السؤال: في مشادة كلامية مع زوجتي ارتفع صوتها ، وأردت أن أنهي هذا الموقف بأي شكل ، فقالت لي في حديثها : طلقني ؟ فقلت لها : أنت طالق . فقالت لي : طلقني بالثلاثة . فقلت لها : بل بالستة ، ونيتي الخلاص من هذه الزوجة فعلا . وذهبت لبيت والدها بضعة أيام ، ثم تحدثنا مع بعض مرة أخرى , وقالت لي إنها سمعت إجابة سؤال بالتلفزيون لحاله مشابها لنا ، وأفاد الشيخ أن كفارة هذا صيام ثلاثة أيام . السؤال : كيف الرجوع الشرعي الآن لزوجتي ، لأنها تريدني ، وأنا أريدها , مع العلم أننا نعيش الآن سويا , ولكنى خائف أن يكون هذا على أساس غير شرعي . أفيدوني أفادكم الله .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
إذا كرر الزوج الطلاق بلفظ واحد أو بألفاظ ، فقال : أنت طالق ثلاثا أو ستا ، أو قال : أنت طالق طالق طالق ، ثلاث مرات أو ست مرات ، فإنه يقع طلقة واحدة على الراجح ، فيملك أن يرجع زوجته خلال العدة ، إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية .
وينبغي أن تعلم أن جمهور الفقهاء على وقوع الطلاق الثلاث إذا كان بكلمة واحدا ، أي لو قال : أنت طالق ثلاثا . فإذا قال : أنت طالقا ستا ، وقعت عليه ثلاث طلقات وبانت منه بينونة كبرى ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق الثلاث يقع واحدة ، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ورجحه الشيخ السعدي رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
واستدلوا بما رواه مسلم (1472) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ ).
وإذا كان مذهب الجمهور ما ذكرنا ، فالواجب الحذر من التلفظ بالطلاق والتسرع فيه .
ولا صحة لما فهمته زوجتك من أن هذا الطلاق يكفّر بكفارة يمين ، فهذا يقال في الحلف بالطلاق وفي الطلاق المعلق الذي يراد به الحث أو المنع ، ولا يراد به الطلاق .
وأما ما تلفظت به أنت ، فالطلاق يقع به بلا شك ، إما طلقة واحدة ، أو ثلاث طلقات ، على حسب الخلاف المشار إليه .
ثانيا :
الطلاق حال الغضب منه ما يقع ومنه ما لا يقع ، فإن كان الغضب شديدا يخرج الإنسان عن شعوره وإدراك ما يقوله فالطلاق لا يقع عند عامة أهل العلم ، وإن كان الغضب شديدا ، لكن لم يذهب الشعور والإدراك ، ولم يملك الإنسان معه منع نفسه من الطلاق ، ولولا الغضب ما طلق فهذا محل خلاف ، والجمهور على وقوعه ، ورجّح بعض أهل العلم عدم وقوعه .
وأما الغضب الخفيف أو المتوسط فإن الطلاق يقع معه باتفاق العلماء .
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (45174)
ثالثا :
لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك ، كسوء العشرة من الزوج ؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
فإن وقع منها ذلك لشدة غضب أو انفعال ، فعليها أن تستغفر الله تعالى ، ولا تَعدُ إلى ذلك .
رابعاً :
المطلقة تعتد في بيت زوجها ، ولا يجوز لها الخروج منه إلا بعد انتهاء عدتها ؛ لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/1 .
ويملك الزوج في الطلاق الرجعي ، أي إذا كان طلقها مرة واحدة أو مرتين ، أن يراجع زوجته بقول لها : راجعتك ، أو نحو ذلك من الألفاظ ، أو بأن يستحل منها ما يستحله الرجل من زوجته ، إذا كان ينوي بذلك الفعل أن يراجعها .
وعلى ذلك : فإذا كنت قد راجعت زوجتك بالقول ، أو بالفعل وأنت تنوي رجعتها ، فلا حرج عليكما في العيش معا .
وإذا كنتما قد رجعتما بناء على ظن أن حالتكما مشابهة لما فهمته زوجتك من السؤال المذكور ، فهو فهم خاطئ ، كما ذكرنا ، ونرجو ألا يكون عليكما حرج فيما سلف ، لأنكما اعتمدتما على فتوى شرعية ، في ظنكما ، لكن عليك أن تراجعها رجعة صحيحة ، على ما ذكرناه لك الآن .
والله أعلم .