الطبيعة فى النوبة
كانت الطبيعة فى النوبة القديمة ذات مذاق خاص،
وكان النوبيون يعشقون الحياة فى النوبة ولا سيما فى الفترات التى سبقت بناء
خزان أسوان. وكانت النوبة مليئة بالخيرات، وكانت الأراضى الزراعية تمتد
على ضفتى النيل الخالد. وكان النوبيون مولعين بالمعمار وابتكار أساليب
مختلفة لتزيين منازلهم. ومن الملاحظ أن النساء كن شغوفات بطلاء المنزل
وبأعمال الرسم على الجدران سواء داخل أو خارج المنزل.
هنالك بعض
الروائيين يعبرون عن انبهارهم بالطبيعة الخلابة للنوبة، ويشيرون إلى مواطن
الجمال فى تلك البيئة التى عشقها أهلها من القرويين، فخليل قاسم فى روايته
"الشمندورة" يعبر لنا من خلال الراوى المشارك فى أحداث الراوية عن جمال
الطبيعة فى القرية النوبية التى تلفها أشجار النخيل وعيدان الذرة ونبات
الشرنقيق، ويتعانق النيل العظيم مع أطرافها:
كل شىء كان بهيجا
وجميلا فى قريتنا فى تلك الأيام، فالنيل العجوز،
وسواعد الرجال والنساء،
والشمس المشرقة اللافحة قد كسا الغيطان
والشواطىء، بخضرة يانعة تتخللها
مقاطع شتى من الألوان تبعث
البهجة والتوثب، ونبات الترمس ينمو ويترعرع
فوق الجروف
المبتلة و"الكشرنقيق" ينشر خضرته بين سيقان أشجار النخيل..
يزخرفها
نوار احمر وأصفر وأبيض هنا وهناك، وعيدان الذرة،
ترتفع وتميس على نغمات
النسيم، وتمد أصابعها الصغيرة تثقلها،
فتنحنى وكأنها تصلى للأرض
الطيبة، وعلى النخيل عناقيد بلح
تتزاحم كعصائب من المرجان تلف
أعناقها..والنيل العالى تتلاطم
أمواجه الحمراء الدسمة ويهدر كأنه حانق
على نجعنا وعلى الجزيرة
التى كاد يبتلعها ويحطم بيوتنا المبنية من
الطين. (الشمندورة،ص61.)
وفى موضع آخر فى الرواية نفسها يسجل خليل
قاسم عشق أهالى النوبة وهيامهم بأشجار النخيل ونهر النيل الذى يلازمهم
الحياة ليل نهار ولا يتصور أحد أن يعيش دون النيل والنخيل:
فقد
ولدوا جميعا على هذه الأرض، ومن قبلهم ولد عليها آباؤهم وأعمامهم،
إنهم
جميعا يعشقون أشجار النخيل، ويحبونها هى والأرض الزراعية
والبيوت
المبنية من "جالوص" الطين..والطوب الأخضر..والنيل-شريحته
المتدفقة-أمام
قريتهم..يعشقونها كما يعشقون زوجاتهم. دار فى خلدهم دائما
أن بلادهم
أجمل بلاد الدنيا، وناسها أحسن ناس فى العالم.. (الشمندورة، ص80)
ومن
الواضح أن عشق خليل قاسم للطبيعة فى النوبة تتمثل فى اللغة الشاعرية التى
يستخدمها فى السرد، وهى لغة شاعر يتحدث ويتسامر مع الطبيعة ويتخيلها كأنها
صديقة تستمع إليه ويستمع إليها:
كان الليل يلفظ أنفاسه والكون
يتمطى..والشمس تكاد تقفز فوق التلال
الشرقية وتتبدى كقطعة مستديرة من
الخشب تتوهج فى كانون بعيد
وتلقى أضواءها الحمراء الشفافة على المخمل
الأخضر المنطرح فى
استرخاء كسول على الأرض فوق الشاطىء، وفى الجزيرة،
وبين
الجذوع وتعكس ظلال النخيل وأشجار السنط والأثل والدوم طويلة
على
مد البصر والجنادل تنتقل من حرش اللوبيا إلى حرض آخر..
..والأمواج
الهادئة المرتعشة تدغدغها الريح لتستيقظ وتنهض لتشترك
فى زفة الصباح..
(الشمندورة، ص85.)
وهذا سيد جمال اسحق فى رواية "أرض الجزيرة" يقدم
لنا وصفا دقيقا للطبيعة كما شاهدها فى النوبة:
كان ضوء النهار يتسلل
من وراء هامات الجبال الرابضة خلف بيوت
النجع. الشمس تفرك عينيها وتدب
فيها الحياة. كانت سحابة صغيرة تنتقل
زرقة السماء وزهزهة النهر تنتشر
وتتناثر فى تآلف بديع، واستحالت
ألوان الطبيعة فى الأرض والحقول والنخيل
والحشائش والنباتات من
الزرقة المشوبة بالخضرة إلى لون بالغ الاخضرار.
(أرض الجزيرة، ص9.)
وكان سيد جمال اسحق منبهرا بشجرة الجميز التى
يسير بجوارها، فيتمادى فى وصفها معبرا عن تلك المشاعر التى انتابته عندما
نظر إلى تلك الشجرة العتيقة:
شجرة عتيقة شامخة برأسها، ضاربة
بعروقها فى الأرض، يتآلف
لونها بشروق الشمس، ونسمع حفيف أوراقها فى
تلذذ وقطرات الندى
المتساقط تعلق بأوراقها الخضراء... (أرض الجزيرة، ص9)
ولم
يكن كل الروائيين عاشقين لبلاد النوبة القديمة، فها هو إدريس على يعبر
صراحة فى روايته "النوبى" (2001م) عن عدم افتنانه بهذه البلاد الموحشة:
لكننا
نحن—أبناء الجيل الجديد—كنا منبهرين بفكرة الانتقال، لقد زهدنا
النوبة
بجبالها وفقرها وكآبتها..فما إن نعبر الشلال فى اتجاه الجنوب حتى
نكتشف
البون الشاسع بين المدينة والقرون الوسطى، ظلام ووحوش وعقارب
وجوع ومرض
وخرافات، فالذى يمرض يهلك، لا طبيب مقيم ولا مستشفيات
متنقلة ولا معونات
إغاثة ولا مسئول واحد يمر..(النوبى، ص
يهاجم إدريس على بلاد
النوبة القديمة فى أحدث رواية له وهى "اللعب فوق جبال النوبة" (، 2002م) من
خلال شخصية الراوى المنغمس فى أحداث الرواية ومن خلال وجهات نظر أخرى
تتمثل فى شخصية غادة، فتاة والدها من النوبة ووالدتها مصرية ومن خلال شخصية
الجد. فى رواية "اللعب فوق جبال النوبة" (، 2002م) يعبر إدريس على من خلال
الراوى المشارك فى أحداث الرواية عن عدم رضاه ببلاد النوبة القديمة وقراها
التى ألقاها مياه الخزان فوق الجبال الموحشة الممتلئة بالذئاب والعقارب
والحشرات السامة. وإدريس على فى كل رواياته يعبر عن احتقاره للنوبة
القديمة، وفى هذه الرواية يصفها بالتخلف والعزلة القاتلة:
كانت
بلادنا مغلقة على نفسها تمارس الحياة وفق تقاليد موروثة
صارمة، متخلفة،
لا تتطور ولا تتغيرن تقوم الثورات فى الشمال
والجنوب ويتبدل الحكام، فلا
تتأثر. اللعب فوق جبال النوبة، ص9
كما يتهم إدريس أهل النوبة
القديمة بالسذاجة وسطحية التفكير، فهم أناس لم يكن لديهم القدرة على الحكم
الصحيح والتقدير الصائب للأمور:
وكان لدينا مفاهيم مشوهة وخاطئة
فنظن أهل الشمال كلهم "حكومة"
من البيض الأشرار الذين بنوا الخزان
لإغراقنا وإفقارنا، ونظن أهل
الجنوب السود حدا لهم ذيول ويأكلون البشر.
اللعب فوق جبال النوبة، ص10
فإدريس على يكره كل ما يمت بصلة
بالجنوب وعبر عن افتنانه بكل ما يتصل بالشمال، كما هو واضح فى حديثه هن
الرياح الشمالية والرياح الجنوبية:
غادة الجميلة هبت علينا كنسمة
شمالية ندية واشتبكت فى ساعة
نحس مع ريح سموم جنوبية فاختنقت.. (اللعب
فوق جبال النوبة،ص 19)
وبشير إلى الجنوب كموقع اشبه بالجحيم حيث
ينفى فيه المنبوذون، أما الشمال فى رأى إدريس فهو جنة الله على الأرض:
يوم
وصولها إلى منفانا، مبعدة من جنة الشمال إلى جحيم الجنوب،
(اللعب فوق
جبال النوبة، ص20.)
ويتجلى افتنان إدريس على بكل ما يتصل بالشمال فى
وصفه لغادة الفتاة ذات الأم الشمالية:
وحين أطلت من الباخرة، بدت
كالبدر فى تمامه، بيضاء تشع نورا
مع ضوء الشمس، باسمة الثغر، فاحمة
الشعر، سافرة الوجه والملبس
أنيقة، رشيقة..كانت أجمل من زوجة المدرس
الشمالى، وأجمل فتاة
هلت علينا، (اللعب فوق جبال النوبة، ص20.)
ويتعاطف
مع غادة الشمالية التى تضطرها الظروف أن تقيم فى بلاد النوبة الموحشة التى
تحاصرها الذئاب والعقارب:
ولا أدرى كيف لهذه البنت الطرية التكيف
مع طرائق حياتنا الخشنة
وتقاليدنا الصارمة؟ كيف لها بالخبيز والعجين
وإطعام الدجاج وجلب
المياه والنوم فوق "العنجريب" لا يريح بدنا؟ وكيف
ستتحمل عواء
الذئاب وأسراب العقارب والحبس المنزل والنوم مع مغيب الشمس؟
وإدريس
يوحى لنا بأن المرآة الشمالية تعيش فى وضع أفضل من نساء النوبة وتتمتع
بمزايا لا تستطيع المرأة النوبية أن تحلم بها، لذلك فالمرأة الشمالية سوف
تجد صعوبة فى التأقلم فى القرى النوبية النائية التى تشارك فيها الذئاب
والعقارب أهل القرى فى معيشتهم. وفى المقابل يصف إدريس على نساء النوبة
بالخشونة وفقدان الأنوثة:
كانت الست شاية كمعظم نساء قريتنا يتأبطن
"المركوب" ويمشين
حافيات، تدبين على الأرض بقوة فيئن الحصى تحت أقدامهن
المتشققة
لا يشكون ولا يتذمرن هن والأرض الملتهبة يتعاملن فى مودة
ورفق.
وحرصهن على سلامة الأحذية العزيزة النادرة أكثر من سلامة أقدامهن،
غادة
لم تدرك مغزى الحذاء المحمول، وحاولت التقليد ثم صرخت بعد
ثلاث خطوات.
(اللعب فوق جبال النوبة، ص25 )
وفى رأى الراوى المشارك فإن المرأة
الشمالية تستطيع أن تغير من إيقاع الحياة فى بلاد النوبة الموحشة، فالمرأى
الشمالية تجعل هذه الحياة محتملة وممتعة:
لا حديث فى نجوعنا سوى
عنها، "أونتى" البيضاء المرحة التى
حركت حياتنا الراكدة بحيوتها ومرحها
وأغانيها ونكاتها اللاذعة
ولغتها العامية السهلة الجارحة والمكشوفة
أحيانا. (اللعب فوق جبال
النوبة، ص30.)
كما تأتى الانتقادات على
لسان الفتاة الشمالية غادة، فهذه الفتاة التى تزور النوبة لأول مرة تنفر
من أهلها وتعبر عن مشاعر الاستياء من فقر المنطقة:
وقالت بهلع: يا
خرابى انتوا إيه؟ وأنا فين؟ دا باينى وقعت وما
محدش سمى على..وهى دى
بلدنا بقى؟ دى وحشة قوى وزى الفرن
وعاملة زى القرافة.. (اللعب فوق جبال
النوبة، ص22.)
كما تشكو غادة من وعورة الأرض وحرارتها مما يحول
السير دون حذاء، ومع ذلك لا تتذمر نساء النوبة اللاتى يسرن على الأرض وهن
حافيات:
وغادة تتعثر فى الحجارة والزلط تكبو وتقوم بصعوبة وتعتدل
ساخطة:
يا لهوى..هو مافيش أسفلت عندكم خالص..أنتم بتمشوا على الأرض
دى
إزاى؟ (اللعب فوق جبال النوبة، ص24)
كما نجد أن شخصية الجد لا
تختلف عن الراوى المشارك فيما يختص بنساء الجنوب، فالجد لا يخفى مشاعر
الإعجاب والافتنان بنساء الشمال اللاتى قد يوقعهن حظهن العاثر فى بلاد
النوبة:
والله البنت دى كانت تنفع ممثلة.. لكن حظها الأسود رماها فى
الخرابة
دى والله العظيم حرام وأبوها زول مخبول..حد يا أخى يرمى النعمة
دى..
لكن تقول إيه..لسه فيه ناس مخها تعبان". (اللعب فوق جبال النوبة،
ص31.)
وفى الواقع لا يوجد ما يبرر هذا الافتنان المرضى بنساء
الشمال، ويعترف إدر يس أن لون البشرة هو المعيار الرئيسى للجمال، لذ فكل
امرأة بيضاء تعتبر جميلة. وهذا استدلال خاطىء ومبنى على فروض منطقية خاطئة.
ومن الغريب أن الفتاة التى يعبر الراوى عن افتنانه بجمالها وبجسدها ألأبيض
البض من حوارى بولاق وإمبابة. وكلنا يعلم أن هذه الحوارى فقيرة وتنبعث
منها رائحة كريهة لا يتحملها الإنسان، كما أن سكان هذه المناطق من بسطاء
القوم، وليست كل فتاة ذات بشرة بيضاء تعتبر جميلة.
ويبين لنا إدريس
على من خلال روايته "النوبى" أن العادات والطقوس التى يمارسها النوبيون
إنما تعبر عن تعدد العناصر المكونة للشخصية النوبية، وهى عناصر لا يدركها
الممارس لهذه العادات المتوارثة منذ الأزل:
..إنهم يعمدون أطفالهم
فى النهر كعادة متوارثة ولم يسألوا أنفسهم يوما، أهى
عادة فرعونية أم
نوبية أم قبطية و"ضبة" الباب على هيئة صليب وأمى
تقول مستجيرة: أنا فى
عرض "مريم"... (النوبى، ص64)
ثانيا: قرى النوبة مسرحا للأحداث
كانت
قرى النوبة فى الموطن القديم تمتد من الجندل الأول فى أسوان وحتى الجندل
الخامس، وكانت القرى تقع على ضفاف النيل بطول 350 كيلومتر. ويمكن تقسيم
النوبة إلى منطقتين: المنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية. وكانت المنطقة
الشمالية تمتد لمسافة 150 كيلومتر و تضم قرى الكنوز (دابود فى الشمال
والسبوع ووادى العرب وكورسكو فى الجنوب). أما المنطقة الجنوبية فكانت تمتد
لمسافة مائى كيلومتر وتضم قرى الفاديجا حتى تصل إلى قرية أدندان عند الحدود
السودانية.
معظم هذه الأعمال تدور فى قرى نوبية: الشمندورة (قتة)،
العشق أوله القرى (كشتمنة)، الكشر (توماس)، عروس النيل وماء الحياة
(الجنينة والشباك)، دنقلة (قرشة)، بين النهر والجبل (قورته)، أوه مشا
(إبريم)، النوبى (كشى). ومن الواضح أن رواية إدريس على "اللعب فوق جبال
النوبة" تدور أحداثها فى قرية من قرى النوبة، ولكنه لم يشر إلى اسم القرية
مما يوحى أن هذا الحدث قد يقع فى أية قرية نوبية.
ثالثا: شخصيات
الرواية
شخصيات هذه الأعمال تحمل أسماء لا تتردد سوى فى النوبة:
داريا سكينة وصالح جلق "الشمندورة"، فانا واشا اشرى وزينب اوبورتى "ليالى
المسك العتيقة"، أحمد سمل وحسن تبد والشيخ كرباش "عروس النيل"، حوشية النور
وعوض شلالى "دنقلة"،شاية "اللعب فوق جبال النوبة"، وهجلة ميرغنى "زواج
هجلة ميرغنى" "غزلية القمر"، أوش الله وإددو "أوه مشا" وكذلك نجد استبدال
حروف عربية بأخرى حتى تنسجم الكلمة مع النطق النوبى للأسماء العربية: مهمد
(بدلا من محمد فى (عديلة يا جدتى فى "مجموعة ليالى المسك العتيقة") وراجية
هميد فى "ماء الحياة"، فاتن "بين النهر والجبل"، محمد كوكى وكلودة وأش الله
"أرض الجزيرة"
والجدير بالذكر أن خليل قاسم يشير فى رواية
"الشمندورة" إلى شخصيات حقيقية مهمة لعبت دورا بارزا فى حياة النوبيين مثل
الشيخ مرسى الذى قام بدعاية واسعة فى مختلف القرى النوبية ليرسل الناس
أبناءهم إلى المدرسة (الدر) التى كادت أن تغلق أبوابها لقلة عدد التلاميذ
والنائب سليمان عجيب الذى كان يدافع عن حقوق النوبيين فى البرلمان المصرى.
رابعا:
الزج بكلمات نوبية فى لغة السرد أو لغة الحوار
يتحدث سكان النوبة
الشمالية لغة خاصة بهم تسمى "كنزية" وهذه اللغة تتطابق ولغة الدناقلة فى
أقصى الجنوب. ويمكن قول أنهما لهجتان للغة واحدة. أما سكان المنطقة
الجنوبية فيتحدثون لغة مختلفة هى الفاديجية. والجدير بالذكر أن هذه اللغات
تنتمى لعائلة لغوية واحدة تسمى " لغات توبة النيل"، وكانت قديما لغة واحدة
"للغة النوبية القديمة" التى كانت تكتب العصر المسيحى من خلال مزيج من
الحروف القبطية والإغريقية.
لا يتردد الروائيون وكتاب القصص القصيرة
فى استخدام الكلمات والجمل النوبية سواء فى السرد أو الحوار. ففى الرحيل
إلى ناس النهر "ليالى المسك العتيقة" يستخدم الروائى حجاج أدول كلمات نوبية
فى السرد ثم يقوم بتفسيرها فى ذيل الصفحة: اشا (عائشة)، الفرى (سمك
البلطى)، الهامبول (مجرى النهر) ص5. وكذلك يحرص إدريس على استخدام كلمات
نوبية فى رواية "دنقلة": الكشرنجيج (ورق اللوبيا)، ص33، الدوكة (خبز من
الدقيق)، ص68. وكذلك أيضا فى رواية "النوبى" حيث يستخدم كلمات نوبية فى
السرد ويضطر إلى تفسيرها فى أسفل الصفحة: كشى (قرية نوبية)، ص8، تود (ابن)،
ص36، تنجار (غرب)، ص37. وكذلك يفعل إدريس فى روايته "اللعب فوق جبال
النوبة": العنجريب (سرير من جريد النخيل) ص25، أونتى (قمر)، ص30، والجاكود
(وجبة من ورق اللوبيا تشبه الملوخية)، ص52. ويحرص الروائى محمد وهبة على
استخدام كلمات نوبية فى السرد، وهى كلمات نجد معانيها أسفل الصفحة فى رواية
"أوه مشا": السجر (مركب شراعى)، ص10، أمن دجر (ناس النهر) و نتو (نجع)،
ص11 ويستخدم حسن نور فى روايته "بين النهر والجبل" كلمات نوبية يحرص على
تفسيرها فى أسفل الصفحة: العنجريب (سرير من جريد النخيل)، ص15، الكل ديو
(نوع من الخبز)،ص16. وأحيانا يلجأ الروائى—كما فى أديلا يا جدتى—إلى تقديم
الكلمة النوبية بعد الكلمة العربية: خبزهم (الكابد) وملوخيتهم (الإتر)،
ص34. وكذلك الأمر فى رواية "الكشر" حيث يحرص حجاج أدول على كتابة الكلمة
النوبية بين أقواس تلى الكلمة العربية: أشرار النهر (آمون-دجر)، ص30.
وأحيانا يأتى الروائى بالكلمة النوبية أولا ثم يسعى إلى تفسيرها مباشرة فى
السرد، كما فى رواية ماء الحياة ليحيى مختار: مركبة "أنتى"—القمر—، مياه
"الدميرة"—الفيضان—ص 8، "..عندما ردد "الموليه"—الجبل—"ص10.
يعض
الروائيين يلجأون إلى استخدام اللغة النوبية فى الحوار، كما الحال بالنسبة
لخليل قاسم فى "الشمندورة، ص71":
"—أنان هالى ..كيف حالك؟
--أشرى
يا..الحمد لله...وأنت؟
--سكاركالاجا ..مثل السكر..
وحجاج أدول فى
مجموعته القصصية "ليالى المسك العتيقة": --إيوه مهمد زينب كا-كوم ص37 ويحيى
مختار فى روايته "ماء الحياة": منجا فاورو ماذا نفعل؟ ص45يااللال المروة
يا هو..يا أهل المروءة يا هو"ص10. ومحمد وهبة يفضل أن يوظف اللغة النوبية
فى الحوار ويأتى بمعناها فى أسفل الصفحة:: منجه هاوروا "ماذا تفعل سكردو
"كيف يا كبير؟" ولحسن نور أسلوبه المتميز فى الكتابة فنجده يجمع بين
طريقتين فى التعامل مع الكلمات النوبية الذى يأتى بها فى السرد أو الحوار،
فتارة يلجأ إلى ذيل الصفحة لشرح الكلمة النوبية: "كان الرجل ممدا فوق
العنجريب" "سرير من جريد النخيل)، ص15. وتارة يلجأ إلى الترجمة التى تلى
الجملة النوبية: "آى ارجى اويوركومى وريرتو (لم أعرفكما من البعيد) ..طيبرى
موستفى..طيبرى اليش؟ (كيف حالك يا مصطفى وأنت يا عليش؟)"، ص30
خامسا:
الأساطير النوبية
كان النوبيون يعتقدون أن النهر يسكنه مخلوقات
طيبة وأخرى شريرة، وكانوا يتسابقون إلى استرضاء هذه المخلوقات من خلال
تقديم الطعام وإلقاء الأضحية فى مياه النهر. وكان هنالك اعتقاد سائد بأن
بعض الناس يرتبطون بعلاقات خاصة بهذه المخلوقات. وجدت الأساطير النوبية
طريقها إلى بعض الروايات والقصص القصيرة. وقد اعتمد حجاج أدول فى مجموعته
القصصية "ليالى المسك العتيقة" على هذه الأساطير التى كانت مألوفة للنوبيين
فى الزمن القديم. فنجد فى هذه المجموعة أن الجدة اشا أشرى كانت مغرمة
بمخلوقات النهر ورفضت كل الآراء التى طالبت بابتعادها عن النهر وأصرت على
أن كل المخلوقات النهرية تتسم بطيبة القلب وحب السلام، وكذلك نجد أن رواية
أدول "الكشر" تقوم على أسطورة ناس النهر، فقد رأى أهالى توماس أن السبيل
الوحيد لإنقاذ قريتهم هو تقديم أضحية بشرية تتمثل فى فتاة بكر جميلة. وكذلك
الحال فى رواية "أوه مشا" التى ترتكز على وجود أمون دجر أو وحش النهر الذى
يهدد كل الكائنات فى جزيرة سروجى والجزر المتاخمة لها، ولم يعرف أهل
القرية السكون والطمأنينة إلا بعد أن قتل ماهر هذا الوحش بعد صراع مريرا فى
جوف النهر.