحية ويشجع عليها كطريق نور وحق وحياة.. كما قام الرهبان
بدور كبير فى نشر المسيحية ونقل قداستها إلى بلاد النوبة..
63. المرحلة الأولى لتبشير النوبة يوليان ولونجينوس: يُعد
الكاهن" يوليان" هو أول من إمتلأ قلبه بمحبة بلاد النوبة.. وهو أول من
قصدها مبشراً، ولهذا فهو بلا منازع رجل المرحلة الأولى لتبشير النوبة..
وبعده أتى لونجينوس والذى رسم أسقفاً بدعم من الإمبراطورة القبطية "
ثيودورة" .. وكان هو بطل المرحلة الثانية لتبشير النوبة، ولقد كان الآخير
إمتداد لخدمة الأول، وكلاهما نجح فى نشر المسيحية فى ممالك النوبة التى
قامت على أنقاض دولة مروى.. وإنقسمت إلى ثلاثة ممالك مستقلة هى : مملكة
نوباتيا.Nobatia فى الشمال .. وتمتد من أسوان إلى قرب الشلال الثالث
وعاصمتها فرس، وهىّ أول مملكة إستقبلت الوفد الكرازى القبطى فيها..
والمملكة الثانية هى: المقرة Makoritae وتمتد من قرب الشلال الثالث إلى
قرب كبوشية.. والمملكة الثالثة هى : علوة Alodia وتمتد من كبوشية إلى
جنوبى الخرطوم الحالية وعاصمتها سوبا، وهى المعنية للرحلة التبشيرية
الثانية ، بقيادة "لونجينوس" الأسقف .. أول أسقف على بلاد النوبة سنة 566
م...تبشير يوليان: إن المصدر الرئيسى لهذه المرحلة التاريخية هو يوحنا
الأفسسى فى كتابه " التاريخ الكنسى"، ويرى بعض المؤرخين أنه لم يكن دقيقا
جدا، وأن حماسه للكنيسة القبطية جعله يتغافل دور الكنيسة الملكانية، كنيسة
الملك، كما أنه لم يذكر شيئا عن المملكة الثانية ، مملكة المقرة. وقد ذكر
هذا المؤرخ أن يوليان عرض على الإمبراطورة " ثيودورة " القبطية ، رغبته فى
تبشير بلاد النوبة ، وتحمست له "ثيودورة" ووعدته بالمساعدة ، ولكنها عندما
عرضت الأمر على زوجها إعترض لأن يوليان يعقوبى قبطى، وليس ملكانى.. وقرر أن
يرسل هوّ سفارة إمبراطورية خاصة تحمل هدايا لملك نوباطيا وخطاب إلى حاكم
طيبة لتسهيل المهمة.. وأسرعت المرأة بإرسال وفدها وحررت رسالة تهديد لحاكم
طيبة وطلبت منه أن يحجز سفراء الملك ويعطى فرصة لسفرائها للدخول قبلهم..
ولم يكن أمام حاكم طيبة إلا الطاعة وطالب سفارة الملك بالإنتظار ، للتجهيز،
وأعد العدة كاملة لسفارة الإمبراطورة.. وبعدها بمدة قامت سفارة
الإمبراطورة .. ووصل القس يوليان إلى أطراف النوبة .. وكان من بين الوفد "
ثيؤدور أسقف " فيلة " .. وإستقبل ملك نوباطيا الوفد فى مدينته فرس،
أحسن إستقبال، وقبلّ هدايا الإمبراطورة بسرور.. ولم يلبث أن أعلن هوّ
والأمراء وطغمة الحكام، الإيمان بالإله الواحد الذى تبشر به المسيحية..
وإنتهز يوليان فرصة وجوده مع الملك ، وشرح له قصة الإختلاف المذهبى حول
طبيعة السيد المسيح، وكيف أن المسيحيون يقابلون إضطهادا عاتيا من
الإمبراطور، رغم أنه مسيحى.. وكان البابا القبطى فى المنفى. وذكروا أن
الإمبراطورية تؤيد البابا القبطى، وبعد هذا وصل وفد الإمبراطور بهداياهم ،
ولكن ملك النوبة رفض بدعة الإمبراطور وآثر مذهب الكنيسة المصرية.. وظل
يوليان القس نحوا من سنتين ، وقام بتعميد الملك والأمراء ، وكان معه أسقف
فيلة.. وبعد هذا قرر الرجوع لمقابلة الإمبراطورة، وأوكل مهمة المعمدين إلى
أسقف " فيلة " الذى يعرفهم حق المعرفة، وعندما عاد إستقبلته الإمبراطورة ،
إستقبالاً حسناً، وشرح لها ما كان .. وهكذا بدأت المسيحية فى النوبة فى
البلاط الملكى، ثم بعد هذا إبتدأت تنتشر فى أوساط الشعب، وإذا كان
الناس على دين ملوكهم ، ولكن يوليان صرف وقتا طويلاُ فى إلقاء عظات دينية
على الشعب، لساعات متواصلة حتى تستنير القاعدة الشعبية، بنور المسيحية وفق
تعاليم الكنيسة المصرية التى صار لها الفدح المعلىّ فى تاريخ النوبة
المسيحية ، حيث نشأت كنائس عديدة على الطقس القبطى، فى الإتجاه إلى الشرق..
حتى الموتى دفنوا وهم متجهون إلى الشرق، بحسب عقيدة الأقباط، عن المجىء
الثانى للسيد المسيح.. من ناحية المشارق..وتأتى أبحاث بونكر لتؤكد الكنيسة
القبطية فى بلاد النوبة ، حيث كتبت اللغة النوبية بحروف قبطية وترجمت كتب
الصلوات إلى اللغة اليونانية، وتعلم أهل النوبة ، كهنة وشمامسة ألحان
الكنيسة القبطية ، وأخذت كفايات القبور الطابع القبطى وزينت الكنيسة
بالأيقونات القبطية التى رسمها الفنان النوبى وأبدع فيها، وترك عليها
بصماته المميزة.. وتأسست أديرة الرهبان ، وإمتلأت بالنساك والعباد
والمتوحدين، حتى أن بعض الملوك تركوا العرش الملكى وإختاروا حياة الرهبنة
القبطية، فى أديرة النوبة أو أديرة وادى النطرون وصحراء مصر.. والملوك
النوبيون أيضا آمنوا بالأبدية إيمانا جديدا فاهما جعلهم يدفنون فى مدافن
عادية ، ولكن فيها أبهة الملوك، وليس أهرامات لأن أمر القيامة إلهى يدبره
الرب القادر على كل شىء.. 64. المرحلة الثانية
لتبشير النوبة المرحلة الأولى: إنتهت المرحلة الأولى بتبشير النوبة ، بعودة
القس يوليان إلى الملكة "ثيودورة ".. وقد كانت مدة يوليان هىّ عامان فقط،
ولكنه أوكل الرعية المسيحية إلى الأسقف"ثيودور" أسقف فيلة، والذى كان محبًا
وغيوراً، وله علاقات طيبة مع أمراء النوبة، وربما كان أمراء النوبة يأتون
إليه فى مقر إيبارشيته، ويتجاذب معهم أطراف الحديث ويكلمهم عن الفداء
والخلاص الذى تم فى المسيح يسوع، وربما أيضا كان الأسقف يعرف لغة النوبة
ويتحدث بها، حيث لم ينقصه الذكاء، وكان قبل يوليان يذهب إلى النوبة فى
رحلات تبشيرية.. وربما كانت قدوته وأخلاقه وسلوكه الفاضل سبباً فى جذب بعض
أمراء النوبة إليه، وأعتقد أنه كان يستقبل من النوبة شعباً ليسوا فى البلاط
الملكى، بل ربما كان يرعى بعض النوبيين الذين دخلوا إلى المسيحية بواسطته
أو قبل خدمته.. وقد عاش ثيودور أسقف فيلة حتى بلغ عمره ثمانين عاماً، ولم
يذكر عنه أى مرض إعتراه، وهذا يعنى أنه كان بكامل صحته يؤدى رسالته فى
تعميق اللاهوت المسيحى..المرحلة الثانية : خرج القس يوليان من النوبة ولم
يرجع إليها.. وكان بابا مصر مهتماً بأمر النوبة، فرسم لها شخصاً نشطاً هو
الأسقف لونجينوس فى عام 566 م.. وبدأت المتاعب تدق على باب خدمته منذ
الوهلة الأولى حيث أوغر أعداؤه صدر الإمبراطور جوستنيان الثانى وأوهموه أن
لونجينوس سوف يؤلب أهل النوبة ضده..وبدأت العيون تتطلع إلى لونجينوس من كل
ناحية ،وحكم الإمبراطور الصغير بالقبض عليه.. ولكنه لجأ إلى حيلة تمكنه من
الفرار، وكان أصلعاً خالى الشعر فوضع شعراً مستعاراً وخرج إلى النوبة ووصل
إليها سالماً فى عام 569 م.. وهذا يعنى أنه منع من خدمته ثلاث سنوات،
وإستقبل أهل النوبة "لونجينوس" إستقبالاً عظيماً، وبدا فى بناء أول كنيسة
وإقترح على ملك النوبة أن يرسل هدية إلى الملك الرومانى، ليبرهن على نبل
مقصده.. وقد كان، ووصلت السفارة النوبية حاملة الهدايا وإستقبلها
الإمبراطور وأخذ رسول الملك يمتدح " لونجينوس" ويؤكد أنه لا يرغب فى إثارة
مشاكل سياسية.. وإن هدفه هو المسيح وحده.. وإستمرت خدمة "لونجينوس"
لمدة ست سنوات متواليات، بعدها عاد إلى الإسكندرية لكى يشارك فى إنتخاب
بطريرك جديد.. وحاول ملك النوبة أن يستضيفه مستعطفاً أياه وقال له: ستتركنا
كاليتامى دون أب، ولكنهم سمحوا بعودته ، ومر على أسقف فيلة ولكنه إعتذر
لكبر سنه، ولم يكمل معه الرحلة إلى الإسكندرية.. وكان لابد أن يعود "
لونجينوس" إلى خدمته، فعاد إلى النوبة عام 580 م سوبا.. وكان الأمر بناء
على رغبة ملك علوة الذى أرسل عام 578م.. رسالة للملك النوباطى يطلب فيها
مجىء لونجينوس لنشر الدين الجديد، ورغم أن مؤامرة حبكت من الملكانين ضده
ودسائس وفتن، ولكن الملك أصرّ على عودة لونجينوس رغم أن رسلاً للملكانين
أتوا إلى الملك بقرار عزل لونجينوس ولم يتوقف هؤلاء عن محاربته.. فعندما
عاد إلى النوبة وجد دعوة ثانية من علوة، ولكن الأعداء أرسلوا أسقفين
ملكانين إلى الملك فى سوبا، يطعنون فى لونجينوس بأنه هرطوقى مطرود من
الكنيسة وليس من حقه أن يعمد أحداً… وعاد الأسقفان خائبان ، وكان ملك
سوبا قد صمم على مجىء لونجينوس ورفض كلام رسل الملك ولم يصدقهم.. وجاء
لونجينوس إلى سوبا. وعمدّ الملك الكوشى هناك..المرحلة الثالثة : ويرى بعض
المؤرخين إن إنضمام مملكة علوة يعد المرحلة الثالثة لتبشير النوبة.. حيث
بدأت الحركة الروحية.. وبناء الكنائس التى زادت عن ستمائة كنيسة فى وقت
وجيز.. وفى سوبا وجد بعض الأحباش من المؤمنين وإستوضح إيمانهم، ونقاه من
بدع الهراطقة وهذا يعنى تواجد بعض المسيحيين فى علوة قبل دخول المسيحية
رسمياً إليها.. وكانت الرحلة إلى سوبا، رحلة قاسية، حيث كان عليه أن يسلك
طريق الصحراء الشرقية ويتجنب النيل حتى لا يمر بمملكة مقرة، والتى يبدو أن
أصحاب المذهب الآخر كانوا فيها.. وقد كتب ملك النوبة إلى بابا الإسكندرية
يقول: ولكن بسبب المكيدة الخبيثة التى دبرها الملك الذى يقيم بيننا، فقد
أرسلت أبى البار "لونجينوس" إلى ملك البلمين، وهم البجا ، ليوصله إلى داخل
البلاد.. وإضطر لونجينوس لتغيير الطريق حتى إستقبله إيتكاياAt Tekia مبعوث
ملك علوة وركب سفينة نيلية إلى سوبا، وشكر ملك نوباطيا وإعتبره أخاً له فى
الدين وساعده أن يؤسس كنيسة ، وهكذا لم يكن "لونجينوس" رجل المرحلة
الثانية، إنما أيضا المرحلة الثالثة لتبشير النوبة بالمسيحية..
68. صوفيـون نوبيـون حياة التقـوى: عندما دخلت المسيحية إلى
ممالك النوبة، عاش المسيحيون ملوكاَ وشعباَ.. حياة التقوى.. والتقوى هي
الأمانة فى آداء الواجبات الدينية ، وممارسة الرياضات التقوية.. والتقوي
رباط روحى، يستوجب مساعدة متبادلة فعالة وأمينة.. ويجمع ميخا النبي، في
تعريفه للتقوى بين العدالة والمحبة.. وقد وصف سمعان الشيخ، بأنه كان بارا
تقياَ، ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس.. لقد عاش حياة التقوى.. وكان
إجتماع يوم الخمسين ، هو لقاء رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ، هم سمعوا
صوت هبوب الرياح العاصفة .. وتعاملوا مع حلول الروح القدس.. وبدأت بهم
الكنيسة المسيحية ، حيث آمن منهم ثلاثة آلآف نفس.. كلهم من هذا النوع الذى
يحيا حياة التقوى .. وصارت التقوى سراَ مسيحياَ ، يعمل فى القلوب ويمارس
السلوك الأيمانى ، حتى أن بولس الرسول يعلن وبالإجماع" عظيم هو سر التقوى ،
الله ظهر فى الجسد ".. تبرر فى الروح، تراءى لملائكة ، كرز به بين الأمم..
أومن به، فى العالم رفع فى المجد... لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصه
لجميع الناس ، معلمة أيانا ، أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش
بالتعقل والبر والتقوى، في العالم الحاضر، منتظرين الرجاء المبارك.. لأن
التقوى مع القناعة هي تجارة عظيمة.. كما أن قدرته الإلهية وهبت لنا كل ما
هو للحياة والتقوى ، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة.... ولهذا عينه،
وأنتم باذلون كل إجتهاد ، قدموا فى إيمانكم فضيلة وفى الفضيلة معرفة وفى
المعرفة تعففاَ وفى التعفف صبراَ وفى الصبر تقوى وفى التقوى مودة أخوية..
وعندما وصلت المسيحية إلى بلاد النوبة ودخلت إلى أعماق الناس وتعددت
الكنائس حتى صارت آلافاَ مؤلفة.. عاش أهل النوبة حياة التقوى. وسلك الملوك ،
وهم قدوة مسالك التقوى.. وأدركوا فناء الدنيا.. ووهم الأرضيات. فتركوا ما
فى الأرض من ملذات وقهروا الذات ، وكرسوا الحياة للرب ، حيث يذكر لنا تاريخ
ملوك النوبة : ثلاثه ملوك تركوا العرش الملكى وتفرغوا للعبادة .. أولهم
الملك زكريا أب الملوك ، الذى صمم أن يتعبد ويختار هو الملوك.. وعندما وجد
أول ملك إختاره أنه لا يحيا حياة التقوى ، بل يستبد على المواطنين ، أنزله
عن العرش ، وإختار له بديلاَ.. ثم الملك سلمون الذي ترك العرش وذهب إلى
منسك ترهبن فيه ، ثم نقل إلى مصر وهناك تنيح في دير رهباتى.. الثالت هو
الملك جورج الذي ترهبن فى وادى النطرون .. لقد إمتلأت النوبة ، برهبان
الليل والنهار.. الذين تركوا مباهج العالم وإختاروا حياة النسك والتقشف
والبتولية والفقر الإختيارى...صوفيون نوبيون : وعندما أتى الإسلام ، أشبع
بعض أبناء النوبة رغبتهم فى حياة النسك ، بأن إنضموا إلى الصوفية ، وهي
حكمة الإختلاء مع الله.. والإمتلاء من نعمة الرب.. والصمت عن العالم، لكي
يتحدث الله معهم..والسكون عندما يسكت المتصوف ، رغباته وشهواته وآناته..
ليسمع صوت الله الساكن فيه.. وهنا نتذكر:-1* ذا النون المصرى: وهو أبو
الفيض ثوبان بن إبراهيم ، ولقبه ذى النون المصرى ولكن أصله من النوبة، وكان
ميالاَ إلى حياة الزهد والتصوف ، وأشبع هذه الرغبة فى نفسه، عن طريق
الرحلة إلى المناطق النائية فى صحارى الشام والعراق ، وأوطان البجه.. وتوفى
بالحيرة .. وحمل فى مركب إلى الفسطاط ، ودفن فى مقابر أهل المعافر سنة
246 هجريه..2* تحيه النوبية: وإشتهرت تحيه بحياة التصوف من خلال عبادات
وممارسات روحية وكانت تصلى صلوات مرتجله ، تناجى فيها الله.. الذى يحبها
وتحبه ، فى مستوى روحى من العشق الإلهى ، الذى يجعل الله بالنسبة للمتصوف ،
هو كل شىء ، ويجعل العبادة لله ، تهدجاَ وحديثاَ مستمراَ لا يتوقف.. وقد
ضرب هؤلاء الصوفيون النوبيون مثلا فى حياة التقوى أمام الله والتنازل عن
كل حلال فى الدنيا ، حبَ فى الله.. حتى يغدو هذا الحلال فى نظرهم وكأنه
حرام .. لأنهم سلكوا دوروب التقوى، وعاشـوا صفاء النفس ، وتكريسها لله..
69. عدالة ملوك النوبه العدالة الإنسانية :
ترتبط العدالة اساساَ بالسلوك ، تجاه الأخرين ، وبخاصة فيما يتعلق بحقوقهم
فى مجال الأعمال.. وتأتى الأوامر بالعدالة من الله ، حيث يقول : لا ترتكبوا
جوراَ فى القضاء لا فى القياس، ولا فى الوزن ، ولا فى الكيل ، ميزان حق
ووزنات حق تكون لكم.. وتقتضى العدالة عدم محاباة الوجوه، فلا فرق بين الغنى
والفقير ، والمواطن والغريب ، لا تحرف القضاء ولا تأخذ رشوة العدل.. العدل
تنبع ( تثنية 16).. وقد وصف القاضى الظالم بأنه لايخاف الله لا يهاب
إنساناَ.. وهناك علاقة بين البر والعدل ، وقد يتداخل المفهومان ، لأن
العدل لا يعنى فقط مجرد إعطاء الأخرين حقوقهم..، بل ضمان أداء هذه الحقوق..
أطلبوا الحق.. أنصفوا المظلوم.. اقضوا لليتيم .. حاموا عن الأرملة..
وللعدل جانب روحى ، حيث يعد إجراء العدل جزءاَ لا يتجزأ من شريعة الله ،
مبنياَ على أساس قداسته.. وللعدل معايير واضحة : هى النزاهة وعدم إستغلال
النفوذ ، لأن الرشوه تعوج القضاء.. وأهم إمتياز للملك التقى، الذى يحيا
حياة التقوى هو إجراء العدل.. ودليل على أنه يسلك فى طريق الله... وقد تحدث
الكتاب المقدس عن عدالة الملوك فيما يلى:-1* وملك داؤد على جميع إسرائيل ،
وكان داؤد يجرى قضاء وعدلاَ لكل شعبـه ( 2 صموئيل 15:
..2* عندما ملك
سليمان ، وجاءت إليه ملكة سبأ ، وهى ملكة سودانية ، لأن سبأ هو إبن كوش كوش
جد أهل السودان ، قالت الملكة الكوشية تمتدح سليمان : ليكن الرب إلهـك
مباركاً الذى سر بك وجعلك على كرسى إسرائيل لتجرى حكماَ وبراَ (ملوك
الأول9:10 ).. وهذا يعنى وعى ملوك الحبشة كوش ، نحو العدل وأهميته..3* طلب
سليمان من الرب فى صلاته أن يعطه قلبا فهيما ليحكم الشعب ، ويميز بين
الخير والشر... وعندما حكم حكماَ عادلاَ فيما يخص إمرأتين تنازعتا على ولد
واحد وكانت كل واحدة تدعى إنـه إبنها ، وكانت حكمة سليمان أن يشطر الحى إلى
شطرين وصرخت إحدى المرأتين رافضه هذا .. فحكم بأنه إبنها.. وكان أن الناس
خافوا الملك لأنهم رأوا فيه حكمة الله لأجراء الحكم ( ملوك الأول 13)..4*
فى نبوة لأشعياء عن المسيح المنتظر ، لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى إبناَ،
وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى إسمه عجيباَ مشيراَ إلهاَ قديراَ أباَ
أبدياَ رئيس السلام..يثبت مملكته ، ويعضدها بالحق.. ( أشعياء
..5* فى
صلوات داؤد فى الزبور .. اللهم أعط أحكامك للملك ، وبركة لأبن الملك، يدين
شعبك بالعدل ، ومساكنك بالحق ( مزمور 1:72)..6* وفى الأمثال ، أنا الحكمة ،
أسكن الذكاء.. بى تملك الملوك وتقضى العظماء عدلاَ ..( أمثال 15:8 )
عدالة ملوك النوبة : وفى العصر المسيحى ، عاش ملوك النوبة تحت مظلة هذه
القيم الروحية التى فى الكتاب المقدس.. وعرفوا أن العدل أساس الحكم.. وكان
لهم فى البلاد المجاورة صيتاَ ذائعاَ فى أحقاق الحق وتنفيذ العدل...
وكانت شبه الجزيرة العربية ، قريبة جدا من مملكة النوبة.. لم يكن لسان
البحر الأبيض المتوسط ، قد فرق بين المنطقتين.. وعندما بدأ الإسلام، شهد
الرسول الكريم ، شهادة حق لملوك النوبة.. عندما قال لهم : إن يذهبوا فى
هجرتهم الى ملك الحبشة ، وهو ملك لا يظلم الناس عنده.. وكما أن ملكة
الحبشة " كنداكه " هى ملكة مروية .. فى مروى كبوشية ، وهى أمانى تيرى..
هكذا كان ملك الحبشه ، هذا هو ملك سودانى نوبى .. ولقد إشتهر بالعدالة...
ولم يظلم إنساناَ.. وكان المقهورين والبؤساء ، يجدون العدل عنده.. وقد أثبت
بروفسور عبدالله الطيب ، بأن هذا الملك الذى آوى المهاجرين .. هو ملك نوبى
.. وهكذا إتفق معه البروفسور الفاتح غريب الله، الذى أكد أن الملك ، ملك
سودانى وأن العدل كان قوام كرسيه.. وقال أن المهاجرين عندما ذهبوا إليه ،
كانوا حفايا ، فآواهم وإهتم بهم وناصرهم ضد القبائل العربية التى كانت تريد
أن تقضى عليهم.. لقد كان ملوك النوبة يحبون الله ويحبون العدل ، حتى
أن بعضهم تنازل عن عرشه لكى يحيا مع الله ولكى لا يوقع ظلماَ على الناس..
إن حضارة العدالة كانت تميز ملوك النوبة .. فى سلوكهم مع الشعب..
71. كوش في جامعة القاهرة مملكة كوش : فى مؤتمر المجتمعات
الأفريقية ، تطورها التاريخى ودورها الحضارى ، حتى مطلع القرن الحادى
والعشرين ، والذى إنعقد فى جامعة القاهرة مايو 2005 م.. كان أبناء كوش
حاضرون هناك.. فلقد ذهبت مجموعة من العلماء من السودان ، هم أبناء كوش ،
إلى هناك.. وقدم بعضهم أوراقا ، ولكن لم يحضروا مثل الدكتورة حسنات عوض
ساتى ، عميد مركز الطالبات بجامعة أفريقيا العالمية بالسودان .. والتى كان
بحثها عن مساهمة المرأة السودانية فى حل مشكلة دارفور.. وهى ترى أن دارفور
عرفت الحروب منذ فجر تاريخها .. وكان ذلك أمرا طبيعيا ، إقتضته ضرورة دفع
الناس لبعضهم البعض لأجل البقاء..وفى ملخص البحث ليس هناك إشارة إلى ما
يمكن أن تفعله المرأة لحل مشكلة دارفور.. ربما قررت الدكتورة حسنات، وهذا
من حسناتها أن يكون البحث مفاجأة.. ولكن هى نفسها لم تحضر ونحن لم نعرف ما
هى المفاجأة..أبحاث أبناء العم: يذكر سفر التكوين أن حام ولد مصرايم وكوش..
أى أنهما شقيقان لأب وأم. والسودانيون والمصريون هم أبناء عمومة .. وقد
شارك أبناء العم من الأساتذة المصريين فى أبحاث عن أبناء عمهم كوش، نذكر
منها:1. الدكتور خالد البسيونى : وعنوان ورقة إبن العم هو مملكة
بناتا ولاهوت آمون رع فى شمال السودان.. وظهور مفهوم الملكية العالمية
أثناء حكم الأسره الكوشية 751-656 ق. م وهو يقدم فى بحثه أن الفراعنة حكموا
بلاد كوش حكماَ مباشراَ.. وكانت هناك منظومة لعبت دوراَ كبيراَ ومتعاظماَ
هى: منظومة المدن والمجتمعات والمعابد والمحطات والحصون فى النوبة العليا،
والسفلى، ثم يتحدث بسيونى عن سقوط الدولة الحديثة ، وظهور الأسرة الكوشية
والتى وضعت نفسها فى مصاف الأسر الفرعونية وأخذت إسم الأسرة الخامسة
والعشرون .. وفى البحث محاولة لمنافسة ورصد أصول وهوية الأسرة الكوشية
الأثيوبية ، التى حكمت مصر والسودان.. فى هذه الفتره العصيبة من تاريخ
الحضارة المصرية القديمة.. ولا أدرى لماذا يسميها "عصيبة" وهى من
سنة751-656 ق. م..أى ما يقرب إلى قرن من الزمان .. خلاله لعبت مملكة " بنتا
أو بناتا.. أو نبتة " وهى مقر الأسرة الحاكمة عند جبل البركل. وكذلك دور
كهنة آمون رع ، المؤسسة الدينية.. وظهور مفهوم وفلسفة السيادة العالمية
لمؤسسة الحكم ونظام القائد السياسى فى هذه الحقبة.. الملك بعانخى سيد مصر
والسودان .. ويهتم الأستاذ خالد بأن يلقى الضوء على البصمة الحضارية لمصر
القديمة والخريطة الأثرية وأبعادها الثقافية والفكرية والدينية فى شمال
السودان( بلاد كوش) بوابة مصر نحو أفريقيا..وطبعا هذا كله يحتاج إلى
مناقشة..2. الدكتور حندوقه إبراهيم : أما بحث الدكتور حندوقه إبراهيم
فرج ، فعنوانه " نبتهNAPATA مدينة عريقه فى السودان القديم".. والتى يرى
فى بحثها أنها أهم المدن ، وهى تقع على نهر النيل بالقرب من الشلال
الرابع.. وأن هذه المدينة هى عاصمة قديمـة للسودان ، قبل الفترة المروية..
وقد إحتل مكانة خاصة فى تاريخ وادى النيل القديـم وقد ساعدها على ذلك عدة
عوامل ، وبخاصة العوامل الطبيعية ، حيث تتوسط نبتـة المدن السودانية
القديمة ، وتقع كذلك عند النهاية الشمالية لطرق القوافل القادمة من
الجنوب.. فى حين لم تكن بموقعها هذا 3. بعيدة عن صعيد مصر ،
بمراكزه الحضاريـة المزدهرة فى ذلك الوقت.. ولقد إمتلكت نبتة المراعى
الخضراء، التى ترعى فيها آلاف الماشية.. وأرجو أن أضيف بأن داؤد النبى هو
راعى أغنام وشاعر .. ومرنم وحلـو الصوت .. قال : الرب راعىّ فلا يعوزنى شىء
، فى مراعى خضر يربضنى، إلى مياه الراحة يوردنى.. يرد نفسى يهدينى الى
سبل البر من أجل إسمه.. والمزمور يسمى " مزمور الراعى " وهو الثالث
والعشرين من المزامير.. ويرى حندوقه أن الأغنام بالذات سامحها الله، قفزت
على اللون الأخضر وقرضته.. فتحولت المدينة إلى مدينة جرداء.. الأمر الذى
دعا حكامها إلى نقل العاصمة جنوباَ. كما يؤكد أن نبته كانت موطنا للملك
بعانخى فى القرن السابع قبل الميلاد.. وهو من ملوك الآسرة الخامسة
والعشرين.. وهو من مؤسسيها.. وقد عرفت نبتة كعاصمة للسودان وكمركز دينى
إشتمل على العديد من المعابد السودانية..وطبعا الأهرامات التى وصل عددها
الى مائتين وستة عشر هرماَ.. حيث دفن الملوك والأمراء .. وعندما أفل نجم
"نبتة " كعاصمة قومية.. إستمرت أهميتها الدينية والجنائزية.. وكانت لها
مكانتها الكبيرة حتى القرن الرابع الميلادى..4. حسنى عبد الرحيم: أما
الباحث حسنى إبراهيم ، فكان موضوعه أثر الثقافة المصرية فى المجتمع الكوشى
قبل القرن الثامن قبل الميلاد.. ويرى أن المجموعة الأولى سكنت بين الشلال
الأول والثانى.. وقامت بدور تجارى..وأن المصريين منذ القرن الثالث قبل
الميلاد ، هاجروا إلى النوبة العليا، بحثا عن الذهب والمعادن النفيسة ، وأن
أهل النوبة العلياهم: أصحاب دولة كوش التى توسعت بسرعة وسيطرت على وادى
النيل من جزيرة صاى شمالاَ ، وإلى ما وراء الشلال الرابع جنوباَ.. وصارت
كوش هـى الشريك التجارى لمصر.. ويرجع الفضل لملوك مصر فى إنشاء المراكز
التجارية ومعابد المدن.. 72. الأسرة الكوشية في
مؤتمر المجتمعات الأفريقية مؤتمر لأفريقيـا: إهتم مؤتمر المجتمعات
الإفريقية تطورها التاريخى ودورها الحضارى حتى مطلع القرن الحادى والعشرين ،
بكل هموم أفريقيا.. وبكل تاريخها..وقد إنعقد هذا المؤتمر ضمن المؤتمرات
السنوية التى يضمها معهد البحوث والدراسات الإفريقية، قسم التاريخ .. ورئيس
الندوة البروفسور السيد فليفل ، عميد المعهد.. ومقرر الندوة بروفسور كرم
الصاوى باز.. وكان اللقاء تحت قبة جامعة القاهرة في 19،18 مايو 2005.. ولقد
كان لى شرف المشاركة مع مجموعة من السودان.. وكانت مجموعتنا الخاصة ،
ثالوث متوافق ومتحد ، وكأننا واحد.. وكان معى .. بل كنت مع بروفسور أحمد
دياب .. وبروفسور سيد العقيد.. لقد كوًنا معا أسرة كوشية تشبه الأسرة
الخامسة والعشرين، فى الأسر الفرعونية.. وأريد ان أقدم هنا ملخصا لأبحاث
ثلاثه ، لثالوث هو الأسره الكوشية..1. أحمد دياب: قدم بروفسور أحمد
دياب مدير مركز البحوث والدراسات السودانية جامعة الزعيم إسماعيل الأزهرى
بحثاَ عنوانه " طبيعة المجتمعات الأفريقية وآثرها على تاريخ القارة ".. وقد
بدأ بحثه بتساؤل كثيرين عن التاريخ الأفريقى..وهؤلاء يقولون : هل لأفريقيا
تاريخ ؟.. وكان الأوربيون يعتقدون أن أفريقيا بلا تاريخ ولا ماضٍ.. وأن
الزنوج شعب بلا تاريخ.. ولذلك سميت أفريقيا القارة السوداء أو القارة
المظلمة.. وقالوا إن سكان أفريقيا ليس لهم تراث حضارى أو إنسانى.. وقال
الفيلسوف "ديفيد هيوم" إن إنسان أفريقيا لا يملك شيئاَ من الصناعات
والفنون. وأنكر الألمانى هيجل وجود حضارات في أفريقيا.. وهو يرى إن أفريقيا
ليست جزءاَ من العالم المتحضر .. بل أن بعض أهل أوربا قالوا: إنه ليس هناك
تاريخ أفريقى سوى تاريخ الرجل الأبيض فى أفريقيا.. ولخص كوامى نكروما
القضية فى قوله: إن الأسطورة الأساسية لكل الأساطير التى أحاطت بأفريقيا هى
رفض الإعتراف بماضيها الخاص.. ويزعم الأوربيون إن أفريقيا ظلت جامدة خاضعة
راكدة ، فى حين إن القارات الأخرى تصنع التاريخ.. ويزعمون إن أفريقيا لم
تدخل مسرح التاريخ إلا بفضل التدخل الآوربى .. وهكذا وهذا قول مردود ومرفوض
ولا يقوم على أساس علمى ذكر الكثير عن كوش والكوشيين.. وعن قوتهم.. وعن
أنهم أمة قوية وشعب مهاب.. وذكر كوش عدة مرات في الكتاب المقدس.. وذكرت
جيوش كوش والجندى الكوشى الأفريقى القوى.. كما يذكر لنا التاريخ أن القديس
مرقس أحد رسل السيد المسيح والمبشر الذى بشر مصر والنوبة، هو أفريقى
المولد.. كما أن سمعان القيروانى هو أيضا أفريقى.. قد حمل صليب السيد
المسيح ومعه حملت أفريقيا صليب المسيح.. ويذكر لنا التاريخ الكتابى أيضا
وفى سفر أعمال الرسل : أن وزير ملكة كنداكة .. وكنداكة لقب لأم الملك..
ولقب للملكة أيضا.. وعندما كانت المرأة لا تحصى وكانت سقط المتـاع فى
المجتمعات المتعددة.. وكان من العار أن يكون الرجل أبا لبنات ، وكانت
البنـات تدفن حية ، ومعها يدفن عارها .. كانت أفريقيا تجعل من المرأة ملكة
.. صاحبة إرادة .. وإدارة وكلمة مسموعة، وصوت قوى.. 2. سيد عقيد:
أما البروفسور أحمد سيد العقيد أمين المكتبات ، بجامعة النيلين ، فقد كان
بحثه عن المرأة وأدوارها الإجتماعية والسياسية فى العصرين:الفونجى والتركى،
وقد تعرض هذا البحث للتكوين الإجتماعى والسياسى للمرأة السودانية ، تحت
مظلة الأنظمة القبلية والإجتماعية فى السودان ، وتناول البحث العادات
والتقاليد القبلية والإجتماعية التى شكلت دوافع إيجابية فى مجال عطاء المرأة
.. والتى كانت عوامل دفع للمرأة السودانية لكى تؤدى دورها فى مشاركات
إيجابية.. وفى ترسيخ معان وقيم إجتماعية راسخة.. وشاركت المرأة فى صنع
القرار السياسى وتولية السلطـان وأقامت مراسم تتويجه بهالة من التقديس..
بناء على موروث قبلى عريق، وإستمـر هذا حتى سنة 1916.. وإحتلت الحكمة
دارفور دور الشعراء.. والناطق الرسمى بإسم الدوله والمجلس الخاص.. وظلت
الحكامة تحتفظ بهذا الدور حتى الوقت الراهن، وفى زمان الحلم التركى، شاركت
المرأة فى بناء الحياة الإجتماعية والإقتصادية بسياسة الإعتماد على الذات،
فى منطقة شندى وشمال السودان .. وقامت ببناء الخلاوىوعلمت الرجال ، متجاوزة
عصرها .. وحفظت القرآن وكانت معلمة وشيخة لبنات جنسها.. وأبناء عصرها..
وملكت المزارع .. وأدارت النساء والرجال فيها.. وتصرفت بجدية وحزم. لم
تعرفها وصيفاتها فى الغرب والشرق يومئذ..3. الأب القمص فيلوثاوس فرج:
أما الأب ، فكان بحثه عن دبلوماسية ملوك النوبة، وكيف كان الملوك على علاقة
طيبة ببلاد الجوار وعلى الأخص مصر.. ودبلومسية ملوك النوبة هى: دبلوماسية
الأتقياء.. دبلوماسية الحكماء.. دبلوماسية التعاطف.. دبلوماسية المواجهة..
المهم أن ثالوثنا هذا ، كان أسرة كوشية ، مثل الأسرة الخامسة والعشرون..
77. أم فرعون نوبية الأسرة الثانية عشر: يبدأ تاريخ
الأسرة الثانية عشر من سنة ألفين قبل الميلاد حتى 1788.. فالمساحة الزمنية
لحكم هذه الأسرة تزيد على مائتى عام.. وأول ملوك هذه الأسرة هو الملك "
أمنحتب الأول " وآخرهم سبك نفرو رع.. وقد حفل تاريخ هذه الأسرة بالحملات
المتعددة على بلاد النوبة ، وقبائل كوش وهذا فى رأى البعض دخل ببلاد النوبة
إلى مرحلة حضارية جديدة. ويؤكد الأستاذ " شوقى الجمل" المؤرخ المصرى
المهتم بتاريخ السودان ، إن هدف هذه الحملات لم يكن إخضاع هذه البلاد وضمها
إلى مصر، إنما للضرب على أيدى القبائل التى كانت تهدد أمن البلاد، ويؤكد
هذا بقوله : أن النوبة كانت تتمتع دائماً بنوع من الحكم الذاتى.. إنما كان
الفراعنة يرغبون في حماية الطرق المؤدية للمناجم والمحاجر والمحطات
التجاريةبين مصر والسودان.. وقد عثر فى الآثار على مبنى يبدو أنه كان
مركزاً تجارياً، بنى على مستوى الحصون.. وفى كرمة كانت هناك مؤسسة مصرية
تجارية .. كان يتم فيها التبادل التجارى.. ومعروف أيضاً أن أسوان كانت هىّ
المنطقة التجارية بين مصر والسودان.. ووجد منقوش على قلعة" سمنة "مرسوم
ملكى ينظم حركة الملاحة فى النهر، بعد أن تم تحسين الملاحة فى منطقة الشلال
الأول.. وما ذهب إليه" الدكتور شوقى الجمل" من ان الفراعنة لم يقصدوا
الإحتلال للنوبة، هو نفس ما تقوله عن تحرك الملك الكوشى" بعانخى"..
للإستيلاء على وادى النيل حتى دلتا مصر.. فلقد كان يتحرك حركة داخلية داخل
الوادى... ومعروف ان ملوك النوبة لم يفكروا فى إحتلال بلد آخر.. بقدر ما
فكروا فى حكم بلادهم، وهذا ما قاله ملك النوبة ، للملك" قمبيز" ملك الفرس..
أن يشكر الآلهة لأن ملك النوبة لا يرغب فى حكم أرض غير أرضه.. الأم
النوبية: يرى البعض ومنهم العالم الألمانى " جونكر"Junker إن الدم النوبى
دخل إلى الأسرة الثانية عشر.. وأول ملوك هذه الأسرة كانت أمه نوبية.. ولقد
إهتم هذا الملك بإخضاع النوبة له.. وفى نقوش قديمة لحاكم المنيا، وجدت فى
بنى حسن، أن هذا الملك حارب معه حاكم المنيا ضد حكام النوبة الشمالية..
وأن الحرب كانت فى البر بالجنود وفى البحر بأسطول من عشرين سفينة.. وربما
كان هذا الملك يعتقد أن أمه النوبية تعطيه حقوقاً فى مملكة النوبة ، ولا
غرو فيها ، فلقد تحولت الأنظار الآن أن يحصل المولود على جنسية الأم ..
والمرأة السودانية وفق الدستور الجديد من حقها أن تعطى إبنها الجنسية
السودانية.. وفرعون هذا ، كان قوياً ونشيطاً وتمكن من حكم الشمال
والجنوب ، غير أنه تعرض لمؤامرة خسيسة مثل مؤامرة يهوذا الإسخريوطى ناكر
الجميل.. وكما أن يهوذا وهو من تلاميذ السيد المسيح ، باع المسيح لليهود
بثلاثين من الفضة ، فإن بعض أفراد حاشية هذا الفرعون قد دبروا مؤامرة
إغتياله، ودخلوا إلى غرفة نومه وهجموا عليه ، ولكنه تمكن من الدفاع عن
نفسه، وقتل المهاجمين.. وكتبت له النجاة بأعجوبة.. وربما يكون دافع
هؤلاء ، أن أمه نوبية وهذا ليس بغريب على التاريخ ، فلقد إعترض أشقاء موسى ،
مريم وهارون، على موسى بسبب المرأة الكوشية التى تزوج بها.. وإذا كان
يهوذا الخائن قد باع السيد المسيح ، فلقد قال عنه المسيح: إن الذي يأكل معى
في الصحفة ، هو الذى يسلمنى.. وتمت فيه النبوة التى تقول: الذى أكل خبزى
رفع علىّ عقبة.. وكانت مؤامرة إغتيال الفرعون ذو الأم النوبية سبباً فى أن
يكتب وثيقة ينصح فيها إبنه ، وقد وصلت إلينا هذه الوثيقة التى تؤكد
إمتداد النفوذ المصرى إلى بلاد النوبة.. وبعض الصخور فى منطقة" كورسكو"
الواقعة فى بداية الطريق الصحراوي الواصل إلى بلاد المازوي.. ولقد جاء فى
هذه الوثيقة: أنصت وإستمع لِمَ أقوله لك ، حتى إذا صرت ملكاً وحاكماً على
الأقطار، زاد فلاحك حصن نفسك من كل تابعيك ، وإستعمل الشدة مع مرؤسيك حتى
يرهبوك. والناس تحترم كل من يخيفهم ويفزعهم، ولا تتخذ منهم أخاً ولا صديقاً
ولا رفيقاً.. وإذا نمت فأجعل قلبك حارساً لك.. لقد أعطيت السائل
وأطعمت اليتيم ، ولكن من أكل خبزى أشعل الفتنة ضدى، وكل من أعطيته يدى،
أيقظ الخوف فى نفسى، وكل من لبس كتانى الجميل، نظر إلىّ نظرة الخائن.. لقد
وسعت حدود بلادى بشجاعتى وأعمالى، ولم يكن هناك جائع فى أعوانى ولم يعطش
أحد من رعيتى ، بل عاشوا فى سلام ، فقد أمسكت السباع وأخذت التماسيح وقبضت
على شعب الواوات وأسرت المازوى، وهنا يقصد النوبة.. وعموماً هذه رسالة نفس
مرة، هزها نكران الجميل ، ولكنها رسالة من فرعون أمه نوبية، أراد أن يجعل
مصر والسودان مملكة متحدة.. 80. البجة بادية
بنى كوش البلميون والبجة: إنهما إسمان لقبيلة واحدة، ولقد أطلق الإسم الأول
BLEMMYES منذ القرن الأول الميلادى على سكان الصحراء الشرقية.. وذكر"
بروكوبيوس" فى القرن السادس الميلادى، إنهم يسكنون المنطقة الممتدة من حدود
مصر وإلى أكسوم..على حين أن "كوزموس" التاجر المصرى الذى عاش فى هذا الوقت
أيضاً أطلق على سكان هذه المنطقة إسم بجاBEGA.. وهذا الإسم يعتبر الإسم
الحديث للقبائل القديمة التى كانت معروفة عند قدماء المصريين، تحت إسم
ميجا أو ميجوى.. وإستعان بهم قدماء المصريين منذ الأسرة السادسة 2500ق.م..
فى مختلف الأعمال، وعلى الأخص كانوا يؤلفون منهم فرقاً عسكريةً، تستخدم
للبوليس والحرب.... ومن أهم أقسام البجا فى الوقت الحاضر ، البشارية ،
الهدندوة ، الأمرار، بنى عامر ، الحلامة.. ويرى مصطفى مسعد ، أن هؤلاء
البلميين كانوا يستوطنون بعض جهات النوبة السفلى ، جنوبى المحرقة منذ زمن
البطالمة.. ولكن لا نعرف إذا كانوا قد خضعوا لنفوذ دولة مروى أو لا..
ولكنهم إحتلوا هذه المنطقة ومنها بدأت سلسلة الإغارات التى شغلت الرومان ،
وكلفتهم الكثير، جهداً ومالاً.. وأولى هذه الإغارات كانت سنة 250 م..
وشجعهم على ذلك ما حدث من فوضى فى الصفوف الرومانية... أما " شوقى
الجمل" فيرى أنه عندما إشتد زحف الزنوج للشمال، لم يستطع أهل النوبة
الشمالية التغلب عليهم ، مما إضطر البعض منهم لهجرة النوبة والإنتقال من
حياة إستقرار الزراعة إلى حياة البدو.. ومن هؤلاء المهاجرين: قبائل البجة
أو البشاريين.. وأصبحت هذه القبائل بحكم وضعها الجديد ، تُغير على البلاد
الزراعية، ويقع بينها وبين السكان معارك.. وهذا يعنى أن قبائل البجة ، ترد
إلى النوبة كفرع منها... أما " نعوم شقير" فى تاريخ السودان ، فإنه يرى
أنه بعد أن زالت دولة مروى، لم يشتهر فى أثيوبيا إلا أمتان: النوبة على
النيل.. والبجة فى الصحراء الشرقية.. وأن النوبة إعتنقوا المسيحية فى القرن
السادس للمسيح .. وبقىّ البجا على الوثنية.. والبجاهم سكان الصحراء
الشرقية.. وهم فى المشهور بادية بنى كوش ، بن حام.. وعرفوا فى كتب الرومان
بإسم البلامس أو البلميين.. وظن البعض أنهم البقةBUKA المدونون على الآثار
الفرعونية أو البقيتة BUGAITE المدونون على آثار أكسوم...المؤرخون العرب:
هناك كلام طويل عن البجة عند المؤرخين العرب ، وهنا نذكر : 1. قال أبو
الفدا فى جغرافيته ، أن بلاد البجة بين بحر القلزم وبحر النيل، وبينهم وبين
النوبة جبال منيعة.. وأيضاً: من أمم السودان البجة ، وهم شديدو السواد،
عراة الأبدان، ويعبدون الأوثان، وهم أهل أمانة وحسن مرافقة للتجار، وفى
بلادهم الذهب، وهم فوق الحبشة إلى جهة الجنوب على النيل..2. يرى بعض
المؤرخين، أن البجا قبلت المسيحية وعلى الأخص أنهم فى الأصل قبائل نوبية ،
ولكن لم يكن لمسيحية البجا نفس مستوى مسيحية النوبة.. 3. قال "
القزوينى" فى كتاب أخبار البلاد ، البجة بلاد متصلة بأعلى عيذاب، فى غرب
منه أهلها ، صنف من الحبش ، وبها معدن الزمرد الأخضر السلقى الثير
المائية., وذكر أن هذا الزمرد دواء لسم الأفعىَ.. وأن الأفعىَ إن نظرت إليه
سالت حدقات عيونها..4. أما "إبن الوردى" فيقول: أن البجة شديدو السواد ،
عراة الأبدان، يعبدون الأوثان.. ولهم عدة ممالك .. وهم أهل أنس وحسن وتلطف
مع التجار.. وفى بلادهم معدن الذهب .. وليس بأرضهم قرى ولا خصب ، وإنما
هىّ بادية جدباء ، يصعد التجار منها إلى وادى العلاقى، وهو وادٍ فيه خلقٍ
كثير.. كالبلدِ الجامع.. وفيه آبارٍ عذبةٍ.5. "إبن الوردى" فى تاريخه يقول:
إنه بين النوبة والبجة قوم يقال لهم " البليون".. أهل عزمٍ وشجاعةٍ..
يهابهم كل من حولهم، من الأمم. ويهادونهم.. وهم نصارى خوارج على مذهب
اليعقوبية.. وهذا يعنى أنهم لا يتبعون كنيسة الإسكندرية.. وربما كانوا
يتبعون كنيسة روما الغربية.. 84. عيد الأفيال
فى مروى ركوب ملكى: كان الفيل فى حضارة مروى.. ركوب ملكى ، هكذا تذكر
النقوش المروية، حيث تصور على أحد الأعمدة بالمعبد الرئيسى بالمصورات
الصفراء، الملك المروى وهو يركب فيلاً، بينما يمسك أحد خصومه بخرطوم الفيل
كنوع من إذلال الخصوم على الأخص إذا كان الخصم من بيوت الحكام الأعداء..
وكان الفيل يركبه الملوك فقط.. وبحسب كتابة المرشد لآثار مملكة مروى ،
للدكتور صلاح عمر الصادق، إنه لا يوجد أي رسم لأحد العامة وهو يركب فيلاً..
ويذكر المؤرخ" ديدوروس الصقلىDiodorus أن أهل مروى كانوا يصيدون الأفيال
ويقومون بترويضها والمتاجرة بها مع البطالمة (323-30 ق.م) مثل بطلميوس
الثانى والثالث اللذان إهتما بإستجلاب الأفيال من منطقة مروى.. ومعروف عن
الفيل الإفريقى أنه ينضج فى سن الخامسة والعشرين ويصل إلى الشيخوخة فى سن
الخمسين.. ولا تلد الأنثى غير مرة واحدة فى حياتها.. ولقد تمكن الفنان
النوبى من النقش على العاج .. وقد عثر "ريزنر" على لوحات عدة من العاج،
حفرت عليها رسومات مختلفة.. تمتاز بمحاكاة الطبيعة.. محاكاة صادقة..عيد
الأفيال: يظهر فى حضارة مروى أهمية الفيل كوحدة فنية متكررة.. وقد كان أهل
مروى يهتمون بعيد الأفيال ويعتبرون الأفيال سلعة حيوية هامة.. ونظرا لأن
جزيرة فيلة تقع فى مدخل النوبة وفى أسوان ، فإن تسميتها ترجع إلى أهمية
الأفيال التى ربما كانت تصل إلى" فيلة" على الأقدام ، وأيضا كانت تصل إلى
هناك عاجاً من سن الفيل.. وظلت فيلة لها دورها الكبير فى حضارة مروى، حيث
يذكر أن بعانخى مؤسس المملكة المتحدة مصر والسودان، عندما قرر أن يضم
مصرإليه، ذهب أولا لإسترضاء الآلهة إيزيس فى" فيلة "، وأخذ تمثالها معه فى
إحتفال عظيم، تبركاً لمملكته وإستدراراً للأمطار.. حيث كان أهل النوبة
يحجون إلى معبد إيزيس فى موكب سنوى بهيج ، بينما كان المصريون القدماء
يؤمنون بأن أول نقطة مطر تملاء نهر النيل هى دمعة الألهة " إيزيس" ألهة
الخصب والنماء.. وهذه الدمعة هى أول الغيث ، وكان عيد النقطة ، عيدا بهيجا
سعيدا على المصريين، وعندما دخلت مصر إلى المسيحية تحوّل هذا العيد إلى عيد
رئيس الملائكة ميخائيل المسئول عن إصعاد المياه حسب مقدارها، والمسئول عن
أهوية السماء وثمرات الأرض.. والذى تقام له الإحتفالات فى دارفور فى جبال
ميدوب برئاسة الملك المسيحى هناك.. وظلت راسبا ثقافيا حتى الأن.. وكانت
جزيرة فيلة هى المقام الأول للمسيحية ، وكانت حجر عثرة أمام إنتشار
المسيحية حيث ظل حجاج النوبة يفدون إلى فيلة، وإلى معبد الألهة إيزيس..
وينقشوا على جدران المعابد بعض التراتيل والصلوات "لإيزيس العظيمة".. ويرجع
آخر نص إلى سنة 473 م...فيلة والمسيحية: وتمكن الإمبراطور الرومانى "
جوستنيان" من القضاء على الوثنية في جزيرة فيلة، حيث قام بإغلاق معبد
الألهة إيزيس وإرسال تماثيل الألهة إلى القسطنطينية وسجن جميع كهنة
الأوثان، حوالى عام 543 م.. وعهد إلى " تيودور "أسقف أسوان بالإشراف على
الطقوس الدينية بعد تحويل هيكل إيزيس إلى كنيسة مسيحية.. وقام تيودور بدور
كبير فى نشر المسيحية هناك ، ويرى بعض المؤرخين أن جويتنيان الإمبراطور
الرومانى، لم تكن له أهداف دينية فقط، بل أهداف سياسية أيضا.. فقد كان
يرغب أن يقضى على البلميين ويطردهم من وادى النيل، وإستفاد هنا بالعناصر
النوبية التى أخذت تميل إلى المسيحية ، وشجعها على طرد البلمين.. وقام "
سلكو" أحد ملوك الالنباطيين بأربع حملات متتالية ليقضى عليهم، وإكتسح
أراضيهم وطاردهم من أبريم حتى الشلال الأول.. والبلميون ، طبعا هم قبائل
البجة التى كانت تغير على النوبة ، غارات متعددة، وقد عزا " سلكو"
إنتصاراته عليهم إلى الله ، ولكن هذا النص لا يشير إلى إنه صار مسيحيا ،
إنما يرى دكتور مصطفى مسعد : إن كاتب وثيقة الإنتصار هو كاتب قبطى على جانب
عظيم من الثقافة .. وهو الذى تولى كتابة هذا النقش على معبد كلابشة..
وكان النقش يصور الملك " سلكو" فى زى فرعونى تزينه صور الألهة.. وكان تحول
فيلة إلى المسيحية وإغلاق معبد إيزيس هو أول الخطوات نحو دخول المسيحية إلى
النوبة بوابة إفريقيا... 85 . فيلة وأسوان
والسودان مراكز التأثير: تعد فيلة وأسوان مراكز تأثير فى تاريخ السودان..
وليس هما فقط، إنما أيضا طيبة الأقصر والتى كانت مركزا هاما للدعوة
المسيحية بما فيها من