السؤال : إذا رأيتُ أبي يعامل زوجته – وهي لست أمي - بصورة جارحة , فهل يجب عليَّ أن أنكر عليه هذا الفعل ؟ فهو يضربها ، ويؤذيها ، ودائماً ما يقوم بالصراخ في وجهها , فتفكر بالطلاق لما تلاقيه من الأذى . ثم إنها – أيضاً – ليست مواطنة أمريكية ، ذلك لأن أبي لم يقدم لها طلب الجنسية حتى الآن ويقول إنه لا ينوي أن يقوم بهذا , وإذا أصرَّ أبي على هذا الفعل فسوف يعرض نفسه ، وزوجته ، وأطفالهما للخطر ؛ لأن الحكومة سوف تسأل كلاًّ منهما : " لماذا زوجتك هنا في هذه الدولة ما دامت تقيم إقامة غير قانونية وذلك لمدة أربع سنوات ؟ " فهل يجوز لي أن أتكلم مع أبي ، وأن أعارضة فيما يفعل ، لأن لي تجربة سابقة معه ، لكنه لم يستمع لي ؟ . سؤال آخر : من أحق بالصحبة ، أو الطاعة : أمي الكافرة ، أم أبي المسلم ؟ لأنهما مطلَّقان ، وهناك الكثير من الخلافات ، والنزاعات فيما بينهما ، فهل أبقى مع أمي الكافرة التي تعيش وحدها , أم أعيش مع والدي المسلم الذي هو الآن يعيش مع أسرته الجديدة ؟ وهل علي أن أطيع أمي في الأمور الدنيوية ، فقط لأنها أمي أو عليَّ أن أطيع أبي ؟!
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ما يفعله والدك مع زوجته لا شك أنه منكر في الأفعال ، وقبح في الأقوال ، وإنكارك عليه واجب شرعي ، ليس لك أن ترى الظلم فلا تنكره ، ولا الخطأ فلا تصوبه ، وكل ذلك – كما يظهر لنا – في استطاعتك فعله ، فلا تتردد في الإنكار على والدك ظلمه لزوجته ، وإهانته لها حتى ولو لم تكن هي أمك ، فالواجب عليه أن يتقي الله تعالى فيما جعله الله تحت يده من زوجة ، وأولاد .
وانظر جواب السؤال رقم ( 41199 ) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة .
ثانياً:
نحن لا نرى للمسلم أن يقيم في ديار الكفر ، فضلاً أن يتجنس بجنسيتها ، والذي يفتي به علماؤنا الثقات هو عدم جواز التجنس لتحقيق مصالح دنيوية من هذه الجنسية ؛ لما في استخراجها من تولِّي الكفار ظاهراً ، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه ، كالرضا بالكفر أو بالقانون ؛ ولأن استخراجها ذريعة إلى الإقامة الدائمة في بلاد الكفار ، وهو أمر غير جائز .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 14235 ) و ( 6247 ) و ( 67782 ) و ( 72955 ) .
ثالثاً:
أوجب الله تعالى على الأولاد برَّ والديهم ، والإحسان إليهم ، بالقول ، والعمل ، ولم يجعل الله تعالى للمسلم منهما الحق في ذلك دون الكافر ، بل لكليهما ذلك الحق حتى لو كانا يدعوان ولدهما للكفر ، وليس فقط يعتقدانه ، قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) العنكبوت / 8 ، وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان/ 14 ، 15 .
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ ) .
رواه البخاري ( 2620 ) ومسلم ( 1003 ) .
ومعنى راغبة : أي : تطلب بر ابنتها لها .
قال الخطابي رحمه الله : " فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه ، كما توصل المسلمة .
ويستنبط منه : وجوب نفقة الأب الكافر ، والأم الكافرة ، وإن كان الولد مسلماً " انتهى .
فالأم تقدم على الأب ، ولو كانت كافرة ، وهو مسلم ، لا من حيث تقديم الكفر على الإسلام ، بل من حيث تقديم الأم على الأب ، في البر والطاعة ، وقد جعل الله تعالى للأم ثلاثة حقوق مقابل الأب ، وهذا كله إذا كانت الطاعة في غير معصية .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ) .
رواه مسلم ( 2548 ) .
وهذا الأمر الذي ذكرناه لك من تقديم الأم في البر والطاعة على الأب : لا يعني أنك تختار العيش معها ضرورة ، بل الواجب عليك أن تختار المكان الذي تستطيع إظهار شعائر دينك ، وما تأمن فيه على دينك ، ودين زوجتك وأولادك ، مع ضرورة عدم اختيار بلاد الكفر ؛ لما فيها من تضييع للأمانة التي استرعاك الله عليها .
فإن استوى المكانان في ذلك ، فاختر العيش مع أحوجهما إلى قربك .