السرقات الفكرية والمعلوماتية ظاهرة قديمة وحديثة، قدم تاريخ الانسان بعد أن عرف الكتابة والكتاب,, لذلك فكل ما أخشاه ان نكون قد خدعنا بما يقال من ان عصرنا قد أنجب (90%) من إجمالي عدد الكتاب الذين انجبتهم البشرية على مر العصور، وأنه بفضل رقي الطباعة أصبحت أوروبا وحدها تنتج ألف كتاب كل يوم بدلاً من انتاج ألف كتاب في كل عام!
كل ما أخشاه أن يكون هذا القول قد اشتهر دون أن يوضع لتلك الظاهرة أي اعتبار أو أن تلك الحقيقة قد غيبت بقصد أو دون قصد عن أعين الاحصائيين، فالسرقة للأفكار والاغتصاب القسري للانتاج الفكري داء عمّ العالم رغم استهجانه واستقباحه، وبالرغم من أن الأنظمة وضعت قوانين وهددت بفرض الغرامات وتنفيذ العقوبات فإنها فشلت في أن توقف هذا الافتضاح أو أن تضع له حداً ينتهي قراصنة الفكر عنده، بل لقد أصبح كل مؤلف أو كاتب يضع يده على قلبه عندما يجد كتباً جديدة تطرح في الأسواق مخافة أن يواجه انتاجه للمرة الثانية في صورة مشوهة، ومازلت حتى هذه اللحظة أتذكر موقفاً حصل لي شخصياً عندما كنت في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة في العام الماضي اتصفح عناوين بعض الكتب المعروضة، فاسترعى انتباهي صراخ شخص أمام أحد رفوف العرض، فتبينته فإذا هو الأستاذ أنيس منصور الكاتب المصري، وهو في أوج غضبه ويشير بكلتا يديه إلى عدد من المؤلفات المرصوفة أمامه وهي تحمل أسماء أشخاص آخرين مع أنها مؤلفات الاستاذ أنيس منصور نفسه.
وفي اليوم التالي نشر أنيس منصور في عمود الصفحة الأخيرة (مواقف) بجريدة (الأهرام) مقالاً يسوق قصة تلك السرقة، ويناشد المسؤولين وضع حد لتلك المهزلة، ويشير إلى الآثار السلبية والأخلاقية التي يمكن أن تتحملها الأمة نتيجة ذلك الاستهتار، ودعا المنظمات والهيئات نحو التوجه إلى تشريع عملي يحد من تفشي تلك الظاهرة الخطيرة.
وما دمنا بصدد الحديث عن السرقة والسرقات فلابد أن نشير إلى تطور هذا الأسلوب، حيث تقام في الوقت الحاضر ضجة ضد شركات الإعلانات التجارية التي دأبت في الوقت الحاضر على طرق العديد من الأبواب لترويج الإعلانات التجارية بغرض الكسب والربح، فأخذت تزيف مقاطع معبرة من المسلسلات والأفلام السينمائية القديمة لتتلاءم معها في عرض إعلاني تجاري ربما كان مختلفاً من حيث توجهه وأخلاقياته عما يقصده ذلك الإعلان التجاري.
وبهذه المناسبة فقد تفشت هذه الظاهرة في معظم وسائل الإعلام ولم تكن بلادنا بمنأى عن هذه الظاهرة، وحدث هذه الأيام أن مجلة محلية لاشك أنها أنشئت لأهداف نبيلة أقدمت على ممارسة هذا اللون من السرقة ضاربة عرض الحائط بالأنظمة المعلنة لحقوق التأليف والنشر ومستهينة بما تقتضيه أخلاق المواطنة والزمالة حيث أقدمت تلك المجلة على اقتباس الكثير من موضوعات مجلتي (مجلة الشبل) للأطفال، ونشرت مواد كثيرة تربوية كنت قد نشرتها في المجلة منذ عدة سنوات.
فقبل أيام قدم لي أحد ابنائي من طلاب المدارس الابتدائية (مجلة البنات) وهي مجلة سعودية طبعت طباعة أنيقة، وأشير على الغلاف بأنها تصدر كل شهر عن الرئاسة العامة لتعليم البنات، ويقوم بنشرها وامتياز تسويق الإعلانات فيها شركة (الناقد للإعلام) في الرياض، وكانت المفاجأة أن وجدت بين صفحات تلك المجلة التي تضم عدداً كبيراً من الإعلانات التجارية حتى تبدو في مظهرها ومضمونها وكأنها مجلة مخصصة لنشر الإعلانات التجارية، فإلى جانب ما تشتمل عليه من مادة تربوية تنشر الكثير من الاعلانات التجارية عن أدوات الزينة والتجميل وعن محلات الأكلات الجاهزة، وإعلانات عن أفضل البنوك والمصارف وإعلانات الإغراء لاقتناء الهواتف النقالة والسيارات، وأماكن البيع بالتقسيط وغير ذلك من الإعلانات الداعية إلى المزيد من الاستهلاك والاستمتاع بمباهج المنتجات المختلفة,, وبينما الدهشة تتملكني وأنا اتصفح تلك المجلة إذا بي أفاجأ بالعديد من القصص المصورة والرسوم الكاريكاتيرية مما سبق أن نشر في مجلة (الشبل).
ففي العدد الرابع والعشرين من السنة الثالثة شهر ذي الحجة 1420 ه من مجلة (البنات) صفحتي 88 89 نشرت قصة مصورة بعنوان (حكاية الذئب) سبق أن نشرتها في مجلة (الشبل) السنة العاشرة غرة رجب 1412 ه أي منذ ثماني سنوات من صدور مجلة (البنات),, وفي العدد السادس والعشرين عدد صفر 1412 ه صفحة 84 نشرت مجلة (البنات) قصة (ابن النفيس واكتشاف الدورة الدموية) وقد أخذ ذلك الموضوع من قصة مصورة بعنوان (قصص الخيال العلمي) من مجلة (الشبل) ومن الصفحات 25 حتى 34 العدد 19 السنة الحادية عشرة جمادى الثانية 1413 ه أي قبل ثماني سنوات من صدور مجلة (البنات).
وفي العدد الثامن والعشرين من السنة نفسها في مجلة (البنات) نشر في الصفحتين 66 ، 67 قصة مصورة بعنوان (عباس بن فرناس) وقد سبق أن نشرت هذه القصة في الصفحات 24 حتى 29 في العدد الثالث والرابع من مجلة (الشبل) السنة الثانية عشرة في شهر صفر 1414 ه أي قبل سبع سنوات من بروز مجلة (البنات).
وفي العدد المشار إليه أيضاً,, نشرت قصة بعنوان (حكاية العنود) في الصفحات 68 حتى 71 وقد سبق أن نشرت مجلة (الشبل) هذه القصة بعنوان (فالح وقشرة الموز) في الصفحات 25 حتى 30 في العدد السابع والثامن السنة الحادية عشرة في ربيع الأول سنة 1413ه أي قبل ثماني سنوات من ظهور مجلة (البنات).
والغريب أن ملحق هذا العدد من مجلة (البنات) الصادر في 29 جمادى الآخرة 1421 ه كان قد أُخذ من مجلة الشبل بالكامل.
هذا قليل من كثير مما وجدته حتى الآن في هذه المجلة التي اختلست هذه الموضوعات من مجلة (الشبل) أو لنقل نقلتها دون اشارة إلى انه سبق ان نشرت من قبل في مجلة (الشبل) من انتاج المحررين والمتعاونين مع المجلة وفق نظام التعاون في المجلات والنشرات الأخرى.
وكم أكون مسروراً بمثل ذلك العمل برغم دونيته لو تم في نطاق الاحترام وتبادل المفيد في ثقافة الطفل رغم تعجبي من هذه السابقة التي لم أكن اتصور أن تحدث بمثل هذا التضامن بين الاخوة الناشرين في شركة (الناقد) والاخوة المشرفين على تلك المجلة,, فكل أولئك يعلمون أن ما ينشر في مجلة أو صحيفة أو كتاب هو ملكية محترمة لايجوز استعارتها إلا في حدود ما تسمح به الاخلاقيات، وأنظمة النشر.
وكان في إمكان الرئاسة بالذات أن تكلف المسؤول عن تحرير مجلة (البنات بالاطلاع على الموضوعات التي سلخت بحذافيرها من مجلة (الشبل) لتنشر في مجلة (البنات) من خلال ما لديها من أعداد مجلة (الشبل) التي سبق أن اشتركت الرئاسة بأعداد خمسة فقط تصل إليها بانتظام.
كل ما أخشاه ان تكون الرئاسة المحترمة تعتقد أن الاشتراك في مجلة (الشبل) بخمسة أعداد فقط يبيح لها سلخ ما تراه من موضوعات مناسبة من أعدادها الماضية لتنقله إلى مجلتها الحديثة (البنات) هذا من ناحية.
ثم إنني من ناحية أخرى لا أقبل أن تنشر موضوعات اخترتها وحرصت على وجودها وفق معايير تربوية خاصة تتناسب مع سمات الطفولة ان تنشر تلك الموضوعات في مجلات تحوي الكثير من الاعلانات التجارية ولاسيما قد كنت من بين من حمل لواء رفض إشاعة الاغراء الإعلاني التجاري الاستهلاكي بصيغه الفاضحة لتقديمه إلى المجتمع ولاسيما ما أشار إليه العاملون في حقل ثقافة الطفل بأنه يجب حماية الأطفال والمراهقين ما أمكن من الوقوع في بؤرة أخطار الإعلانات المغررة التي تقدمها وسائل الإعلام اللامبالية لما لتلك الإعلانات من آثار سيئة على مستقبل سلوكيات الطفل وتصرفاته.
فكيف أقبل مثل ذلك وأقبل أن تنشر مادة تربوية صالحة بين صفحات مجلة تعج بالإعلانات التجارية الهادفة إلى خلق المزيد من هوس الاستهلاك والترويج لذلك عن طريق فرض تلك النشرة وجعلها في حوزة الطالب وتحت يده؟!
وهنا أكتفي بالإشارة تاركاً هذا المجال لمن هم أكثر مني اختصاصاً ومعرفة بالتأثيرات النفسية والسلوكية على نفوس وعقول الاطفال والمراهقين,, والله من وراء القصد.