حتى يكون المسلم صادقا في إسلامه عليه أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. والحمد لله ، فإنه من السهل أن أحب لأخي من الدم (شقيقي) ما أحبه لنفسي ، لكن ذلك يصعب علي جدا تجاه إخواني من المسلمين إلا القليلين منهم . والسبب هو أني عندما أرى إخواني من المسلمين وهم أفضل مني في أي شيء، فإني أشعر بالغيرة، وأظنه من الكبرياء ( أخي ، أنا أدعو الله أن يغفر لي لأني وجدت هذا الشعور، لكني عندما أراهم مرة أخرى، فإني أجد الشعور ذاته مرة أخرى).
أريد أن أشعر بالفرح إذا رأيت إخواني ينجحون ، وأريد أن أحزن لحزنهم . لكني كلما رأيت الناس وهم يثنون عليهم فإني أشعر بالغيرة .
وأيضا، فإني أشعر وكأني أريد لإخوتي المسلمين دخول جنة الفردوس لكن كلما أخبرني أخ مسلم بشيء يفيدني في ديني ، فأنا أريد تطبيقه ، لكن الشيطان يحضر ويخبرني بأني أن أنا طبقت ما أخبرني به ذلك الأخ ، فإنه سيحصل على نفس الأجر مثلي، ولذلك ، فإن درجته ستكون أعلى مني في الجنة، ونفسي أحيانا تسقط في هذه المصيدة . وأريد أن أعرف كيف لي أن أشفى من هذه المشكلة تماما؟.
الحمد لله
الواجب على المسلم كما ذكرت أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر ، وهذا لا يتنافى مع أن يحب لنفسه ما يحب للآخرين ، أما كونه حين يرى عند إخوانه من الخير ما ليس عنده يتمنى ذلك فهذا من الغبطة ، إلا إذا تمنى أن تزول عنهم النعمة فيسمى حسدا .
والمسلم يحتاج إلى أن يجاهد نفسه حتى يصفو قلبه لإخوانه المسلمين ، وإذا صدقت محبته لإخوانه ، زالت كثير من هذه المشكلات التي يعاني منها ، وحين يعلم المسلم ما له من الفضل والمنزلة حين يحب إخوانه ويحب لهم الخير ، وحين يعلم ما له من الأجر إذا أحسن إليهم فإن ذلك سوف يدفعه إلى الإحسان إليهم بكل سبيل ، وأن يجتهد في نفع إخوانه بدلا من أن ينشغل بحسدهم وبالتفكير فيما سينالون دونه .
الشيخ محمد الدويش .
وعليك أن تتأمل طويلاً قول الله تعالى : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
وقول الله تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) .
والحسد ضرره عظيم في الدنيا والآخرة فقد أخرج الترمذي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلكم بينكم أفشوا السلام بينكم ) حديث حسن ( جامع الترمذي / 2434 ) .
" ومعنى تحلق الدين قال الطيبي : أي البغضاء تذهب بالدين كالموسى تذهب بالشعر " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي .
والذي يظهر يا أخي أنك عالم بالحكم عارفٌ بما يترتب عليه وتريد الحلول لهذه الخصلة الذميمة وإليك بعض الحلول :
1- دعاء الله والتضرع إليه أن يزيل عنك هذا الداء وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ( واهدِ قلبي واسلل سخيمة صدري ) ومعناه "اهدِ قلبي" إلى الصراط المستقيم ، و "اسلل سخيمة صدري" ، أي أخرج غشَّه وغلَّه وحقده .
2- التأمل في القرآن وإكثار قراءته لا سيما الآيات التي تكلمت عن الحسد - لأن قراءة القرآن يحصِّل به الإنسان الحسنات وقد قال الله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .
3- قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده عن الحسد وحبه الخير للغير حتى لأعدائه ومن الكتب النافعة ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين ) .
4- قراءة قصص الصحابة وأخبارهم ومن الكتب الميسرة في هذا الباب كتاب ( صور من حياة الصحابة لعبد الرحمن رأفت الباشا ) .
5- إذا حدثتك نفسك بمثل هذه الأمور فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واشتغل بعمل ما ينسيك هذه الوساوس والخطرات .
6- إذا غلبك الشيطان بإلقاء الحسد في قلبك فإياك أن يظهر على لسانك أو في فعلك ما يدل على الحسد . فإن لكل إنسان نصيب من الحسد ، قال شيخ الإسلام : " يقال ما خلا جسد من حسد ، فالكريم يخفيه واللئيم يبديه " . أمراض القلوب ، والإنسان لا يحاسب على ما تحدثه به نفسه ولكنه يحاسب على أقواله وأفعاله قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه البخاري / 2033 .
7- إذا أحسست بأنك تحسد شخصاً معيناً فقم بشراء هدية له ومصافحته فقد قال عليه الصلاة والسلام ( تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) رواه مالك في الموطأ / 1413 ، لأن الحسد ناتج عن البغضاء وضدها المحبة وطريقها الهدية وإفشاء السلام لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم / 81 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه أمراض القلوب :
" فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك من نفسه .. وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب ومن اتقى وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه . " ا.هـ.
والله أعلم .