نور الاسلام الافضل
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة نور الاسلام
سنتشرف بتسجيلك
شكرا  الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. 829894
ادارة المنتدي  الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. 103798
نور الاسلام الافضل
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة نور الاسلام
سنتشرف بتسجيلك
شكرا  الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. 829894
ادارة المنتدي  الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. 103798
نور الاسلام الافضل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قد يقول الانسان كلمة يسعد بها عمره كله وقد يقول كلمة يشقى بها عمره كله فاتق الله فى كلماتك وجوارحك واجعل انفاسك كلها تخرج فى طاعة الله . فان خرجت بعضها فى معصيته ..فاجتهد على تزكية الباقى منها واجعلها فى طاعتة واجتهد فى الطاعة كما اجتهدت فى المعصية<
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» الفيلم العربى الجوهرة
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالإثنين أغسطس 25, 2014 10:10 pm من طرف أبو أحمد

» مراجعة دين ترم ثانى جامدة للصف الاول الاعدادى
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالأحد مايو 05, 2013 8:49 pm من طرف lara858

» فسر حلمك عندنا
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 12, 2012 12:35 am من طرف خلود جمال

» تحميل برنامج skype 4 مسنجر سكاى بى Skype 4.0.0.215 - Final 2009 - التحدى
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالأحد مايو 20, 2012 3:07 pm من طرف he_105

» قنبلة مراجعة لمادة الدراسات الصف الاول الاعدادى ترم ثانى
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالجمعة أبريل 27, 2012 12:24 am من طرف دينار سعيد

» الحلى النوبية الغد المشرق
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت يناير 28, 2012 11:29 pm من طرف مصطفى بقوري

» (طريقة البحث عن الفايروس وحذفـــه
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالجمعة يناير 27, 2012 6:38 am من طرف sherzad2008

» صور قمصان نوم مثيرة - صور قمصان نوم فاتن(فريق التحدى
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالخميس يناير 26, 2012 3:40 am من طرف totycat

» poem en Français كلمات حلوة "باللغة الفرنسية
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالخميس يناير 26, 2012 3:21 am من طرف totycat

» كلمات من القلب
 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالثلاثاء يناير 24, 2012 3:39 am من طرف نور الاسلام

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط نــــــــــور الاســــــــــلام على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط نور الاسلام الافضل على موقع حفض الصفحات
نوفمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 
اليوميةاليومية

 

  الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:39 am

الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي

د. بلحاج العربي بن أحمد

المصدر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 42، السنة 11، ص8-160


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، الذي قال له ربه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[1] وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين، وبعد:
1 – فإنه امتداداً لسلسلة مقالاتنا الاجتهادية المتعلقة بالفقه الطبي، والأسس التشريعية والأخلاقية لمهنة الطب، وكذا التصدي لبعض الأعمال المستجدة في علوم الطب والجراحة والبيولوجيا في ضوء النصوص الشرعية واجتهادات فقهاء الإسلام والنظم الطبية المعاصرة[2]، فإن مقالنا الحالي يندرج في نفس السياق؛ وهو البحث في الأحكام الشرعية والطبية للميت في الفقه الإسلامي، مع التركيز على المشاكل الشرعية التي تثيرها عمليات المساس بالجثة لضرورة علاجية أو للأغراض العلمية. ولاسيما بعد تطور التقنيات الطبية الحديثة، وتقدم البحوث والتجارب الطبية على الإنسان، والاكتشافات العلمية المعاصرة في وحدات العناية المركزة والإحياء الصناعي، التي ساعدت في نجاح عمليات نقل الأعضاء من جثث الموتى، ولكنها أظهرت مشاكل جديدة من الناحية الشرعية والإنسانية والأخلاقية والقضائية: كمشاكل تحديد لحظة الوفاة، ومشكلة الميت الحي (أو المتوفى دماغياً)، وحدود الإنعاش الصناعي، وموت الرحمة، وكيفية المساس بالجثة، ومدى حق الشخص على جثته بعد وفاته، واستنساخ الميت، وغيرها..، وكلها مسائل فقهية وليست طبية، فالرأي الأخير في هذه المسائل هو للفقهاء؛ لأن ذلك من اختصاصهم، وما رأي الأطباء فيها إلا للتوضيح والإستئناس فقط.
إن حماية حق الإنسان في تكامل جثته ومعصوميتها وحرمتها، وتشجيعاً للأطباء والعلماء على الابتكار والتقدم العلمي الذي يساعد على إنقاذ العديد من المرضى من الموت المحقق، هي دلالات تقتضي وضع هذه العمليات في إطارها الشرعي والنظامي.

2 – والجدير بالذكر هنا، أن الشريعة الإسلامية تعد أول تشريع في العالم ينظم أحكام الجثة والحقوق المتعلقة بها، وهذا منذ خمسة عشر قرناً وبدون منازع[3]. فأحاطتها بالحماية الشرعية، وبسياج من الضوابط يضمن لها البقاء والحفظ والحرمة والكرامة وعدم الاعتداء وتحريم إهانتها شرعاً. فقد روي عن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حياً))[4] فإنه لا فرق في الحرمة بين الجملة والأجزاء، بدليل أن الحديث النبوي الشريف جاء عاماً، وورد في رواية ابن ماجة من حديث أم سلمة زيادةً في الإثم[5].
3 – ونبحث موضوع قضايا الميت الفقهية والطبية في الفقه الإسلامي من خلال فصلين مهمين وهما:
الفصل الأول: المعيار الشرعي للموت في الفقه الإسلامي.
الفصل الثاني: الحماية الشرعية للجثة في الفقه الإسلامي.


الفصل الأول
المعيار الشرعي للموت في الفقه الإسلامي
4 – نتناول مسألة المعيار الشرعي للموت في الفقه الإسلامي من خلال المباحث الأساسية التالية: –
المبحث الأول: التعريف بالموت.
المبحث الثاني: حقيقة الموت عند فقهاء الإسلام.
المبحث الثالث: مقدمات الموت وشدته.
المبحث الرابع: علامات الموت عند الفقهاء.
المبحث الخامس: علامات الموت عند الأطباء.
المبحث السادس: مشكلة الميت الحي.
المبحث السابع: الحدود الشرعية والإنسانية والأخلاقية للإنعاش الصناعي.
المبحث الثامن: حكم من يتعدى على من كان في النزع.
المبحث التاسع: تحديد وقت الموت وأهميته الشرعية والنظامية.
المبحث العاشر: حكم موت الرحمة في الشريعة الإسلامية.


المبحث الأول
التعريف بالموت
5 – الموت هو اللحظة الحاسمة القاسية التي يغادر فيها الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[6] وتقديم لفظ الموت على الحياة في الآية الكريمة هو لأنه أهيب في النفوس وأفزع[7]، وكذا لذكره والاستعداد له وللإشعار بأن الموت هو بدء الحياة الحقة العليا لا الحياة الدنيا[8]. فالموت ليس نهاية المطاف، بل هو مقدمة إلى حياة أبقى وأفضل[9]، وهذا لقوله سبحانه: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[10]، وقوله عز وجل: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}[11]، أي قضينا وحكّمنا عليكم الموت وساوينا بينكم فيه، سواء فيه الشريف والوضيع والأمير والصعلوك وما نحن بعاجزين[12].

6 – والموت لغة هو السكون، وكل ما سكن فقد مات[13]، وهو أيضاً ما لا روح فيه[14]. والموت والحياة نقيضان، لا يجتمعان في آن واحد، لأن الموت صفة وجودية خلقت ضد الحياة[15]، يزول به قوة الإحساس والنماء والتعقل[16]، فهو مفارقة الروح البدن لعدم صلاحية البدن لاحتوائها[17]. فالموت شرعاً هو خروج الروح من الجسد، أو مفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة، بحيث تتوقف كل الأعضاء بعدها توقفاً تاماً عن أداء وظائفها، والذي يحدد ذلك هم الأطباء[18]. والكل يموت لا فرق بين نفس ونفس في تذوق جرعة مفارقة الحياة عن طريق مفارقة الروح للجسد[19]، لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[20]. إنما الفارق في شيء آخر وفي قيمة أخرى، في المصير المحتوم الذي يستحق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:40 am

يحسب له ألف حساب، لقوله عز وجل: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[21].

7 – والموت في القرآن الكريم له عدة معان: فمن الموت ما هو إزالة القوة النامية الحية الموجودة في الإنسان والحيوان والنبات، ومنه قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}[22]، وقوله سبحانه: {وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[23]. وموت هو زوال القوة الحسية، ومنه قوله سبحانه: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}[24]، وقوله عز وجل: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}[25]. والموت هو زوال القوة العاقلة، ومنه قوله جل وعلا: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى}[26]. والموت هو النوم نومة أبدية، وفي هذا المعنى قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[27]، وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[28]، ومنه جاء قوله عليه الصلاة والسلام: ((النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون))[29] وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند النوم: ((باسمك اللهم أموت))، فإذا استيقظ قال صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور))[30].
وجاء الموت في القرآن الكريم أيضاً بمعنى الكفر أو الموت الفكري، ومنه قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ}[31]، قال الحسن البصري رحمه الله: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، لقوله عز وجل {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[32]، فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن، فالموت والحياة مستعاران[33]. والموت هو اليقين الذي لا مفر منه ولا هروب، لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[34]، وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}[35]. وموت هو كل مصيبة كبرى، أو أمر جليل ينغص نعم الحياة الدنيا، لقوله جل وعلا: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[36]، وقوله سبحانه: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}[37]، وفي هذا المعنى جاء قوله عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالموت مفرقاً))[38].
8 – فالموت هو الأجل المحتوم والميقات المعلوم، في ساعة محددة ووقت محدد، لا تقديم فيه ولا تأخير عنه، لقوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[39]. وقوله عز وجل: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}[40]. وقوله سبحانه: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}[41]، وقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}[42]، وقوله أيضاً: { قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لاَ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ }[43]. والموت هو الحقيقة الحتمية الفجائية التي تواجه كل حي، فلا يملك لها رداً ولا دفعاً، لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}[44] وقوله سبحانه: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ}[45]، وقوله عز وجل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[46]. وقوله جل وعلا: {فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[47]. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[48].
فالله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم، لقوله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[49]. وقوله جل وعلا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[50]. وهو عالم الغيب والشهادة، وهو الذي اختص نفسه بمعرفة ساعة وفاة كل امرئ ومكانها، لقوله سبحانه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[51]. وقوله عز وجل: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}[52]. وقوله جل وعلا: {يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[53]. قال سيد قطب رحمه الله في تفسيره: الله يستوفي الآجال للأنفس التي تموت، وهو يتوفاها كذلك في منامها، وإن لم تمت بعد، ولكنها في النوم متوفاة إلى حين، فالتي حان أجلها يمسكها فلا تستيقظ، والتي لم يحن أجلها بعد يرسلها فتصحو إلى أن يحل أجلها المسمى[54].

9 – والموت هو الرزية العظمى، مفرق الجماعات، ومنغص النعم، وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات))[55]. أي نغصوا بذكره والتفكير فيه اللذات الفانية حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله عز وجل[56] وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس ؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك هم الأكياس))[57]. وصدق عليه الصلاة والسلام إذ يقول: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت))[58]. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت))[59]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((تحفة المؤمن الموت))[60]. وقوله أيضاً: ((الموت كفارة لكل مسلم))[61].
وخرج عليه الصلاة والسلام إلى المسجد، فإذا قوم يتحدثون ويضحكون، فقال: ((اذكروا الموت أما والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))[62]. وفي هذا، جاء قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سميناً))[63]. ومن ثم، وجب على الإنسان ذكر الموت، وحسن الاستعداد له، وذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل، لقوله سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ}[64]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الكرام فقه الحياة، وصرف الهمة لما بعد الموت، لأنها الحياة الحقيقية التي من أجلها خلق الإنسان. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))[65]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً (أي فراشاً ليناً ناعماً)؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها))[66]. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: ((يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))[67].

10 – فالموت حق، والمؤمن الحقيقي هو الذي يدرك تمام الإدراك أن الدنيا ما هي إلا استراحة قصيرة، ليتزود منها للآخرة، بذكر الموت والتعلق بالله عز وجل، فيهون عليه ما يفوته من زخرف الدنيا وحطامها الزائل[68]. وفي هذا المعنى، قال الإمام علي رضي الله عنه: القبر صندوق العمل، والناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا[69]، وقال الإمام المشهور في الزهديات الحسن البصري رحمه الله تعالى: فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فرحاً، وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عنده، وهان عليه جميع ما فيها[70]. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول دائماً: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك[71]. وقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما، لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}[72]. وقوله سبحانه: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}[73].

المبحث الثاني
حقيقة الموت عند فقهاء الإسلام
11 – الموت في الحقيقة، كما قال بعض العلماء الذين بصرهم الله جل وعلا بعيوب الدنيا، ليس بعدم محض أو فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقة وحيلولة بينهما. فهو ليس فناءً أو انقطاعاً بالكلية عن الحياة، وإنما هو تبدل حال فقط، وانتقال من دار إلى دار[74]، أي انتقال الإنسان من دار التكليف والعمل إلى دار البرزخ والسؤال[75]. فقد ورد عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أنه قال: إنما خلقتم للأبد والبقاء، ولكنكم تنقلون من دار الفناء إلى دار البقاء[76].
فإذا مات الإنسان، انتهت حياته الدنيوية بصفة تامة ونهائية، ودخل في حياة أخرى لا يعلم الناس حقيقتها ولا كنهها[77]. فالموت الذي يحل بالإنسان، ويعد ميتاً شرعاً بانقطاع الحياة في جسده هو موت نسبي فقط. فهو موت بالنسبة لعلم البشر في حدود تفكيرهم وتكليفهم، وهو موت بالنسبة لدار الدنيا لا دار البرزخ التي هي أوسع وأعظم[78]. فمن مات، فقد دخل البرزخ، والبرزخ في الأصل هو الحاجز بين الشيئين، ومعناه هنا: ما بين الموت والبعث[79].
فالله عز وجل على كل شيء قدير، جعل الدنيا دار تكليف وعمل، كما جعل الآخرة دار قرار وجزاء (الجنة أو النار)، وأن الموت في الحقيقة هو بدء الحياة البرزخية، ثم من بعدها الحياة الأبدية الدائمة (وهي حياة الجزاء والخلود). وعلى هذا النحو جاء قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[80]، وقوله سبحانه: {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[81].
12 – وعلى هذا الأساس، فإن الموت هو تبدل حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما منعمة وإما معذبة حسب أعمال صاحبها[82]. ذلك والله أعلم، دليل أن الجنازة إذا كانت صالحة قالت: قدموني، قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين، لقوله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:41 am

الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق))[83]. فالميت يجلس في قبره، وتعاد روحه في جسده، ويسأل ويجيب، مما يدل على أن الميت بعد موته يكون حياً حياة تختلف عن حياته في الدنيا[84]. ولهذا ثبت في الصحيح أن الميت يسمع ويرى ويحس وهو في قبره، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أحدكم إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم))[85]. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه الصلاة والسلام فقال: ((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت إنه الآن يسأل))[86]. وعن البراء بن عازب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر))، ثم قال: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر))[87].
13 – ونلاحظ هاهنا، بأن القرآن الكريم قرر بأن الروح خالدة غير فانية، وأنها باقية بعد مفارقة الجسد. وما يؤكد ذلك بقاء حياة الشهداء وعدم موتهم في نعيم ورزق مع أن أجسادهم دفنت في القبور؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[88] وقوله سبحانه: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ}[89].
فالجسد يفنى والروح تبقى، ليعيش في حياة البرزخ، وهذا لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة))[90].
ومن المعروف شرعاً، أن الميت يشعر بزيارة الحي ويفرح بها، وحينما يسلم الزائر عليه فإنه يرد السلام، وهذا لما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى: ((ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا إستأنس ورد عليه حتى يقوم))[91]. وعلى هذا شرع النبي صلى السلام على أهل القبور، ففي صحيح مسلم أن الإنسان إذا دخل القبور يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين[92].
14 – وحقيقة الموت هي مسائل اختص الله تبارك وتعالى وحده بعلمها وبمعرفتها، فالله عز وجل عنده علم الساعة، فهو وحده يعلم الساعة المحددة لأجل كل امرئ. ومنه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ}[93].
فالموت من مفاتيح الغيب الخمس التي استأثر المولى سبحانه بعلمها وحده دون غيره إلى أن تقوم الساعة، لقوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[94]. وروى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى: ((مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في الغد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر))[95].
فالموت أمر عظيم، بيد الخالق الباري وحده دون غيره، لقوله سبحانه: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}[96]. فهو عز وجل يرسل أسباب النهايات عندما يحين الأجل المحتوم الذي لا رجعة فيه، لقوله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً}[97]. وقوله سبحانه: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}[98].

المبحث الثالث
مقدمات الموت وشدته
15 – المقصود بمقدمات الموت هي سكراته وشدة الألم الناتج منها – والسكرات جمع سكرة، وهي مأخوذة من السكر، والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله. والسكرة تطلق على الغشى الناشئ عن الألم، وهي أكثر شيء في الموت إفزاعاً وتفزيعاً، وألماً وإيلاماً[99]، وقد وصف الله سبحانه وتعالى سكرات الموت وشدته في أكثر من آية: فأسماها سكرة في قوله عز وجل: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[100]. كما أسماها بالغمرات في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ}[101]. كما شبه القرآن الكريم الخائف خوفاً شديداً بمن هو في سكرة الموت، ومنه قوله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[102]. وذلك لذهاب عقولهم من شدة الخوف والفزع حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة محددة[103]. وفي هذا المعنى، جاء قوله تعالى: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[104]، أي كمن يشخص بصره عند الموت، وذلك لشدة خوفهم وفزعهم[105].

16 – إن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها في الحقيقة إلا من ذاقها فعلاً، ومن لم يذقها فإنما لا يعرفها إلا بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بالمشاهدة أو بالسماع بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه.
وذكر العلماء والشراح بأن سكرة الموت ((التي وردت في الآية 19 من سورة ق))، وهي قوله تبارك وتعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تعني غمرة الموت وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله بالأمر الحق من أهوال الآخرة حتى يراها المنكر لها عياناً ذلك ما كنت منه تحيد أي ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه وتهرب منه وتفزع[106]. والمقصود هنا، هي ساعة الاحتضار والمعاناة لنزع الروح من البدن[107]، وهي لحظة رهيبة وعصيبة، حتى إنه لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشرة في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم. وفي هذا جاء قوله تعالى: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}[108]. وقوله سبحانه: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}[109]. وقوله عز وجل في ساعة الغرغرة حيث لا تقبل التوبة: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ}[110]. وفي هذا قال عليه الصلاة والسلام: ((تقبل توبة العبد مالم يغرغر))[111].
قال الزمخشري في تفسيره لقوله جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}[112]. أي قبضت روحه، والتوفي استيفاء النفس وهي الروح، وهو أن يقبضها كلها لا يترك منها شيئاً، من قولك توفيت حقي من فلان أي استوفيته وافياً كاملاً من غير نقصان[113].
وقال العلامة الغزالي صاحب كتاب ((إحياء علوم الدين))، إن الموت لا ألم فيه، وإن وجد فيه، فإنه يرجع في الحقيقة إلى التحسر على فراق الدنيا[114]. وهو ما ذهب إليه الأطباء، أن دخول المريض في سكرات الموت وحالة الاحتضار، لا يصحبه شيء من مسببات الهلع والخوف والفزع، وهذا من فضل الله عز وجل مناسب لرحمته ورأفته بعباده[115]. وسكرات الموت في الطب، هي عبارة عن توقف الأعمال الحيوية في جسم الإنسان، نتيجة لتوقف أجهزة البدن الأساسية، وهي الجهاز الدوراني والجهاز التنفسي، والجهاز العصبي، وبهذا التوقف التام الذي لا رجعة فيه يكون الشخص غير قابل للإنعاش الصناعي، بحيث تحدث تغييرات بالجسم تمنعه من العودة إلى الحياة[116].
والجدير بالذكر، أن ما يسبق الموت من سكرات يسمى موتاً مجازاً لأنه الطريق الذي ينتهي بالموت، أي بمفارقة الروح مفارقة تامة للجسد[117]. وفي هذا المعنى قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}[118]. أي سكرات الموت أو مقدماته. ومنه قوله سبحانه: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا}[119]. وعليه فإن كل ما يرافق الأمراض من آلام وشدائد لا يسمى شرعاً سكرات الموت مالم تنته بخروج الروح، فخروج الروح هو الحد الفاصل بين الحي والميت، ولا يسمى الميت ميتاً إلا عند المفارقة التامة لروحه[120].

17 – وعملية الموت في سكراته أو مقدماته، أو في غمراته وآهاته، تستغرق من الزمن حوالي عشر دقائق، ولكنها شديدة وعصيبة بمقياس الألم[121]. وهو الألم الذي استعمله الإمام علي رضي الله عنه في الحض على القتال، وهو يقول رضي الله عنه: إن لم تقتلوا تموتوا، والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش[122].
وفي هذا الوقت الشديد، يأتي إبليس اللعين، فيتمثل أمام هذا الإنسان المحتضر، ومعه شيطان آخر بصورة والديه، أحدهما يكون عن يمينه والآخر عن شماله. ولهذه الفتن وغيرها، شرع تلقين المحتضر، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))[123]. وفي رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ((فإنها تهدم ما قبلها من خطايا)). وفي رواية أخرى لمعاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة))[124].
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عنده ركوة (أو قدح) فيها ماء عند موته، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه، وهو يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا إله إلا الله إن للموت سكرات، اللهم هون علي سكرات الموت))، ثم نصب يديه فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده))[125]، وهذه الآلام الشديدة الطويلة هي التي جعلت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم[126].
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يطلب من الله تعالى ويستعين به من شدة سكرات الموت. وروى ابن أبي الدنيا في باب الموت، عن الضحاك بن سمرة مرسلاً: أدنى جبذات الموت بمنزلة مائة ضربة بالسيف[127]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الملائكة تكتنف العبد وتحبسه ولولا ذلك لكان يعدو في الصحارى والبراري من شدة سكرات الموت))[128].

18 – ونلاحظ أخيراً، أن المحتضر في سكرات الموت، يشاهد الملائكة ويراهم، وقد يسلمون عليه، وهو يرد عليهم تارة باللفظ وتارة بالإشارة وتارة بالقلب، وذلك عند عدم التمكن من النطق والإشارة. ثم يجلسون عنده يتحدثون، وأهل الميت وغيرهم لا يبصرون شيئاً من ذلك، لقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ}[129]. وقوله سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}[130]. أي احتضر وحان أجله، وتوفته رسولنا أي ملائكة موكلون بذلك[131]، لقوله عز وجل {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ}[132]، وقوله سبحانه {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[133]، وقوله تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ}[134]، وقوله جل وعلا {قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}[135]. قال ابن عباس رحمه الله تعالى: لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:42 am

وفي هذا المعنى، روي عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون))[137]. فيكون الدعاء عند حضور هؤلاء الملائكة مقبولاً، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا حضر الموت أتت ملائكة الرحمة))[138]. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لن يخرج أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيره وحتى يرى مقعده من الجنة أو النار))[139]، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))فقالوا: كلنا نكره الموت يا رسول الله !, فقال: ((ليس ذاك بذاك، إن المؤمن إذا فرج له عما هو قادم عليه أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه))[140]. ومنه قوله تعالى {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[141]، وقوله سبحانه {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[142].



المبحث الرابع
علامات الموت عند الفقهاء
19– لم يتعرض الفقهاء القدامى لتعريف الموت من الناحية الطبية، وإن كان بعضهم قد حاول تعريفه من الناحية التصويرية، فقيل إنه زوال الحياة من جسم الإنسان، يحدث بخروج الروح من البدن[143]. وهذا انطلاقاً من بعض الآيات القرآنية التي أفادت بأن الموت هو خروج الروح من الجسد، ومفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة[144]. وقد جاءت بعض علامات الموت في القرآن الكريم، ومنها الخمود وسكون الحركة، لقوله تعالى {إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[145]. والخمود هنا يعني السكون، فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم[146]، وقوله سبحانه {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[147]، وقوله عز وجل {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[148]. أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتاً على رأسه، فينشرح رأسه، وتبقى جثته هامدة وكأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان[149]. ومن علامات الموت أيضاً، عدم الكلام، لقوله جل وعلا {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}[150]. ومعنى ركزاً في الآية أي صوتاً، والركز لغة هو الصوت الخافي[151].
وتوضيح هذه الحالة إذا سكت النبض، وتوقف القلب توقفاً تاماً، وشخص البصر، واقشعر الجلد، وحشرج الصدر، وتشنجت الأطراف[152]. وقد روى ابن ماجة في سننه، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))[153]، ففي هذا الحديث النبوي الشريف، علامة على خروج الروح، فهي إذا خرجت تبعها البصر، وذلك بعد توقف القلب والتنفس، أما إذا كانا يعملان، فقد يكون الأمر مرضاً عصبياً، كما في نوبة الصرع أو رضوض الدماغ مثلاً.
قال النووي رحمه الله، في شرحه لهذا الحديث: إنه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر، وأن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن، وتذهب الحياة من الجسد بذهابها[154]، وهذا ما يحدث تماماً في حالة موت الدماغ بإجماع الأطباء، حيث تكون العينان شاخصتين لا تتحركان أبداً ولا حتى بتسليط ضوء عليهما، بينما في حالات الإغماء (الغيبوبة) الأخرى كلها يمكن للعينين أن تتحركا بتسليط الضوء عليهما[155]، فللروح نهاية تخرج معها من جسم الإنسان، وعلامة خروجها شخوص البصر، وهذا لقوله عز وجل {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}[156].
20– وقد ذكر بعض الفقهاء بأن للموت علامات وأمارات يعرف بها حصوله منها. وهذه العلامات هي التغييرات الثابتة بمشاهدتها، والمستنبطة من خبرة البشر في مثل هذه الأمور. ومن هذه العلامات المذكورة في بطون كتب الفقه: توقف القلب، انقطاع التنفس، استرخاء الأعصاب والأطراف، سكون الحركة في البدن، تغير اللون، شخوص البصر، عدم انقباض العين، انخساف الصدغ، اعوجاج الأنف، انفراج الشفتين، امتداد جلدة الوجه، انفصال الكفين عن الذراعين، تقلص الخصيتين، عدم نبض العرق بين الكعب والعرقوب وعرق الدبر، وغيبوبة سواد العينين في البالغين، وكذا برودة البدن[157].
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله بأن المحتضر من قرب الموت، وعلامته: أن تسترخي قدماه فلا تنتصبان، وينعوج أنفه، وينخسف صدغاه، وتمتد جلدة الخصية، لأن الخصية تتعلق بالموت وتتدلى جلدتها[158]. وذكر الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: وعلامات الموت أربع: انقطاع نفسه، وإحداد بصره، وانفراج شفتيه فلا تنطبقان، وسقوط قدميه فلا تنتصبان[159]. وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين: إن الروح إذا فارقت البدن لم يكن بعد حياة، كاسترخاء القدمين مع عدم انتصابهما، وانخساف الصدغ، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، فإن شك بأن يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت علامات فزع أو غيره أو أخر (حكم الموت) إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره[160]. وذكر العلامة ابن قدامة الحنبلي في كتابه ((المغني)) أنه من العلامات الظاهرة للموت: استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخساف صدغيه[161]. وقال الإمام الغزالي في كتابه ((إحياء علوم الدين)) بأنه يجب أن تترك الروح كل أعضاء الجسد، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفات الحياة، فالموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها[162]. وخلاصة القول: أن الشخص يعد حياً حتى يحصل يقين بزوال حياته من خلال ظهور علامات وأمارات لا تحصل إلا في شخص ميت، وأما من قربت نفسه من الزهوق فلم يحصل يقين بزوال حياته، فإنه يعد حياً عند الفقهاء[163]. كما أن سكرات الموت لا تعرف إلا بعد حلول الموت، فهي في ذلك كمرض الموت، فإن لم تنته الآلام والشدائد والكرب بالموت سميت نُذُر الموت لا سكراته[164]، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((للموت نُذُر قبله، لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه، لقد أعذر الله تعالى إليه))[165].
21 – وقد تعرض رجال الفقه المعاصر لتعريف الموت من ناحية علاماته أو أماراته. فقال سيد قطب رحمه الله هو مفارقة الروح للبدن[166]. وقال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بأن الموت هو سكون النبض ووقوف حركة القلب وقوفاً تاماً[167]. وذكر فضيلة الشيخ جاد الحق رحمه الله، بأن من علامات الموت: إشخاص البصر، وأن تسترخي القدمان، ويعوج الأنف، وينخسف الصدغان، وتمتد جلدة الوجه فتخلو من الانكماش[168]. كما أن دار الإفتاء المصرية في الفتوى المشهورة المؤرخة في 5/12/1979م قررت صراحة على ((أنه عند فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية الأساسية، فإن الإنسان يعد ميتاً شرعاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:43 am

وتترتب آثار الوفاة من تحقق موته كلية، فلا تبقى فيه حياة ما، لأن الموت هو زوال الحياة))[169]. وهو ما أكده رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف من أنه ((لا يجوز التشريح ونقل الأعضاء إلا بموافقة أهل الميت، على أن يكون ذلك بعد تحقق وفاة الميت بتوقف مخه (أي دماغه) عن أداء وظيفته، لا بتوقف قلبه، لأن القلب قد يتوقف والمخ ما زال قائماً بوظيفته فلا تتحقق الوفاة))[170].
22 – ونلاحظ بأنه يجب التأكد من توافر العلامات السابقة الذكر فيمن يموت، حتى لا يدفن بعض الناس وهم أحياء، نتيجة أنهم راحوا في غيبوبة طويلة (أو سبات عميق) تلتبس في بعض الأحيان مع غيبوبة الموت الحقيقي[171]. وفي هذا يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله، وهو يتحدث عن تجهيز الميت، بعد أن ذكر علامات الموت، ((وإن مات فجأة كالمصعوق، أو خائفاً من حرب أو سبع، أو تردى من جبل، انتظر به هذه العلامات حتى يتيقن موته))[172]. وذكر الإمام الملهم الحسن البصري رحمه الله تعالى: في المصعوق (ومن في حكمه) ((ينتظر به ثلاثاً))[173] وقال النووي في ((المجموع))، فإن مات فجأة، لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكتة ولم يمت، بل يترك حتى يتحقق موته، فأما إن مات مصعوقاً، أو غريقاً، أو حريقاً، أو خاف من حرب أو سبع، أو تردى من جبل، أو في بئر فمات، فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته، فيترك اليوم واليومين والثلاثة حتى يخشى فساده، لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه أو غلب المرار عليه[174].
وفي هذا، قال العلامة ابن رشد المالكي: فإذا قضى الميت غمض عينيه، ويستحب تعجيل دفنه لورود الآثار بذلك إلا الغريق، فإنه يستحب في المذهب تأخير دفنه مخافة أن يكون الماء قد غمره فلم تتبين حياته. وإذا قيل هذا في الغريق، فهو أولى في كثير من المرضى، مثل الذين يصيبهم انطباق العروق، وغير ذلك مما هو معروف عند الأطباء، حتى لقد قال الأطباء: إن المسكوتين لا ينبغي أن يدفنوا إلا بعد ثلاث[175].
23 – وقد أفادت دراسات علمية حديثة دقيقة: أنه في أمريكا يدفن خطأ شخص واحد في كل أربع وعشرين ساعة، وفي بريطانيا خلال 22 سنة دفن 2175 شخصاً أحياء (أي أن موتهم كان ظاهرياً فقط). وفي أمستردام بهولندا، أنقذت جمعية خيرية حياة 990 شخصاً في 25 سنة، كما أن جمعية مماثلة في همبورج بألمانيا أنقذت 107 أشخاص في أقل من خمس سنوات[176].
وقد ذكرت الكتب المتعلقة بالموت وأسراره، الكثير من نوادر الموتى: كالشخص الذي سمع صوت أخيه المدفون حياً من داخل القبر[177]؛ والميت المصعوق الضاحك وهو في السبات العميق[178]: والعجوز الإيطالي في 67 من عمره الذي لقي مصرعه في حادث تصادم، وبعد خمسة أيام من وضع جثته في المشرحة (في درجة حرارة 7 تحت الصفر) انتظاراً لحضور أحد أقاربه، عاد فجأة إلى الحياة، وأخرجوه من المشرحة ليعيش بعدها سنوات طويلة[179]، والفتاة المصرية التي انتحرت حرقاً عام 1931م، والتي وضعت جثتها على طاولة تشريح الموتى، وفي انتظار الطبيب الشرعي ليقوم بتشريحها، بدأت فجأة تتحرك ثم صرخت ((أنا عطشانه))، وسرعان ما نقلت إلى المستشفى لإنقاذها[180].
وعلى هذا الأساس، اتفق الفقهاء على أنه لا يوجد ما يمنع شرعاً الرجوع حسب قواعد الشرع إلى أهل الذكر (أي أهل العلم والاختصاص) وهم الأطباء، لتعرُّف هذه العلامات الظاهرة بالوسائل الطبية الحديثة، والمتاحة في الوقت الحاضر، وذلك بغرض تشخيص الموت، والتيقن منه فعلاً.


المبحث الخامس
علامات الموت عند الأطباء
24 – استقر الطب الحديث على أن الموت الكامل لخلايا المخ (أي الدماغ) الذي يؤدي إلى توقف المراكز العصبية عن العمل، هو المعيار الشرعي، والقانوني لموت الإنسان موتاً حقيقياً لا رجعة فيه[181]. والمقصود بموت المخ كلية الغيبوبة النهائية التامة، حيث تتوقف مراكز الاتصال والتكفير والذاكرة والسلوك وغيرها عن العمل. فتخرج بذلك حالة موت جزء من خلايا المخ فقط، وهي الغيبوبة المؤقتة، إذ إن موت المخ لا خلاف بين الأطباء في أنه ليس موتاً[182].
إن الدماغ (أو جذع المخ) هو المكان المعين في المخ الذي ترد عليه جميع الأحاسيس، وهو المركز الرئيسي للتنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية، وربما هو وعاء الروح، فهو المسئول عن وعي الإنسان ونومه ويقظته وحياته، فموت هذا الجزء من الدماغ يؤدي إلى إثبات الوفاة طبياً[183]. إن موت جذع الدماغ بشكل دائم مرة واحدة يؤدي حتماً إلى خروج الروح من البدن، حتى وإن كان القلب سليماً، وذلك لأنه لا يمكن طبياً تبديل لا القشرة الدماغية الميتة ولا الدماغ لميت[184]. ولكي يشخص الطبيب موت جذع الدماغ، لابد من علامات طبية وهي: الإغماء الكامل، عدم الاستجابة لأي مؤثرات لتنبيه المصاب مهما كانت وسائل التنبيه قوية ومؤلمة، عدم التنفس لمدة ثلاث أو أربع دقائق بعد إبعاد المنفسة (Ventilator)، عدم وجود أي انفعالات منعكسة من جذع الدماغ[185]، وعدم وجود حركة الدمية عند تحريك الرأس، وكذا عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ[186].
هذا ولا يعد رسم الدماغ أساسياً في تشخيص موت الدماغ، غير أنه إذا توافر كان دليلاً إضافياً مفيداً من الناحية الشرعية والقانونية[187]. ولا تكفي هذه الشروط لإعلان موت الإنسان، بل لابد أن يكون توقف وظائف جذع الدماغ مصحوباً بعلامات طبية (باثولوجية وتشريحية)، وما يتبع ذلك من ظهور تغيرات: كحدوث تغييرات بالعين، وبهاتة لون الجسم، وبرودة الجسم وفقد حرارته الحيوية، والزرقة الرمية، وغيرها من علامات ظهور الجسم بمظاهر الجثة تنتهي بتحليل الجسم تحللاً كاملاً[188].

25 – والجدير بالذكر، أنه لم يتقرر ذلك إلا حديثاً[189] وبالتحديد في سنة 1952م، عندما قبلت إحدى المحاكم الأمريكية (في ولاية كنتاكي) النظر في الدعوى الخاصة بشخص كان قلبه لا يزال يدق لأنه كان يدفع بالدم من الأنف، فطبقت معيار موت جذع الدماغ كلية معياراً قانونياً للموت، وعدلت عن معيار توقف التنفس والنبض (أي القلب والدورة الدموية) الذي كان سائداً إلى وقت ما[190]. وهو ما أقره تقرير المؤتمر الثاني للأخلاق الطبية لجمعية الأطباء بفرنسا الذي انعقد بباريس سنة 1966م، والذي أكد بأن معيار الموت هو الموت الكامل لخلايا المخ (الدماغ)، وأن الموت ليس نتيجة حتمية لوقف حركة القلب في الجسم[191]. وكان أول من وضع المواصفات العلمية والطبية الخاصة بتحديد موت الدماغ هي لجنة ((آدهوك)) (AD HOC) في جامعة هارفرد (HARVARD) الأمريكية عام 1968م[192].
ولولا تطبيق هذا المعيار الحديث، لما استطاع البروفيسور الفرنسي المشهور ((كريستيان برنارد)) (CHRISTIAN BERANARD) أن يقوم بالعملية الأولى لزرع قلب كامل بمستشفى جوهانسبرج في جنوب إفريقيا سنة 1967م[193]. وذلك أنه حسب التعريف القديم، فإن الأشخاص الذين تجرى لهم عمليات القلب المفتوح، يعتبرون أمواتاً أثناء العملية الجراحية، حيث إنه في أثناء العملية فإن القلب والتنفس يتوقفان تماماً عن العمل؛ ولكن الواقع أن هؤلاء الأشخاص أحياء، ويعودون إلى وعيهم وحياتهم بعد العملية، لأن جزء المخ كفلت له وسائل الحياة بواسطة القلب الصناعي الذي قام بدفع الدم إلى المخ وباقي الجسم وساعدهم على انتظام استمرار التنفس[194].
إن موت القلب يتبعه لا محالة موت الدماغ، إذا انقطع عنه الدم (لمدة تتراوح من دقيقتين إلى أربع دقائق)، وبالتالي يعد مثل ذلك الشخص في عداد الموتى[195]. ومن ثم، فإن الموت من الناحية الطبية هو توقف جهاز التنفس والدورة الدموية والجهاز العصبي توقفاً تاماً لبضع دقائق، وما يتبع ذلك من ظهور علامات وتغيرات، ومنها ظهور الجسم بمظاهر الجثة، ويتم ذلك بعد حوالي ساعتين وهو ما يعبر عنه بموت الأنسجة. ولهذا يفرق الأطباء بين موت الشخص وموت الأنسجة، فالأخير يبقى لمدة ما قد تصل إلى ساعتين أو أكثر في بعض الأحشاء أو الأنسجة بعد موت الشخص؛ فمثلاً قد تتفاعل العضلات للغيار الكهربائي إلى ما بعد الموت بنحو ثلث أو نصف ساعة، وقد يظل الكبد يحول المواد النشوية إلى سكرية لحوالي ساعة أو ساعتين بعد الوفاة، وكذلك قد تظل الحيوانات المنوية حية في الخصية[196].
ومن علامات الموت عند الأطباء؛ توقف الدورة الدموية والتنفس توقفاً تاماً، عتامة قرنية العين، نقص الضغط داخل العين، ارتخاء الأطراف، برودة الجسم، الزرقة الرمية، التيبس الرمي، التعفن الرمي، التصبن الرمي، وأخيراً التحول إلى مومياء[197].

26 – ومن المؤكد لدى الأطباء، أنه ليس هناك لحظة محددة للموت، فهناك تدرج من الموت الإكلينيكي، إلى الموت البيولوجي، ثم الموت الخلوي النهائي[198]. فالموت الإكلينيكي هو المرحلة الأولى، حيث يتوقف جهازاً التنفس والقلب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:44 am

مرحلة ثانية، يتوقف الدماغ (بموت خلايا المخ) بعد بضع دقائق من توقف دخول الدم المحمل بالأكسجين للمخ (ما لم تستعمل وبسرعة أجهزة الإنعاش الصناعي)[199]. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة للموت، تموت خلايا أعضاء وأنسجة الجسم شيئاً فشيئاً وتدريجياً، فيحدث ما يسمى ((بالموت الخلوي))، وهو الموت التام والكامل للإنسان[200]. ومن ثم، فإن حالات الغيبوبة المؤقتة مهما طالت، والاغماء الطويل أو السبات العميق (أي غياب الوعي مهما طال الزمن)، والموت الإكلينيكي، وتعطل عمل القشرة المخية، والموت الجزئي للجسد أو لبعض أعضائه، لا تعد موتاً بالمفهوم الشرعي والطبي، مالم يتم إثبات تشخيص موت جذع الدماغ الذي هو موت حقيقي لا رجعة بعده للحياة[201].

27 – ونلاحظ مما سبق، بأنه يجب التفرقة بين موت جذع الدماغ وموت المخ. أما الأول فهو موت محقق لا رجعة للحياة بعده؛ وأما الثاني فهو غيبوبة ربما يتغلب عليها بالمعالجة الطبية بعد تشخيص أسبابها، ومن ثم فإن موت المخ لا خلاف في أنه ليس موتاً[202].
فمن المعروف طبياً أن موت المخ (وهي الحالات التي تحدث عندما تتلف قشرة المخ بشكل دائم، فتتلف مع ذلك مراكز الإرادة والوعي، ولكن جذع الدماغ يكون سليماً فتبقى أعضاء الجسم الأخرى عاملة) لا يمكن اعتباره موتاً بالمفهوم الطبي الشرعي، إذ أنه من الثابت لدى الأطباء أن حالات موت المخ يكون أصحابها أحياء تظهر فيهم مظاهر الحياة المختلفة: كنبضان القلب نبضاً عادياً، والتنفس، والحرارة الطبيعية، واستمرار إفرازات معظم أجهزة الجسم، والأفعال الانعكاسية الإرادية، كما أنه يستمر شعرهم وأظافرهم في النمو، وأن الحمل في حالة السيدات الحوامل يستمر طبيعياً طوال فترة الغيبوبة حتى تتم الولادة في موعدها الطبيعي[203].
وعلى هذا الأساس، فإن تدخل الطبيب بإنهاء حياة المريض الذي هو في حالة موت المخ، إنما هو قتل لنفس حرم الله قتلها، وهو قتل يستوجب القصاص شرعاً. وذلك لاستمرار الحياة الطبيعية والحيوية في جسده التي تبقى عاملة وسليمة. خاصة وأن الطب الحديث، يسعى حالياً إلى تطوير تقنيات جديدة لإصلاح قشرة المخ بزرع الخلايا الدماغية بدل تلك التالفة[204]. وإن كان الرأي الراجح عند الأطباء أنه لا يمكن تبديل القشرة الدماغية الميتة ولا الدماغ الميت[205].

28 – هذا ومن الممكن أن يتوقف قلب إنسان عن العمل، ولكن خلاياه (أي خلايا القلب) تظل حية، فإن موت هذا الإنسان ليس إلا موتاً ظاهرياً لعدم موت الجهاز العصبي. فالقلب يمكن أن يتوقف عدة مرات (السكتة القلبية)، ولكن يمكن إسعافه مادام الدماغ حياً[206]. فلا يوجد ما يمنع شرعاً من إسعاف القلب وإعادته إلى عمله الطبيعي، عن طريق استخدام التقنيات الطبية الحديثة، وهي أدوات الرعاية المركزة وأجهزة الإنعاش الصناعي للتحقق من الجهاز العصبي. فإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية الأساسية، فإن الإنسان يعد ميتاً شرعاً وقانوناً[207]، وجاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي[208]. وهو ما قررته دار الإفتاء المصرية[209]، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية[210]، وما أفتى به مجمع الفقه الإسلامي بمقتضى القرار رقم 5 والصادر بتاريخ 3/7/1986م في دورته الثالثة المنعقدة بعمان (الأردن) من 11 – 16 أكتوبر 1986م، حيث عد موت الدماغ موازياً لموت القلب وتوقف الدورة الدموية، وهو الموت الشرعي الذي يجيز وقف أجهزة الإنعاش الصناعي[211].
وهو ما قررته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، من أن المعتمد عليه في تشخيص موت الإنسان هو خمود منطقة المخ المنوط بها الوظائف الحياتية الأساسية، وهو ما يعبر عنه بموت جذع المخ، وعليه فإنه إذا تحقق موت جذع المخ، بتقرير لجنة طبية مختصة، جاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي[212].
فالموت هو مفارقة الإنسان للحياة، بعد التحقق من الموت الكامل لجذع الدماغ، ومعيار ذلك بيد الأطباء[213]. فيكفي للتأكد من موت المتوفى التحقق من موت جميع خلايا مخه، ومن التوقف التلقائي للوظائف الأساسية للحياة في الجسم[214].

29 – ومما يجدر الإشارة إليه، أن القوانين الطبية العربية حرصت على عدم تعريف المقصود بالموت في القانون، وهذا على أساس أن تعريف الموت مسألة طبية بالدرجة الأولى، ومن ثم فلا يجوز للمنظم أن يتدخل في تحديدها بقواعد تنظيمية. وهو الاتجاه الذي سلكه القانون الطبي الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976م المتعلق بنقل وزرع الأعضاء البشرية الذي سكت عن تعريف الموت، وفضل أن يتم ذلك بأداة تنظيمية أكثر مرونة، بحيث يمكن تعديلها تبعاً للتطورات الطبية. ولهذا جاء في المادة 4/4 من القانون الطبي الفرنسي ((أن اللائحة التي ستصدر يجب أن تتضمن إجراءات طرق التأكد من الوفاة))[215].



المبحث السادس
مشكلة ((الميت الحي)) (الوفاة الدماغية)
30 – مشكلة ((الميت الحي))، إن جاز هذا الاصطلاح، يأتي حين يصاب الدماغ إصابة بالغة نتيجة الحوادث (كحوادث السيارات، والارتطام، والتردي، والسقوط من مكان شاهق، وإطلاق النار..)، أو نتيجة نزف في الدماغ، أو ورم الدماغ، أو توقف القلب لفترة قبل الإنعاش... ففي مثل الحالات عندما توضع أجهزة الإنعاش الصناعي، لا يكون الطبيب متيقناً أن جذع الدماغ قد مات[216]. فتحتاج إلى سرعة كبيرة، وعناية مركزة لمحاولة الإنقاذ فيبقى المصاب تحت المنفسة الاصطناعية (MECHANICAL VENTILATOR)[217]. ومن ثم، فإنه لا يمكن تشخيص موت جذع الدماغ، في مثل هذه الحالات من الناحية الشرعية، إلا بعد التأكد التام من التوقف الكامل الذي لا رجعة فيه لوظائف جذع الدماغ مع وجود إصابة مرضية باثولوجية وتشريحية[218].
وتشخيص الوفاة الدماغية (أو موت الدماغ) يجريه طبيبان على الأقل، من الأطباء المختصين الثقات[219]، أحدهما مختص في جراحة الأعصاب (أو طب الأمراض العصبية)[220]. ومن علامات الوفاة الدماغية: الغيبوبة الكاملة، انتهاء الحركة وانقطاع التنفس التلقائي، غياب الأفعال المنعكسة الدالة على نشاط الجهاز العصبي، عدم استجابة حدقتي العينين للضوء، عدم الاستجابة للمؤثرات المؤلمة، عدم استجابة عضلات الحنجرة لتحريك أنبوب بالقصبة الهوائية، وكذا عدم استجابة العينين لحقن الأذنين بماء بارد[221].

31 – هذا ويفرق الأطباء بين الوفاة الدماغية، وهي توقف جميع وظائف الدماغ مما يؤدي حتماً إلى توقف القلب والتنفس، عند عدم وجود أجهزة الإنعاش الصناعي وبسرعة؛ وبين السكتة الدماغية وهي خلل مفاجئ في تدفق الدم في جزء من الدماغ (بفعل انسداد أوعية دموية في الدماغ، أو جلطة دموية تصل إلى الدماغ، أو ضعف في جدران الأوعية الدموية نتيجة تسارع أو ارتفاع في ضغط الدم أو غيرها..) مما يساهم بدوره في موت خلايا الدماغ في المساحة المصابة من الدماغ، وبالتالي إحداث خلل أو إعاقة في مهام الجسد التي يقوم بها ذلك الجزء من الدماغ (مثل الحركة أو البلع أو الإدراك الحسي أو الذهني أو أي إحساس آخر..) وقد استطاع الطب الحديث علاج العديد من المصابين بالسكتة الدماغية وتأهيلهم[222].

32 – وعند ثبوت تشخيص موت جذغ الدماغ، يحرر الأطباء المختصون شهادة شرعية بوفاة ذلك الشخص شرعاً وقانوناً[223]. أما عن أجهزة الإنعاش الصناعي، فإنها توقف شرعاً[224]، إلا إذا كان المصاب أو ذووه، قد وافق أو وافقوا على التبرع بأعضائه أو أنسجته[225]. وفي هذه الحالة، يمكن شرعاً استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي، بأن تستمر في عملها بعد إعلان الوفاة الشرعية، من أجل الحصول على أعضاء صالحة في حالة جيدة، لنقلها وزرعها بنجاح في جسم المستفيد الحي[226].
إن الاحتفاظ بأعضاء ((الميت الدماغي)) وأنسجته حية بواسطة أجهزة الإحياء الصناعي لبضع ساعات، للمحافظة على حياة بعض خلايا جسمه في الأعضاء المهمة: كالقلب أو الكلية أو الكبد أو الرئتين أو البنكرياس أو العيون أو الجلد أو غيرها، ريثما يوافق ذووه على التبرع بأعضائه، لا يغير من حقيقة الوفاة الشرعية شيئاً[227]. فلا يعد استقطاع القلب منه قتلاً، إذا كان مستوفياً للشروط الشرعية[228]، وذلك لأن التروية بأجهزة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاضي
رئيس محكمة نور الاسلام
رئيس محكمة نور الاسلام
القاضي


عدد المساهمات : 3310
رصيد نقاط : 22910
رصيد حسابك فى بنك نور : 309
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 4:45 am

إن الاحتفاظ بأعضاء ((الميت الدماغي)) وأنسجته حية بواسطة أجهزة الإحياء الصناعي لبضع ساعات، للمحافظة على حياة بعض خلايا جسمه في الأعضاء المهمة: كالقلب أو الكلية أو الكبد أو الرئتين أو البنكرياس أو العيون أو الجلد أو غيرها، ريثما يوافق ذووه على التبرع بأعضائه، لا يغير من حقيقة الوفاة الشرعية شيئاً[227]. فلا يعد استقطاع القلب منه قتلاً، إذا كان مستوفياً للشروط الشرعية[228]، وذلك لأن التروية بأجهزة الإنعاش الصناعي، ليست إلا إحدى الوسائل الطبية الحديثة التي تستخدم لحفظ الأعضاء في حالة أنها تصلح للاستخدام والمعالجة الطبية[229]. وشأنه في ذلك كمن يضع الأعضاء في ثلاجة ريثما يتم زراعتها، وإن كان المريض المصاب ميتاً بالفعل، أو في ((حكم الميت)) فهو لا يعي ولا يحس ولا يشعر، وذلك لتلف مصدر ذلك كله وهو جذع الدماغ[230].

33 – وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة بعمان عام 1986م بجعل موت الدماغ موتاً، إذا تعطلت جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ الدماغ في التحلل. وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش الصناعي المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة[231]. وهذا قرار صائب يقوم على إجماع طبي، وفقاً لما أقره الفقهاء من فتاوى وآراء فقهية اجتهادية في هذا الخصوص.
وقد وافقت على هذا، توصيات ندوة ((الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها))، المنعقدة في الكويت في يوم 24/1/1985م، والتي قررت بأنه تسري على ((الميت الدماغي)) بعض أحكام الموت، قياساً على ما ورد في الفقه من أحكام، كتلك الخاصة بالمصاب الذي وصل إلى ((حركة المذبوح))[232].
كما وافق عليه كل من الدكتور أحمد شرف الدين[233]، والدكتور محمد علي البار[234]، والدكتور محمد أيمن صافي[235]، والدكتور أحمد شوقي أبو خطوة[236]، والدكتور بكر أبو زيد[237]، والدكتور فيصل شاهين[238]، والدكتور عبدالله باسلامة[239]، ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر[240] والشيخ محمد المختار السلامي ( مفتي الجمهورية التونسية )[241]، والباحثة ندى الدقر[242]، وكذا الدكتور يوسف الدقر[243]. غير أن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي لم يجعل موت الدماغ كافياً لتشخيص الوفاة الشرعية؛ بل لابد من توقف قلب الشخص ودورته الدموية لتسري عليه أحكام الموت[244]. وهو ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية التي أفتت بأنه لا مانع شرعاً من رفع أجهزة الإنعاش عن المريض المحتضر الذي مات دماغه، إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى، ولكن يجب التأكد من موته بعد نزع الأجهزة بتوقف قلبه وتنفسه قبل إعلان الموت[245].
وقد خالف بعض الفقهاء ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي، ومنه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي[246]، والدكتور توفيق الواعي[247]، والدكتور عقيل العقيلي[248]، والدكتور عبدالله الحديثي[249]، على أساس أن موت الدماغ هو نذير موت محقق بالمقاييس الطبية لا بالمقاييس الشرعية؛ لأن الموت شرعاً هو خروج الروح من الجسد ومفارقة الإنسان للحياة مفارقة تامة، ومن علاماته سكون النبض وتوقف حركة القلب وقوفاً تاماً. إن موت الدماغ، لا يعدو أن يكون أحد مظاهر الموت، ولكن ليس هو الموت يقيناً، فحياة الإنسان يقين، واليقين لا يزول بالظن، بل يزول بيقين مثله وفقاً لقاعدة استصحاب الأصل[250].

34 – والحقيقة أن ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي هو المعتمد، وذلك انطلاقاً من أن العلامات الجسدية المؤكدة للموت التي ذكرها فقهاء الإسلام متوافرة في موت الدماغ إلا توقف القلب والنبضان، وهو شرط لم يتناوله أحد من الفقهاء القدامى[251]. مع العلم أن الوفاة الدماغية هي التلف الكامل والنهائي للدماغ والذي لا رجعة فيه[252]، مما يؤدي حتماً إلى موت الأعضاء الأخرى التي تموت بالتدريج، كتوقف القلب وموت خلايا الكبد والكلى والرئتين والبنكرياس، ثم تتبعها العضلات والعظام والجلد التي تبقى فيها حياة لعدة ساعات[253]. وهذا كما يحدث تماماً بالموت عند توقف القلب والتنفس، غير أنه في حالة موت الدماغ يبقى القلب في العمل آلياً (أي أوتوماتيكياً) بفعل أجهزة التنفس الصناعي خلال ساعات إلى أيام قليلة[254].
وعليه فإن موت الدماغ هو علامة شرعية على موت الشخص، إذ أنه في حال الوفاة الدماغية يكون مركز التنفس في جذع الدماغ قد توقف تماماً عن العمل توقفاً نهائياً لا رجعة فيه، وذلك لموت خلاياه، وبالتالي لن تكون هناك حركة للتنفس[255]. ومن ثم، فإن إعادته إلى جهاز التنفس الصناعي إنما هو فقط للمحافظة على دوران الدم داخل الأعضاء المراد الاستفادة منها لأغراض علمية أو علاجية، ريثما توافق أسرته على التبرع بجثته أو بأعضائه[256].



المبحث السابع
الحدود الشرعية والإنسانية والأخلاقية للإنعاش الصناعي
35 – المقصود بالإنعاش هو المعالجة الطبية المركزة، أو العناية المكثفة التي يقوم بها الفريق الطبي المختص، للمريض الذي فقد وعيه، أو تعطلت عنده بعض الأعضاء الحيوية، كالقلب والرئة إلى أن تعود إلى وظيفتها الطبيعية. ومن أجهزة الإنعاش الصناعي (RSUSCITATION) نذكر ما يلي: جهاز المنغاس الذي يعوض عمل الرئة، وجهاز منظم ضربات القلب الذي ينظم الضربات القلبية بشكل منتظم، وجهاز مزيل رجفان القلب الذي يعيد القلب للعمل من جديد في حال التوقف، وأجهزة الكلية الصناعية التي تعوض عن وظيفة الكلى، إضافة إلى معالجة دوائية مختلفة لا يمكن إعطاؤها إلا تحت مراقبة فائقة[257].
إن الفترة الزمنية التي تستعمل خلالها أجهزة أو أدوات العناية الطبية المركزة (INTENSIVE CARE)، يكون المريض المصاب فيها بين الموت والحياة. فهي تساعد المرضى الذين تعدت حالتهم موت الدماغ، والذين كانت تنطبق عليهم علامات الموت المتعارف عليها، باستمرار التنفس وعمل القلب آلياً أو اصطناعياً، عن طريق وسائل ((الإحياء الصناعي))[258]. فالصحيح من الناحية الطبية والعملية، أن الإنسان الخاضع لأجهزة الإنعاش قد مات بفقدان جهازه العصبي لخواصه الوظيفية، وأن الذي يبقى على قيد الحياة لا يعدو أن يكون مجموعة من الأعضاء أو الأنسجة بفعل استمرار الدورة الدموية اصطناعياً[259].
وذكر بعض الأطباء أنه من بداية الموت الإكلينيكي (أي توقف القلب والرئتين)، وقبل موت خلايا المخ، وهي فترة لا تستغرق أكثر من بضع دقائق؛ فإن المريض المحتضر في هذه المدة القصيرة يعد من الأحياء[260]. ومن ثم فإنه يتعين شرعاً إنقاذه وبسرعة حتى لا تموت خلايا مخه موتاً تاماً وكاملاً[261]. ولذلك فإن الغرض من استخدام أجهزة التنفس الصناعي الأوتوماتيكية، في هذه الحالة، هو إطالة حياة مريض، ولا يعد ذلك من قبيل إعادة الحياة إليه لأنه ما زال حياً في حكم الشرع والقانون، حتى ولو كانت بعض مقومات حياته قد توقفت عن العمل التلقائي[262].
وقد أخبر الله جل وعلا، بأن المجرم والأشقى في الحياة الآخرة، لا هو ميت فيستريح من العذاب، ولا هو حي حياة هنيئة[263]. وهذا لقوله سبحانه {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا}[264]. وقوله عز وجل {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا}[265].
36 – وسنحاول البحث في الحدود الشرعية والإنسانية والأخلاقية للإنعاش الصناعي من خلال التعرض للمسائل المهمة التالية: –
أ – الإنعاش الصناعي بين الحظر والإباحة.
ب – حكم الإنعاش الصناعي.
جـ – الإنعاش الصناعي وجرائم الامتناع.
د – حكم إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي.

أ – الإنعاش الصناعي بين الخطر والإباحة:
37 – إن الإنعاش الصناعي، هو نموذج حي للأعمال الطبية المستحدثة، ولاسيما بعد تقدم العلوم البيولوجية وتطور التقنيات الطبية الحديثة، التي يمكن أن يتأرجح حكمها بين الإباحة والتحريم؛ وذلك حسب ما إذا كان الهدف منها حفظ حياة قائمة، أو إطالة موت ثابت عن طريق وضع الشخص الذي يحتضر في حالة ((إحياء صناعي)) بوسائل صناعية أوتوماتيكية[266].
كما أن مشكلة استمرار الحياة أو إنهائها، للمرضى الميؤوس من شفائهم، أو موتى الدماغ وهم في غيبوبة مستمرة (أو حياة عضوية صناعية بفضل استخدام أجهزة الإنعاش)، وكذا إطالة حياة عضوية صناعية والحفاظ عليها بوسائل صناعية معقدة لفترة قد تستمر إلى أسابيع إذا لزم الأمر، هي مسائل شرعية، متفرعة عن موضوع أوسع، هو ضرورة حماية حقوق الإنسان أمام تطور علوم الطب والبيولوجية، وخاصة فيما يتعلق بهذه الوسائل الفنية الجديدة في مجال الجراحة والتجارب الطبية على الإنسان[267].
38 – إن الإنعاش الصناعي، وإن كان نوع من أنواع التداوي، الذي يقلب حكم التحريم إلى الوجوب حفاظاً على الحياة بوسائل صناعية، وهي ثاني المقاصد الضرورية الخمسة[268]. فإن الفقه الإسلامي يحمي المريض الخاضع لأجهزة الإنعاش الصناعي، أو وسائل العناية المركزة، بسياج من الحقوق والضمانات الشرعية، مما ينجم عن ذلك من إيقافها دون التأكد من موته موتاً حقيقياً، وكذا من تسرع بعض الأطباء والجراحين إلى الإعلان عن وفاته لاستعمال جثته أو أعضائه أو التجريب عليه، بما يتعارض مع أخلاقيات المهنة الطبية في الإسلام[269].

ب – حكم الإنعاش الصناعي:
39 – اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الغرض من الإنعاش الصناعي، هو إنقاذ الأرواح التي يتعرض أصحابها لأزمات وقتية، بإعادتهم إلى وعيهم بصفة كاملة، حتى لا تموت خلايا المخ، عن طريق تزويدها بالدم والأكسجين اللذين تتوقف عليهما حياتها، أي بمعنى ضمان استمرارها في أداء وظائفها الأساسية والحيوية، فإن هذا جائز شرعاً[270]. وذلك لأن استمرار حياة المريض في هذه الحالة، أي المرحلة بين الموت الإكلينيكي وموت خلايا المخ، والتي لا تستغرق سوى بضع دقائق طبية فقط، لا يعد من قبيل إعادة الحياة له، لأنه ما زال حياً في حكم الشرع[271]. فإن أجهزة الإنعاش تعيد للقلب والجهاز التنفسي نشاطهما، بحيث يؤدي ذلك، في بعض الأحيان، إلى استرداد المريض وعيه كاملاً وإعادة وظائفه الأساسية، فيصبح من الممكن للمريض أن يعود إلى التنفس الطبيعي ويخرج من المستشفى سليماً[272].
وعلى هذا الأساس، فإنه لا يجوز شرعاً للطبيب أن يفصل هذه الأجهزة قبل حدوث موت جذع الدماغ، وإلا تسبب في موت المريض موتاً حقيقياً لا رجعة فيه[273]. ويسأل الطبيب عن فعلته هذه مسئولية مدنية وجنائية، كما أنه يُسأل إذا امتنع عن تقديم المساعدة لهذا المريض الذي يعد حياً من الناحية الشرعية والطبية[274].
وفي هذا النطاق، يجوز أن يعد الإنسان ميتاً متى زالت مظاهر الحياة منه، وبدت هذه العلامات الجسدية واضحة[275]. غير أنه لا يوجد ما يمنع شرعاً من استعمال أدوات طبية للتحقق من موت الدماغ، كاستعمال رسم الدماغ لتشخيص موت الدماغ[276]. إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض، وكل أولئك دليل شرعي على الحياة في جسم الإنسان وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية[277].
إن المريض الخاضع لأجهزة الإنعاش، هو مريض تعطلت عنده بعض الوظائف الأساسية الحيوية تعطلاً مؤقتاً، والإنعاش هو علاج مكثف أو رعاية طبية مركزة لإنقاذ حياته، وبالتالي فهو يأخذ حكم الوجوب بالنسبة للمريض[278]. فالإنعاش أشبه ما يكون بإنقاذ غريق، أو من وقع تحت الهدم، فهو واجب كفائي، إن قام به بعضهم سقط عن الباقي، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع[279]. قال الإمام البغوي الشافعي: إذا علم الشفاء بالمداواة وجبت[280]. وقال الشيخ محمد المختار السلامي (مفتي الجمهورية التونسية): أما الإنعاش فيبدو لي أنه واجب، ذلك أنه لا تختلف حالة الإنعاش عن أي حالة من حالات الاضطرار التي تقلب حكم التحريم إلى الوجوب حفاظاً على الحياة[281].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الامل
مـــدير المنتدى الفنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
مـــدير المنتدى الفنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
الامل


عدد المساهمات : 19301
رصيد نقاط : 51953
رصيد حسابك فى بنك نور : 577
تاريخ التسجيل : 08/11/2009
البلد البلد : مصر

بطاقة الشخصية
عـــائلــة نــــــــــور: 50

 الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..    الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي .. Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2010 5:17 am

جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه الإسلامي ..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نور الاسلام الافضل :: 

@ المنتدى العام @ :: ***** مستشارك القانوني ****

-
انتقل الى: