الأخطاء الطبية في القضاءالإسلامي
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيبعده. أمّا بعد:
فإن الناظر في تعاليم الإسلام والمتأمل فيها يوقن حقاً بأنهمنهاج حياة متكاملة. فهو لم يدع جانباً من جوانب الحياة، ولا طوراً من أطوارالإنسان إلا ورسم فيه المنهج الأمثل، ومن جملة ما رسم منهاجه وحدد قيوده الإجراءاتالعلاجية والعمليات الطبية. وبحمد الله تعالى أن كانت هذه البلاد محكمة للإسلاممقيمة لشرعه في قضائها باحثة عن المصلحة فيما تسنه من أنظمة وتعليمات. من خلالهذين الأمرين تعاليم الإسلام، والسياسة الشرعية التي لا تخالفه تخرج تطبيقات القضاءوأحكامه. ومن المؤسسات القضائية في هذه البلاد (اللجنة الطبية الشرعية). والتيتتولى التحقيق والمحاكمة في الشكاوى الناتجة عن الممارسات الطبية وتحقيق مدىالمسؤولية فيها.
وفيما يلي نظرات أو وقفات في هذا الموضوع حسبما يسمح به الوقتمن خلال الفقرات الآتية:
اللجنة الطبيةالشرعية:
صدر نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان بالمرسومالملكي رقم م/3 في 21/2/1409هـ وقد تناول في الفصل الرابع منه تشكيل هذه اللجنةوالتي يكون مقرها الرياض وتنشأ لجان أخرى في المناطق .
وهي مكونة من قاضٍ شرعيلا تقل درجته عن قاضي أ يعينه وزير العدل رئيساً ومستشاراً نظاميا وطبيبان من ذويالكفاءة يعينهم وزير الصحة، وعضو هيئة تدريس من إحدى كليات الطب يعينه وزير التعليمالعالي.
وتصدر قراراتها بالأغلبية بشرط أن يكون القاضي منها.
ويحضر فيهاالمدعي على حسابه الخاص، أما الطبيب المدعى عليه فإنه ينقل إليها على حساب مرجعهوهذا إذا لم يكن لديهم فرع للّجنة الطبية الشرعية .
وإذا تقدم شخص للجنة الطبيةالشرعية فإن اللجنة تنظر في دعواه وبعدها تسمع جواب الطبيب على دعوى المدعي وقدتطلب ملف المريض للتحقق من الإجراءات وتناقش الطبيب في موضوع الدعوى ثم تصدرقرارها. وتفهم الطبيب أن من حقه أن يعترض على قرارها ويتظلم منه أمام ديوان المظالمليتولى تدقيق الحكم والبت فيه بإقراره ليكون قطعياً واجب التنفيذ أو نقضه كله أوبعضه. وفي بعض الأحوال يدعي المدعي العام فيما ليس فيه حق خاص.
والأصل أن يحضرالطبيب بنفسه إذ اللجنة تتولى التحقيق والمحاكمة وليس في النظام ما يمنع توكيلمحامٍ في المرافعة ما لم يستدع الحال حضور الطبيب بنفسه.
أنواع المخالفات الطبية: -
يمكن حصر المخالفات الطبيةالجنائية في قسمين: الأول: المخالفات العادية. والثاني: الأخطاء الفنية.
أولاً :المخالفات العادية:
وهيالمخالفات النظامية والشرعية التي لا صلة لها بالأصول الفنية لمهنة الطب ومنأبرزها:
1) ممارسة العمل الطبي دون ترخيص من الجهة الحكومية المختصة، ومثلها مناستحصل ترخيصاً بطرق غير مشروعة أو بيانات غير مطابقة للحقيقة أو استعمل وسيلةدعائية تجعل الجمهور يعتقد أنه أهل لمزاولة عمل طبي خلافاً للحقيقة، أو انتحل لقباًمن الألقاب التي تطلق على مزاولي مهنة الطب.
وهذه المبادئ المقررة نظاماً متفقةمع ما ذهب إليه فقهاء المالكية من أن أصل مشروعية العمل الطبي هو إذن الحاكم (مواهبالجليل 321). والذي يظهر لي أن الطبيب غير النظامي والذي لم يحصل على شهادة منجهة أكاديميّة يسوغ لولي الأمر منعه من عمله وعقابه على افتياته عليه. لكن مجرد عدمحمله للترخيص لا يوجب الضمان بل هو كالطبيب المرخص له متى كان صاحب خبرة تامة وقدمارس العلاج فعلاً فانتفع به المرضى. وهذا ما اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهالله(وذلك كما في فتاوى ورسائل سماحته (8/103) وفيه مصادقته على حكمٍ صادر منالمحكمة المستعجلة بجدة بإخلاء سبيل أحد الذين يمتهنون الطب العربي القديم عالجشخصاً بالكي فمات وكان من حيثيات حكمه أن الطبيب يمارس الطب العربي القديم عن خبرةٍتامّة, ولأنه كثيراً ما يعالج المرضى ويشفون بإذن الله. وقد أذن له المريضبالعلاج).
2- امتناع الطبيب عن علاج المريض: فإنه يجب على الطبيب الذي يعلم أنمريضاً في حالة خطرة أن يقدم له المساعدة الممكنة أو أن يتأكد من أنه يتلقى العنايةالضرورية. ومن أمثلة ذلك: امتناع الطبيب عن استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي لمريضمعرض لخطر الموت إذا طلب المحتضر استخدامها. أو امتناع الطبيب عن التدخل العلاجي فيحال انفجار الزائدة الدودية أو الخوف منه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من قدر على إنجاء شخصٍ بإطعامٍ أو سقي فلم يفعل, فمات, ضمنه) (الاختيارات الفقهيّةص301)
3- تخلف رضا المريض بالعلاج: فإنه لا يجوز للطبيب أن يتدخل تدخلاًعلاجياً إلا بعد موافقة المريض إذا كان أهلاً بأن يكون بالغاً عاقلاً مدركاً لمايأذن به (أو وليه إذا كان ناقص الأهلية) بعد أن يبين له الطبيب تشخيص مرضه ومدىخطورته وأثر الإجراء الطبي. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لدونا(6)رسول الله صلىالله عليه وسلم فأشار أن لا تلدّوني فقلنا: كراهية المريض للدواء, فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني, لا يبقى أحد منكم إلا لُدَّ) (واللَّدود: دواء يُصَبُّ فيأحد جانبي فم المريض كما في لسان العرب (3/390) وكذلك في فتح الباري (10/176)) والحديث في (صحيح البخاري 5712, صحيح مسلم 2213)
لكن يستثنى من ضرورة الحصول علىإذن المريض في الحالات العاجلة (أو الخطرة) لأن الضرورات تبيح المحظورات(الأشباهوالنظائر لابن نجيم 85, و السيوطي 173).
والخوف على النفس ضرورة تبيح للطبيب تركالاستئذان. أما لو امتنع المريض عن العلاج ولم يأذن به فإنه ليس على الطبيب مسئوليةإذا ترك علاجه متى كان امتناع المريض عن أهلية وإدراك تام لأثره. قالالبهوتي: (لايجب التداوي في مرض ولو ظن نفعه) (شرح منهى الإرادات (1/320)).
وقال ابن عابدين : (فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى؛ بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات) (حاشية ابن عابدين (5/296)).
ويدل لذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنامرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف, فادعُ اللهلي. قال: إن شئتِ صبرتِ ولك الجنّةُ وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيكِ فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادعُ الله لي أن لا أتكشف. فدعا لها(صحيح البخاري 5652, صحيحمسلم 2576).
4- إفشاء السر المرضي: الأصل أنه لا يجوز للطبيب إفشاء سر مريضهسواء أفضى به المريض إليه، أو عرفه نتيجة لممارسة عمله فهذا من خصوصيات المريض, وحفظها من حفظ الأمانة قال تعالى: "الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" (سورةالمؤمنون:
. قال ابن الحاج: (و ينبغي أن يكون –الطبيب- أميناً على أسرار المريضفلا يطلع أحداً على ما ذكره المريض؛ إذ أنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك)
إلا لحاجة مشروعية كالإبلاغ عن وفاة ناجمة عن حادث جنائي، أو الإبلاغ عن مرضٍمعدٍ وإذا صدر له بذلك أمر من جهة قضائية (انظر المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسينالنيات (4/143) ونص على تحريمه ابن مفلح في الفروع (2/217)).
5- إجراء العلاجلغير الشفاء أو تحقيق مصلحة مشروعة: - مثل أن يجرب دواء على المريض وهدفه البحثالعلمي البحت أو يطلب منه شخص أن يحدث في رجله آثار عملية ليعفى من الخدمةالعسكرية. قال ابن حزم: (واتفقوا أنّه لا يحل لأحدٍ أن يقتل نفسه, ولا يقطع عضواًمن أعضائه ولا أن يؤلم نفسه, في غير التداوي بقطع العضو الألم خاصة) (وذلك كما فيمراتب الإجماع ص 157 ونص ابن القيم على تحريم قطع أي عضو لغير مصلحة دينيّة ولادنيوية في تحفة المودود بأحكام المولود ص 169, 136.). وذلك أن جسد الإنسان إنما هوملك لله تعالى ؛ كما قال تعالى: "لله ملك السموات و الأرض وما فيهن وهو على كل شيءٍقدير" (سورة المائدة:120). ولا يحق لأحد أن يتصرّف في ملكٍ بما يحرّمهمالكه.
ولذا كان هذا العملُ موجباً للمسؤولية لأن الباعث عليه ليس شفاء المريضأو تحقيق مصلحة مشروعة, مع أن الطبيب لم يقصد ضرر المريض بلا شك.
وهنا لطيفة فيإجراء التجارب العلمية وفي هذا تفصيل نخرج به عن الموضوع قليلاً فمن حق الشخص أنيأذن بإجراء التجارب عليه متى عرف كافة الاحتمالات التي يمكن أن يتعرض لها أثناءالتجربة. ولم يكن في إجرائها خطر على حياته.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلاميرقم 69/5/7 في الدورة السابعة عام 1412هـ ما نصه: (لابد في إجراء الأبحاث الطبية منموافقة الشخص التام الأهلية, بصورة خالية من شائبة الإكراه كالمساجين, أو الإغراءالمادي كالمساكين, ويجب أن لا يترتب على إجراء تلك الأبحاث ضرر, ولا يجوز إجراءالأبحاث الطبيَّة على عديمي الأهلية, أو ناقصيها, ولو بموافقة الأولياء).
الأخطاءُ الفنية:
وهي الأخطاءُ التي يخرجفيها الطبيب على الأصول والقواعد الفنية، والمقصود بالأصول والقواعد: - الأصولالثابتة والقواعد المتعارف عليها نظرياً وعملياً بين الأطباء والتي يجب أن يلم بهاكل طبيب وقت العمل الطبي(انظر في كتاب المسئولية الجنائية للأطباء. أسامة عبد اللهقايد ص 160. أحكام الجراحة الطبيّة محمد الشنقيطي ص 473.) سواء كانت علوماً مقررةقديمةً أو كانت علوماً مستحدثة طرأ اكتشافها فهذه تعتبر أصولاً علمية بشرطين:
1) أن تكون صادرة من جهة معتبرة مثل الجهات المختصة بالأبحاث الطبية .
2) أن يشهدأهل الخبرة بكفاءتها.
و بإيجاز: فإن الخطأ الفني هو: الانحراف عن الأصول والقواعد التي تحكم مهنة الطب وتقيّد أهلها عند ممارستهم له.
و هذه الأخطاء علىقسمين خطأ في التشخيص و خطأ في الفعل.
والخطأ الموجب للضمان لا بد أن يكون خطأًفاحشاً ، لا يحتمل النقاش الفني ولا تختلف فيه الآراء، وهذا بطبيعة الحال لا يحصلإلا نتيجة الجهل أو الإهمال أو الرعونة.
صدر قرار اللجنة الطبية الشرعية بمكةالمكرمة رقم 285 في 28/2/1401هـ بإخلاء سبيل الأطباء العاملين في مستشفى بمكة وقررتأن التشخيص الذي تم التوصل إليه من قبل الأطباء قبل العملية وهو اشتباه التهابالزائدة أو التهاب المرارة مع التهاب بريتوني هو تشخيص يتمشى مع ما وجد في أثناءالعملية من التهاب بريتوني ناتج عن التهاب حاد في البنكرياس ومن ثم لا يعد التشخيصخطأ من الناحية الفنية.
والخطأ الجسيم أو الفاحش هو الذي لا يمكن أن يقع فيهطبيب أو جراح مماثل. فإذا فعل الطبيب المعالج ما يفعله طبيب متوسط في نفس المهنةوالمستوى في نفس الظروف فإنه سلوكه لا يوصف بالخطأ (انظر: تبين الحقائق (5/127)؛حاشية الدسوقي (4/28)؛ المغني (8/117)؛ زاد المعاد (4/139)).
قال الشافعي رحمهالله: (و إذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه, أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله, فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بالصناعة فلاضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالماً به فهو ضامن) (الأم كيفية الإثبات
يعتمد القاضي في إثبات موجب المسؤوليةعلى أدلة الإثبات الشرعية التي منها:
1) الإقرار وهو أقوى الأدلة، والإقرار حجةكاملة يثبت القاضي الحكم استناداً إليها ولو رجع عن إقراره أو أنكره ما دام مرتبطاًبحق آدمي.
2) والشهادة مثل شهادة طبيب آخر أو ممرض أو مساعد على فعلٍ معين،فإذا كانت الشهادة على حصول واقعة معينة فإنه يشترط فيها ما يشترط في الإثباتبعامّةٍ. وأما الشهادة على التقصير في الإجراء أو مخالفة الأصول العلميّة فهذا لايقبل إلا من أهل خبرة و اختصاص، وكثير من مزاولي المهن الطبية في عصرنا هذا من غيرالمسلمين وقد يحتاج القاضي لسماع ما لديهم وقد تناول هذه المسألة بالتفصيل ابنالقيم في كتابه الطرق الحكيمة ص 257 وقرر قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض وعدمجواز شهادتهم على المسلمين إلا في حال الوصية في السفر لقوله تعالى: "أو آخران منغيركم" (سورة المائدة: 106) واختار شيخ الإسلام قبولها في كل ضرورة وذلك أن قبولشهادتهم في هذا الموضع –أي ضرورة السفر- يقتضي صحة التعليل به فتقبل للضرورة حضراًو سفراً. وهذا في الشهادة والخبرة سواء , انظر المعيار المعرب (10/17).
3) المستندات الخطية والتقارير الموجودة في سجلات المستشفيات. بشرط أن يكون لها حمايةخاصة وأن يحافظ عليها من العبث.
أثر الإثبات:
لا يخلو الخلل أو الخطأ الحاصل من الطبيب إما أن يكون خطأنظامياً محضاً لا علاقة للمريض به مثل ممارسة العمل دون ترخيص فهذا راجع للحق العاموعقوبته محددة في نظام مزاولة مهنة الطب ويمكن الإطلاع عليه(فمثلاً من زوال المهنةدون ترخيص يعاقب بالسجن مدةً لا تتجاوز ستة أشهر و غرامة لا تزيد على خمسين ألفاً (م29). إجراء الفحص في غير المكان المحدد لذلك يعاقب عليه بغرامة على عشرين ألفاًوقررت المادة 33 أن العقوبات هي: الإنذار والغرامة و إلغاء الترخيص بمزاولة المهنة) لا حظوا إخواني أن هذه القوانين في المملكة العربية السعوديةوليست عندنا هنا ولا أدري إن كان يوجد هنا ما يماثلها أم لا ويرجع في ذلك إلى أهلالاختصاص في هذا الفن من الإخوة المحامين أو طلبة كلية الحقوق .
ومنأمثلته قرار اللجنة الطبية الشرعية بالرياض رقم 924 في 14/5/1418هـ فقد ادعى المريضأنه كان يعاني من بواسير بسيطة وأنه راجع الطبيب فأجرى له عملية بواسير وحصلت لهأوجاع فشخص بأنها ناسور وبقايا وبواسير.
وقد حكمت اللجنة في الحق الخاص ثم قررتبالنسبة للحق العام أن المدعى عليه (الطبيب) قد تجاوز اختصاصه حيث أنه طبيب مقيممسالك بولية وقام بعمل الجراحة لذا فقد اتخذت نحوه عقوبة للحق العام.
النوعالثاني الحق الخاص وموجبات المسؤولية فيه أربعة:
1) كون الطبيب غير مؤهل(انظرزاد المعاد (4/140)).
2) مخالفة الطبيب للأصول العلمية.
3) كونه غير مأذونله(انظر الفروع (4/452)).
4) ألا يهدف من عمله إلى الشفاء أو تحقيق مصلحة مشروعةكعمليات التجميل التحسينية وتغيير ***** والإجهاض المحرم وموت الرحمةوغيرها.
أما إن أذن المريض للطبيب بإجراء معين يقصد منه الشفاء أو تخفيف المرضفأجراه على وفق الأصول العلمية فترتب عليه تلف عضو أو نفس فلا ضمان على الطبيبباتفاق أهل العلم(انظر المغني (8/117)؛ زاد المعاد [4/139]. وانظر تفصيل تضمينالطبيب في بحثي الإذن في إجراء العمليات الطبيّة أحكامه وأثره ص102-124).
ومنالأسباب الموجبة للمسئولية: تعمّد الجناية وهو مما لا يحصل من الأطباء بحمد اللهغالباً والعمد موجبٌ للقَوَد من الطبيب وغيره سواء، (قال الدسوقي: (وإنما لم يقتصمن الجاهل –يعني بالطب- لأنَّ الغرض أنَّه لم يقصد ضرراً, وإنما قصد نفع العليل أورجا ذلك. وأمّا لو قصد ضرره فإنه يقتص منه). حاشية الدسوقي (3/295)).
أمثلة لبعض قرارات اللجنة الطبية الشرعية:
المثال الأول
قال المدعي: إن زوجتيكانت تعاني من آلام في المرارة مع وجود حصوة فيها وقد راجعت المستشفى وبعد إجراءالفحوصات تقرر إجراء عملية في اليوم التالي وقد تم اجراء العملية بواسطة المنظاروقد أخطأ الأطباء في تفتيت الحصوة بالجهاز وتسببوا في قطع شرايين في البطن وتمإجراء عملية فتح بطن مما أدى إلى فقدان 80% من دمها وبسبب ذلك أدخلت العنايةالمركزة ثم انتقلت إلى رحمة الله وحيث إن الذي حصل لزوجتي كان نتيجة إهمال أو جهلفي العمل لذا أطلب الحكم على المتسبب في وفاة زوجتي بدفع ديتها والعقوبةالإدارية.
الدراسة والقرار:
(وبدراسة أقوال المدعي والمدعى عليهم ونظراً إلىما يشتمل عليه ملف الدعوى من تقارير وتحقيقات وحيث قرر المدعي مطالبته بدية مورثةموكليه وحيث أن وفاة المريضة ناتج عن النزيف ومضاعفاته والذي حدث أثناء إجراء عمليةالمرارة بالمنظار حيث حدث هبوط مفاجئ في ضغط الدم أثناء إدخال إبرة فرس بواسطةالدكتور(س) كما حدث هبوط مفاجئ آخر بعد تحسن الضغط عندما ادخل الدكتور(ص) المثقابكما اتضح وجود ثقب في الشريان والوريد الحرقفي العام وثقب في الوريد الأجوف السفليوحيث إن الطبيبين عندما حصل هبوط الضغط وفتحا بطن المريضة لم يقوما بالفتح المناسبلاستكشاف البطن مما نتج عنه عدم قدرتهما على اكتشاف مدى شدة النزيف مما أدى إلىدخول المريضة في صدمة شديدة أدت مضاعفاتها إلى الوفاة كما اتضح عدم وجود الخبرةالكافية لدى الطبيبين في جراحة المناظير.. أما طبيب التخدير الدكتور(جـ) فحيث إنهترك الحالة للطبيب الأخصائي رغم علمه بالمضاعفات التي حصلت للحالة.. لذا فقد قررتاللجنة إلزام المدعى عليهم بدفع دية مورثة المدعين وقدرها خمسون ألف ريال.
المثالالثاني
ملخص القضية:
1) راجع بزوجته بتاريخ 16/10/1417هـ وكانت تعاني من انتفاخ شديد في البطن مع وجود ورم كبير فيالشرج.
2) شخص الطبيب حالتها بواسطة المنظار على أنها تعاني من بواسيرملتهبة.
3) أجرى لها عملية جراحية للبواسير ثم خرجت إلى المنزل في نفس يومالدخول.
4) راجع الزوج بزوجته مستشفى آخر و اتضح أنها مصابة بسرطان متقدم فيالمبيض.
5) توفيت فيما بعد .
6) يطالب الزوج بدفع دية زوجته كاملة والأضراروالخسائر التي صرفها وقدرها ثمانون ألف ريال بسبب معالجتها من جراء ما حصل لها منتهييج المرض وانتشاره والذي صعب معه علاجها.
الدراسة والقرار:
بعد دراسةأقوال المدعي والمدعى عليه ونظراً إلى ما يشتمل عليه ملف الدعوى من تقارير وتحقيقاتوحيث أن المدعى عليه لم يأخذ التاريخ المرضي لزوجة المدعي كاملاً ولم يقم بفحصهافحصاً كاملاً كما أنه قام بإجراء العملية بسرعة وليس هناك ما يوجب العجلة في إجراءالعملية وحيث إن ما حصل للمريضة وأدى إلى وفاتها لم يكن سبباً مباشراً من المدعىعليه أو من العملية التي تم إجراؤها وإنما هو من طبيعة مرضها الموجود قبل إجراءالعملية فقد قررت اللجنة بالإجماع إلغاء الترخيص المعطى للمدعى عليه وشطب اسمه منسجل المرخص لهم وعدم استحقاق المدعي لما يدعيه من تعويض.
المثالالثالث
ملخص القضية:
راجعت المرأة مع زوجها المستوصف وكشف الطبيبالمدعى عليه على المرأة التي كانت تشكو من عدم الإنجاب وكان انطباع الطبيب عنالتشخيص أحد الاحتمالات الآتية (زوائد لحمية نازلة بالرحم، نزيف رحمي وظيفي، إجهاضتام، إجهاض غير كامل) فقام بأخذ مسحة من جدار الرحم بملعقة شرمان ثم حصل للمريضةتشنج فقام بإعطائها إبراً لمحاولة إسعافها ولما رأى حالتها تزداد سوءاً اتصلبالهلال الأحمر لنقلها ثم توفيت وقد طلب المدعي بالوكالة الدية الشرعية لورثةالمتوفاة.
درست اللجنة ما ورد في الملف من معلومات وما ورد من أقوال وانتهت إلىمايأتي:
أ- الحالة عقم ثانوي وهناك اشتباه دورة شهرية متأخرة أو حمل أو بواقيحمل أو اشتباه حمل أو كما ذكر الطبيب المدعى عليه زوائد لحمية بالرحم أو بعنق الرحموكل هذه الاحتمالات لا تستوجب التدخل إطلاقاً إلا في مستشفى حيث تجرى أشعة صوتيةوتحليل بول للحمل مع توافر الإسعافات الأولية.
ب- استخدم الطبيب (آلة شرمان) لأخذ العينة وأغلب الظن أن عنق الرحم كان ضيقاً مما أدى إلى استعمال نوع من العنفلأخذ العينة تسبب في ألم شديد مما نتج عنه صدمة عصبية وهبوط بالجهاز الدوري.
ت- أدت هذه الصدمة وتأخر الإجراءات الإسعافية اللازمة إلى وفاة المريضة بالطريق أثناءنقلها للمستشفى.
ث- ما ذكره الطبيب الشرعي في تقريره المرفق بالأوراق من أن ماقام به الطبيب من إجراءات تتمشى مع الأصول الطبية المتعارف عليها فغير صحيح وليس مناختصاصه ولم يسأل عنه.
ج- قرار اللجنة:
بالنسبة للحق الخاص قررت اللجنةالشرعية إلزام الطبيب المدعى عليه تسليم المدعي وكالة دية مورثة موكليه وقدرهاخمسون ألف ريال.
وبالنسبة للحق العام تقرر سحب الترخيص الممنوح له وعدم السماحله بالعمل في المملكة في هذا التخصص مرة أخرى.
وبعد فهذا ختام ما أردت الحديثعنه موجزاً. وفق الله الجميع لهداه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآلهوصحبه...
(6/166)).