ما هي حالات إخلاف الوعد ؟
نعلم أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين ، لكن إذا لم يتمكن المسلم من الوفاء بوعده لسبب خارج عن إرادته ، فهل يعتبر فعل أمراً محرماً واتصف من صفات المنافقين ، أو يكون معذوراً ..
الحمد لله
لا شك أن الوفاء بالوعد والعهد من صفات المؤمنين ، وأن إخلافهما من صفات المنافقين ، كما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع مَن كنَّ فيه كان منافقاً ، ومن كانت فيه خصلة من أربعة : كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلفَ ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر – رواه البخاري ( 2327 ) ومسلم ( 58 ) - .
والمؤمن الذي يواعد الناس ويخلف وعده إما أن يكون معذوراً أو لا يكون كذلك ، فإن كان معذوراً فلا إثم عليه ، وإن لم يكن معذوراً : كان آثماً .
ولم يأتِ نصٌّ – فيما نعلم – يجمع ما استثني من تحريم إخلاف الوفاء بالوعد والعهد ، لكن يمكن أن يكون إخلاف الوعد أو العهد في حالات يُعذر فيها المؤمن ، منها :
أ. النسيان .
وقد عفا الله تعالى عن النسيان في ترك واجب أو فعل محرَّم ، كما قال الله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله تعالى : " نعم " – رواه مسلم ( 125 ) من حديث أبي هريرة - ، وفي رواية : " قد فعلت " – رواه مسلم ( 126 ) من حديث ابن عباس - .
فمن واعد شخصاً ثم نسي الوعد أو نسي وقته : فلا حرج عليه .
ب. الإكراه على إخلاف الوعد .
والإكراه : أحد الموانع التي تجيز للمسلم التخلف عن الموعد ، كمن حُبس أو مُنع من الوفاء بالوعد أو هُدّد بعقوبة تؤلمه .
فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
رواه ابن ماجه ( 2045 ) ، وللحديث شواهد كثيرة ، وقد صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1836 ) .
ج. الوعد على فعل محرَّم أو ترك واجب .
فمن وعد شخصاً على أن يفعل له محرماً ، أو يترك واجباً فإنه لا يجوز الوفاء به .
ويمكن الاستدلال بحديث عائشة – ويُسمَّى حديث بريرة – وهو في الصحيحين - وقد وعدت عائشة – رضي الله عنها – أهل بريرة على أن يكون ولاء بريرة لهم على حسب طلبهم مع أن عائشة – رضي الله عنها – هي التي ستعتقها ، ولم تفِ بهذا الوعد ؛ لأنهم خالفوا الشرع وهم يعلمون أن " الولاء لمن أعتق " ، فكيف تعتقها عائشة ويكون ولاء بريرة لهم ؟ .
قال الشافعي :
... فلما بلغهم هذا : كان مَن اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصياً ، وكانت في المعاصي حدود وآداب ، وكان من آداب العاصين : أن تعطل عليهم شروطهم لينكلوا عن مثلها ، وينكل بها غيرهم ، وكان هذا من أحسن الأدب .
" اختلاف الحديث " ( ص 165 ) .
د. حصول طارئ مع صاحب الموعد من مرض أو وفاة قريب أو تعطل وسيلة النقل ... الخ .
وهي أعذار كثيرة ، تدخل في قوله تعالى { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } .
والله أعلم .