بسم الله الرحمن الرحيم
الزكاة في عروض التجارة تجب في القيمة لا في العين
يقول السائل: أنا صاحبُ محل ملابسٍ، حلَّ حولُ مالي فِي ذي الحجة، فقوَّمْتُ البضاعةَ التَّي في المتجرِ فبلغتْ نِصاباً، واستوفَيْتُ الشَّرائطَ الأخرى المطلوبة للزَّكاةِ، فهلْ يجوزُ إخراجُ الزَّكاةِ من ذاتِ العروضِ أيْ من نفسِ الملابس المعروضةِ للبيعِ أمْ أن الواجبَ هو إخراجُ القيمة ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
الزَّكاةِ تتعلق بقيمةِ الملابسِ لا في أعيانها، وهذا الحكم جار على كل العروض التجارية وهي الأمتعة والسلع المعدة للبيع بغية الربح، وإليه ذهب جمهورِ الفقهاء من المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة. فلو فرضْنَا أن قيمةَ البضاعةِ الموجودةِ عندَ التَّاجرِ تساوي 100،000 شيكل، فالواجب عليه ربع عشر هذا المبلغ أي (2،5%) منه، وهذا يساوي 2,500 شيكل.
وعلَّةُ هذا القولِ أنَّ النِّصابَ معتبرٌ بالقيمةِ، فكانتِ الزَّكاةُ فيها كالعينِ في سائرِ الأموالِ، كزكاةِ الإبل والغنمِ والزُّروعِ والثِّمارِ فإنَّ نصابَها منها وزكاتَها منها.
قال ابنُ مُفْلِح في الفروع م 1ص693:" وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُجُوبِ، كَالدَّيْنِ، لَا فِي نَفْسِ الْعَرْضِ، بِشَرْطِ أَنْ تَبْلُغَ نِصَابَ الْقِيمَةِ، فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ النِّصَابِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَكَالتَّلَفِ عِنْدَنَا".
ولأنَّ مرادَ التِّجارةِ تقليبُ المالِ بغيةَ الرِّبحِ والنَّماءِ، والنَّماءُ لا يكونُ إلا على القيمةِ، ومعلوم أنّ محلَّ النَّماءِ هو الذي تتعلقُ به الزَّكاةُ .
قال ابن قدامة في المغني جـ2ص624:"لا نُسَلِّمُ أنَّ الزَّكاةَ تجبُ في المالِ، وإنَّما وجبتْ في قيمتِهِِ".
ويؤكدُ ذلكَ أيضاً قولُ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه لحِمَاس: " قوِّمْها ثمَّ أدِّ زكاتَها".
فلفظة "قومها" تؤكد أن الزكاة متعلقة بقيمة العرض لا في عينه.
{أثر عمر رضي الله عنه حسن، أخرجه الدارقطنيّ في "سننه"، في كتاب الزكاة: باب: تعجيل الصدقة قبل الحول، برقم (13)، وأخرجه البيهقيّ في "السنن الكبرى"، في كتاب الزكاة: باب: زكاة التجارة، برقم (7392)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، في كتاب الزكاة: باب: ما قالوا في المتاع يكون عند الرجل يحول عليه الحول ، برقم (10456).
قال ابن المُلَقِّن في "خلاصة البدر المنير" (1/309): "رواه البيهقيّ بإسناد صحيح لا أعلم به بأساً". انظر: ابن حجر: تلخيص الحبير (2/180)، الزيلعيّ: نصب الراية (2/378)}.
ثم إن المصلحةَ تقتضي أن يكون الإخراج من القيمةِ، لأَنَّ الانتفاعَ بالقيمةِ أوسعُ من الانتفاعِ بالعينِ، فبالقيمةِ يمكنُ شراءُ العينِ بالمبلغِ المعتادِ، أمَّا العينُ فالتَّصرفُ فيها لتحصيلِ القيمةِ يحتاجُ إلى ملكةِ التُّجارِ وحكمتِهم، الأمرُ الذي لا يُحْسِنُهُ أهلُ الفقرِ والعوزِ، فيغبنُونَ بالسِّعرِ إذا باعُوا وفي ذلكَ انتقاصٌ لحقِهم.
[انظر: الدُّسوقيّ: الحاشية جـ2ص71ـ، النَّفراويّ: الفواكه الدواني جـ2ص512، النَّوويّ: المنهاج م2ص108، الشّربينيّ: مغني المحتاج م2ص108، النّوويّ :المجموع جـ6 ص59، ابن قدامة:المغني جـ2ص624، البّهوتي: كشَّاف القناع جـ2ص306، ابن مُفْلِح:الفروع م 1ص693].
والله تعالى أعلم