هل يلجأ إلى منظمات حقوق الإنسان للوصول إلى حقه
ما حكم الالتجاء إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية إذا رجي المسلم عودة حقه له ؟ وما حكم الالتجاء إلى منظمة حقوق الإنسان الموجودة في السعودية ؟ .
أولاً :
سبق أن بيّنا في جواب السؤال رقم (97827) بعض ما تخفيه المبادئ البراقة لهذه الجمعيات العالمية من الأغراض الخبيثة المصادمة لشرع الله تعالى ، وعلى ضوء ما سبق : فلا يجوز للمسلم أن يساهم مع هذه المنظمات في قيامها وإعلاناتها وتأييدها ، ولا يجوز لمسلم أن يكون عضواً فيها .
وعليه فلا يجوز للمسلم الذي يجد طريقاً شرعيّاً لرفع مظلمته أن يرفعها لهذه المنظمات ؛ لأنها تقوم على أسس تحارب الدين والأخلاق ، والتحاكم إليها مع وجود المجال للتحاكم للإسلام كفرٌ بالله تعالى ، وقد يكون كفراً مخرجاً من الملة ، وقد يكون كفراً دون كفر ، وذلك بحسب اعتقاد الشخص وحاله – كما سيأتي - .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - :
من أقبح السيئات وأعظم المنكرات : التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية ، والنظم البشرية ، وعادات الأسلاف والأجداد ، وأحكام الكهنة والسحرة والمنجمين ، التي قد وقع فيها الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسولَه محمَّداً صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق , ومن أكبر شعائر الكفر ، والظلم ، والفسوق ، وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن ، وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم , قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60 ، 61 ، وقال تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/ 49 ، 50 ، وقال عز وجل : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة/44 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة/45 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائدة/47 ، وهذا تحذير شديد من الله سبحانه لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما , وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية , فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه , وحكموا شريعته في كل شيء , واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم , وعادوا وأبغضوا من أعرض عن شريعة الله وتنقصها أو استهزأ بها وسهل في التحاكم إلى غيرها , لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقاب الله , وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه , الحاكمين بشريعته , الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعاداة أعدائه الراغبين عن شريعته المعرضين عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم - ( 12 / 259 ، 260 ) .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
ما رأيكم في المسلمين الذين يحتكمون إلى القوانين الوضعية ، مع وجود القرآن الكريم والسنَّة المطهرة بين أظهرهم ؟ .
فأجاب :
رأيي في هذا الصنف من الناس الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين في الوقت الذي يتحاكمون فيه إلى غير ما أنزل الله , ويرون شريعة الله غير كافية ، ولا صالحة للحكم في هذا العصر : هو ما قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم حيث يقول سبحانه وتعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/ 65 ، ويقول سبحانه وتعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة/ 44 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة 45 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائدة/ 47 .
إذاً فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله , ويرون أن ذلك جائز لهم , أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله : لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام , ويكونون بذلك كفاراً ظالمين فاسقين , كما جاء في الآيات السابقة ، وغيرها , وقوله عز وجل : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/ 50 .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 271 ) .
وينظر : جواب السؤال رقم ( 11233) وفيه بيان : حكم التحاكم إلى محكمة العدل الدولية .
وينظر : جواب السؤال رقم ( 84073 ) وفيه بيان : حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية .
وإذا لم يجد المسلم مجالاً لتحصيل حقه بطرق مباحة ، وضاقت عليه الأمور : فيمكنه اللجوء لتلك المنظمات ، والتحاكم إليها ، إذا كانت قضيته شرعية ، ولم يمكنه تحصيل حقه بطرق مباحة ، وهذا من باب الضرورة ، والقاعدة الشرعية " الضرورات تبيح المحظورات " .
رابعاً:
وأما منظمات حقوق الإنسان في " السعودية " فهما هيئتان – فيما نعلم - :
الأولى : " الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان " .
والثانية : " هيئة حقوق الإنسان " .
ولا حرج في رفع مظلمتك وشكواك لهما ، فهما هيئتان لا تعتمدان على نظم وقوانين ومبادئ الهيئات العالمية لحقوق الإنسان ، بل تخالفانها في مسائل كثيرة ، وتلك تنتقد هذه ودولتها في أمور متعددة .
وقد جاء في أهداف الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان – نقلاً عن موقعهم - :
- العمل على حماية حقوق الإنسان وفقاً للنظام الأساس للحكم الذي مصدره الكتاب والسنَّة ووفقا للأنظمة المرعية ، وما ورد في الإعلانات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان الصادرة عن الجامعة العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، والأمم المتحدة ، ووكالاتها ، ولجانها المختصة ، وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية .
- التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال .
- الوقوف ضد الظلم ، والتعسف ، والعنف ، والتعذيب ، وعدم التسامح .
انتهى
وقولهم " بما لا يخالف الشريعة الإسلامية " يبعث على الاعتزاز والفخر ، ويوضح بجلاء أنه لا حرج في اللجوء إليهم لرفع مظلمتك .
ومثل ذلك يقال في " هيئة حقوق الإنسان " حيث جاء بيان تأسيس الهيئة أنها تهدف إلى " حماية حقوق الإنسان ، وتعزيزها ، ونشر الوعي بها ، والإسهام في ضمان تطبيق ذلك ، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية " ، كما قاله رئيسها في لقاء معه في جريدة " الرياض " تاريخ : 08 جمـادى الأولـى 1427 هـ ، الموافق : 5 يونيو 2006 ، العدد 10051 .
والله أعلم