مجموعة شباب من جميع الملات (مسلم، مسيحى، يهودى، ملوش دين) يعيشون فى النمسا.. زعلوا من منع بناء المآذن فى سويسرا اعتبروها إهانه لحرية العقيدة وتعصب، فعملوا إيه؟ استخدموا أشكال وصور المآذن كزينة فى احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة.
الجميل أن هؤلاء الشباب النشط شرحوا كيف بدأت فكرتهم صغيرة، ثم انتشرت وأصبح لها صفحة وأصدقاء على موقع "فيس بوك" يتبادلون عبره التصميمات والأفكار حول حق كل الأديان فى التعبير عن معتقداتها، طالما احترمت كل جماعة الجماعات الأخرى، تحمسوا أيضا فى توزيع وتبادل ملصقات ملونة ومختلفة الأحجام لمآذن على شكل بطاقات معايدة، النتيجة أن الفكرة انتشرت بين مجموعة من الشباب السويسرى غير المتعصب أيضا فأصبح من أشد المتحمسين لفكرة المآذن كزينة لأعياد الميلاد، بما فى ذلك صنعها كحلويات من الشيكولاتة والفطائر تدخل فى صنعها المكسرات وجوز الهند، وتفوح منها النكهات الشرقية من الحبهان والقرفة والقرنفل.. بدلا من أن تبدو المآذن كصواريخ حربية على وشك الانطلاق، كما صورتها الإعلانات والملصقات العنصرية فى سويسرا خلال حملة الاستفتاء أصبحت مصدرا للبهجة والسرور.
المفرح أيضا أن مواطنا سويسريا غير مسلم بنى مئذنة فوق مدخنة مبنى مؤسسته فى لوزان، المئذنة تبدو كأنها مسجد وتقوم على قاعدة حجرية بيضاء يعلوها برج دائرى أبيض ذو نوافذ، وفوقه قبة خشبية يعلوها هلال ذهبى اللون مكتمل البناء وقال فى مؤتمر صحفى "إنها لفضيحة أن يكون السويسريون قد صوتوا لصالح حظر بناء المآّذن هذا عار".
المشكلة أن رد الفعل عندنا وفى الدول الإسلامية وفى فضائياتنا اختلف تماما وأظهر أننا نجرى وراء التوافه من الأمور ولا نفعل غير الجعجعة هنا أو هناك وأننا نتفنن فى إظهار أشخاص مغمورين ونكبر من يفعل السوء بنا أو بديننا، الدليل عندما كتب سلمان رشدى آًيات شيطانية هل تغير القراًًن ؟ هل اهتز الاسلام؟ هل دخل المسلمون الى قراًن سلمان رشدى؟ العكس هو الصحيح أصبح سلمان رشدى بطلا أمام الغرب يستقبل كرئيس وله حراسات خاصة خوفا عليه من المسلمين المتعصبين والمتطرفين.. أيضا النائب الهولندى بتاع فيلم فتنة أصبح من المشاهير عالميا.
السبب أننا حتى الآن لم نفهم مفهوم الحريه كقيمة فردية أو الديمقراطية كقيمة جماعية يحافظون عليها فى الغرب، كما يحافظ المرء على عينيه.. إننا نتعجب من القرارات التى يتخذها المواطن العادى فى أوربا وتعتمدها الحكومات بناء على تصويتات المواطن حتى وإن تسببت لها فى أزمات دبلوماسية أو اقتصادية، فالمواطن هو صاحب الحق والقرار الأول والأخير فى إرساء ما يشاء من قوانين أو اتفاقات هامة تمس حياته.. صحيح هناك تصاعد لمشاعر العداء لكل ما هو إسلامى أو يمت للثقافة الإسلامية بصلة لكن هل حاولنا أن نعرف السبب؟ هل حاولنا أن نصحح صورة الإسلام الحالية مع انتشار وتوغل ثقافة العنف وبالطبع الثقافة التفجيرية لدى المتطرفين الإسلاميين.. أعتقد أن سبب المشكلة هى الصورة المشوهة للدين الإسلامى عند الغرب والصورة المشوهة دى ممكن تكون ناجمة عن التفجيرات والعمليات الانتحارية سواء من القاعدة أو أى متطرفين آخرين والإعلام الغربى بيتعمد يسلط الضوء على كل ماهو سيئ عن الإسلام ومش ذنب الدين الإسلامى أن نماذج سيئة من المسلمين مش بيطبقوا تعاليمه يعنى العيب مش فى الدين الإسلامى، العيب فى المسلمين.. كما أن السائح عندما يذهب لبلد إسلامى ويجد أنه يسرق ويقتل وينهب ويسخر منه لأنه مش فاهم لغاتنا هيقول المسلمين حرامية.. الدليل أن المستشرقين والرحالة الأجانب معظم كتاباتهم يصفون فيها العرب والمسلمين بالكذب والخداع وامتهان السرقة.. المشكلة أيضا أننا عندنا فكرة أن كل الأجانب معندهمش دين ولا نخوة وطول النهار فى البارات ونساؤهم عاهرات وكل شى مباح.. القصة ببساطة أنهم لم يمنعوا الأذان نفسه ولم يمنعوا بناء مساجد ولم يمنعوا الصلاة فلماذا كل هذه الضجه والرسول صلى الله عليه وسلم عندما أنشأ أول مسجد فى المدينة لم يكن به مئذنة أى أنها ليست شيئا أساسيا.. كما أن الإسلام ليس له رمز وأن المئذنة بناءها من عدمه ليس رمزا لوجود الإسلام.المأذن بنيت من أجل رفع الأذان فى وقت كانت لا توجد فيه أى من التكنولوجيا الحديث مثل الساعة والكمبيوتر والنت والتليفزيون وكل هذه الأمور تؤدى الغرض من ضبط مواقيت الصلاة.. المشكلة أننا وصلنا إلى حالة مرعبة من الشيزوفرينيا الاجتماعية والفراغ الفكرى والتدين المزعوم ونلوم الآخرين قبل أن نحاسب أنفسنا فللنظر إلى أنفسنا، فنحن لا نقبل الآخر ولا حتى نشعر بوجوده ولا نريده.. إننا لدينا قناعة داخلية غير مبررة بأننا أفضل من الآخرين مع أننا لا نملك سببا واحدا على ذلك.. أبسط دليل أننا نقول إن النظافة من الإيمان ولكن لا نجد دليلا واحدا على إيماننا أو نظافتنا..اتركوا إخواننا المسلمين فى الغرب يحلون مشاكلهم بأنفسهم لأنهم يعرفون الثقافة الغربية وكيفية التعامل معها" أهل مكة ادرى بشعابها". الدليل نجاح الشهيدة مروة الشربيني بأخلاقها وأدبها وتدينها إلى جانب التحامها بمحيطها الغربى وتفوقها فى عملها دون أن تفقد هويتها العربية والإسلامية مما جمع حولها مواطنين ألمان يقفون إلى جانبها فى قضيتها ويشهدون فى صفها قبل أن يقتلها مجرم متطرف.. إن نموذج مروة الشربينى يكسب المسلم احترام الآخرين ويعطى دليلاً على قوة العقيدة والإيمان دون خوف من انهيار أو اضمحلال أو ذوبان فى ثقافة الآخر..الحكاية أننا أضاعنا هيبتنا كعرب وكمسلمين بضعف حجتنا أمام الآخر وخلافتنا بين بعضنا البعض.