نفحــــــــات من التــــاريخ العسكـــــــري النــــوبـــي الغد المشرق

عبر مسيرة
التاريخ العسكري النوبي الطويلة والقديمة

لم يذكر المؤرخين أهمية الدور العسكري النوبي بكل جماليته

وقوته وصلابته إلا في العصر الفاطمي الذي أعتمد إعتماد

كلي وجزئي علي العنصر النوبي في الجيش وتكوين جيش قوي

متعدد الأجناس لتقوية أركان حكمهم علي مصر .

كان جيش القائد جوهر الصقلي الذي جاء لفتح مصر أغلبهم

من المغاربة وبأعداد كبيرة ، فكانت حاجة الفاطمين الماسة

إلي جيش قوي من النوبة بجانب العنصر التركي وبعض العناصر

الباقية من أيام الأخشديين ، فبرز العنصر النوبي القوي ذو

الصفات الجسمانية والقتالية البارعة منذ العصور الأولي .

وقد أعد القائد جوهر الصقلي حملة للقضاء علي ثورة عبدالعزيز

إبراهيم الكلابي أحد زعماء العرب في صعيد مصر ، وعين القائد

جوهر الصقلي قائد نوبي للحملة أسمه بشار النوبي فكان حسن

الأختيار من جانب القائد جوهر الصقلي لمعرفة القائد النوبي

بشار أحوال وطبيعة صعيد مصر من كافة النواحي وحقق أنتصار

باهر للقضاء علي ثورة الكلابي .

أما في عهد الخليفة المعز لدين الله (341 إلي 365 هـ 952 - 975 م)

أعتمد الخليفة علي جيشه من النوبيين وأصبح لكل طائفة منهم فرقة

خاصة تنسب إلي قائدها وبلغ من أهتمام الخليفة المعز بهم أنه كان

يشاركهم مع بقية الجيش في موكبه من الأحتفال بعيد رأس السنة

الهجرية وعرف هؤلاء بفرقة أرباب السلاح الصقر وكان عددهم يتجاوز

أكثر من 300 عنصر شاب نوبي وكانت كل الفرقة النوبية في الجيش

ثابتة العدد ومع كل موكب .

في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله ( 386 - 411 هـ 996 - 1020 م )

زاد أعداد النوبيين بأعداد كبيرة وكثيرة جداً بالأضافة إلي فرقة

العطوفية التي تنسب إلي عطوف الذي خدم ست الملك أخت الحاكم

بأمر الله .

وقد ذكر الرحالة ناصر بن خسرو الذي زار القاهرة في عهد

الخليفة المستنصر بالله ( 442هـ 1050 م ) أن عدد عناصر الجيش

يتكون من فرقة الكتاميين بعشرين ألف فارس وفرقة المصامدة

وهم سود من عشرون ألف رجل وفرقة الباطيين وهم من رجال

المغرب وعددهم خمسة عشرة ألف فارس وفرقة المشارقة وهم أتراك

بعدد عشرة ألف رجل وفرقة الحجاز عددهم خمسين ألف رجل وفرقة

الزنوج ثلاثين ألف رجل .

وظهر في عهد المستنصر بالله طائفة المحلية وكان عتاصره من النوبيين

الذين أشعلوه الخلافات مع الأتراك ودرات معارك طاحنة وقتل

الكثير من الجانبين .

في عهد الخليفة العاضد ( 555 - 567 هـ 1160 - 1171 م )

بلغ العنصر النوبي في الجيش بأكثر من خمسين ألف رجل مما يدل

علي قوة النفوذ النوبي وكانت منها فرقة تسمي المنصورية

وهي الساعد الأيمن للخلافة الفاطمية ولعبت دور كبير في أواخر

العهد الفاطمي ، لذا حل أنتقام صلاح الدين الأيوبي منهم

وحرق مساكنهم .

أما فرقة الفرسان النوبية كانت تقوم بعمليات الأستطلاع

ومعرفة الطرق لتأمين سلامة الجيوش الزاحفة للقتال وكانت

تشارك في عمليات الهجوم علي العدو ، وقد شارك فرقة الخيالة

النوبية في كل الحروب التي خاضتها الدولة الفاطمية .

وقد تجمع حوالي خمسة عشر من الفرسان النوبية في عهد المستنصر

في صعيد مصر وقاموا بشن هجمات متتالية علي القاهرة والأستيلاء

علي أجزاء منها وطرد الأتراك منها ، فكانت الشهرة الكبيرة

في الفنون القتالية ورمي السهام والنبل الأثر المفزع للكثير

من الفرق الأخري وكانوا يطلقون عليهم ( رمــاة الحـــدق )

وساهم العنصر النوبي في المشاركة مع بقية العناصر في صد غارات

الفرنجة ، وعندما تعرضت الفرما إلي هجوم من الفرنجة في عهد

الخليفة الأمر بأحكام الله ( 495 - 524 هـ 1101 - 1130 م )

أسرع الخليفة بأرسال عدد من المشاة من العطوفية الفرقة النوبية

مع الفرقة المركزية التي تساعدهم في صد الهجمات الفرنجية وتقدموا

مع العربان وطاردوا الفرنجة الذين نهبوا المدينة ولكن المرض

فأجا ملك الفرنجة فعاد إلي وطنه دون أن يقتل أو يضر .

ومن خلال هذه المسيرة الطيبة والمباركة للنوبيين والدور الكبير

الذي برز من خلاله لم يأتي من قبيل الصدفة ، بل من واقع

الخبرة والحنكة والفطرة النوبية بالأضافة إلي حب الفاطميين

بالنوبة لقوة وصلابة عناصره والأجمل ما في ذلك أن الخليفة

الفاطمي المستنصر بالله ( 427 - 478 هـ 1035 - 1094 م )

أبن سيدة نوبية تزوجها والده وأنجبت ذلك الخليفة الفاطمي

الذي حمل الدماء النوبية في جسده وعقله وكيانه .