الامل مـــدير المنتدى الفنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
عدد المساهمات : 19301 رصيد نقاط : 51953 رصيد حسابك فى بنك نور : 577 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 البلد : مصر
بطاقة الشخصية عـــائلــة نــــــــــور: 50
| موضوع: قضية الإعجاز العلمى للسنة النبوية المطهرة وضوابط التعامل معها ج1 الأحد فبراير 14, 2010 11:47 am | |
| يقوم الإسلام العظيم على قواعد أربع من العقيدة الصحيحة ، والعبادة السليمة ، وحسن الخلق ، وحسن المعاملة . والعقيدة الصحيحة قوامها الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وهذه القضايا تقع كلها فى إطار الغيب المطلق ، الذى يحتاج الإنسان فيه إلى بيان من الله ، بيان ربانى خالص ، لا يداخله أدنى قدر من التصورات البشرية ، وكذلك العبادة ، ودساتير الأخلاق ، وفقه المعاملات وكلها ركائز من الدين ، والإيمان بالله يقتضى التسليم له سبحانه بالألوهية ، والربوبية ، والوحدانية بغير شريك ، ولا شبيه ، ولا منازع وهو التوحيد الخالص ، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى :" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَوَالْمَلائِكَةُوَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " (آل عمران:18) . والإيمان بالله وبملائكته ، وبكتبه ورسله يقتضى التسليم بوحدة الدين وهى حقيقة يقررها ربنا تبارك وتعالى بقوله :" إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُوَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْوَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ " (آل عمران:19) . وقوله عز من قائل : " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُوَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " (آل عمران:85) . والإسلام العظيم علمه ربنا سبحانه وتعالى لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه ، وعلم آدم بنيه ، وعاش الإنسان بهذا الهدى الربانى سعيدا ، محققا رسالته فى هذه الحياة : عبدا لله الواحد الأحد ، يعبد ربه تعالى بما أمر ، ويجتهد فى حسن القيام بواجب الاستخلاف فى الأرض وعمارتها ، وإقامة عدل الله فيها ، حتى يلقى الله تعالى وهو راض عنه ! ولكن الإنسان فيه ميل للنسيان ، وفى نفسه صراع بين الحق والباطل ، وهو معرض لوساوس الشيطان ، والإغواء المستمر بالخروج على منهج الله ، ومع النسيان ، والصراع ، والإغواء تفقد المجتمعات الإنسانية نور الهداية الربانية ممثلة فى الدين الذى شرعه الله تعالى لعباده ، وهو الإسلام ، وبفقدان الدين ، أو تحريفه وتبديله تفقد تلك المجتمعات الإنسانية سعادتها ، وتهبط فى دياجير من الظلام والظلم الذى يشقيها ، ويتعسها ، فتشقى وتشقى الأرض من حولها .. ! ويظل الحال كذلك حتى يمن الله تعالى على البشرية برسول جديد يأتيهم بنفس الرسالة ومن نفس المصدر ، يدعوهم إلى الإسلام من جديد ، وظل الحال كذلك والإنسانية بين استقامة على منهج الله وانحراف عنه ، فى مد وجزر حتى من الله تعالى عليها بالنبى الخاتم والرسول الخاتم ومعه الرسالة الخاتمة "الإسلام فى كماله وتمامه" ، وهى الرسالة التى تعهد الله تبارك وتعالى بحفظها فحفظت بنفس اللغة التى أوحيت بها "اللغة العربية" ، وحفظت بتفاصيلها الدقيقة كلمة كلمة ، وحرفا حرفا على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، وذلك تحقيقا للوعد الإلهى الذى قطعه ربنا عز من قائل على ذاته العلية فقال عز من قائل :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " (الحجر:9) . هذا فى الوقت الذى تعرضت كافة صور الوحى السابقة إما للضياع التام أو لقدر من التحريف الذى أخرجها عن إطارها الربانى ، وجعلها عاجزة عن هداية البشرية ! ويخبرنا الرسول الخاتم والنبى الخاتم صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى قد من على البشرية بمائة وعشرين ألف نبى ، وأن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى من هذا الجمع الغفير من الأنبياء ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا، لا يوجد أثر لرسالاتهم اليوم إلا ما بقى من رسالة موسى عليه السلام ، وقد تعرض إلى قدر من التحريف الشديد على أيدى أحبار اليهود ، وتكفى فى ذلك الإشارة إلى أن هذه الأخبار المجموعة الآن فيما يطلق عليه اسم "العهد القديم" لم تدون إلا بعد وفاة موسى بأكثر من ثمانية قرون ، وأنه قد أضيف إليها العديد من الأسفار المنحولة ، والقصص المكذوبة ؛ ليشتروا بها ثمنا قليلا كما وصفهم القرآن الكريم . يقول الحق تبارك وتعالى : " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " (البقرة:79) . وكما قال أيضا :" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِوَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُوَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ"(البقرة:159) . وكذلك ما بقى من آثار نبى الله عيسى عليه السلام والتى كتبت بعد رفعه بأكثر من قرن من الزمان ، وبأيدى أناس عديدين من المجهولين وفى أماكن متفرقة من الأرض وفى أزمنة متباعدة ، وأنها لا تزال تعدل إلى يومنا هذا ، بين حذف وإضافة وتغيير وتبديل ، وترجمات متعارضة ، ومراجعات متعددة ، وانحراف واضح .. ! وتعهد ربنا سبحانه وتعالىبحفظ رسالته الخاتمة مرده إلى العدل الإلهى ، الذى يقتضى ألا يعذب الله سبحانه وتعالى عبدا من عباده بغير إنذار كاف وفى ذلك يقول عز من قائل :" وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " (الإسراء: من الآية15) . ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولما كانت رسالته صلى الله عليه وسلم قد تكاملت فيها كل رسالات السماء السابقة فختمت برسالته الرسالات ، وببعثته النبوات ، وانقطع وحى السماء كان لابد من حفظ هذه الرسالة الخاتمة وليتحقق وعد الله ألا يعذب عبدا إلا بإنذار ، وبإرسال رسول ن وببقاء رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم محفوظة بحفظ الله تعالى فكأنه لا يزال قائما بيننا بشيرا ونذيرا .. ! ورسالات السماء هى هداية من الله تعالى للإنسان فى القضايا التى لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها تصورات وضوابط صحيحة لوقوعها فى دائرة الغيب المطلق الذى لا سبيل للإنسان فى الوصول إليه إلا عن طريق وحى السماء ، أو فى دائرة ضوابط السلوك التى يعجز الإنسان دوما عن وضع ضوابط صحيحة لنفسه فيها ، وذلك من مثل قضايا العقيدة وهى غيب مطلق ، والعبادة وهى أوامر إلهية مطلقة، والأخلاق والمعاملات وكلاهما ضوابط للسلوك ، وهذه كلها من القضايا التى إذا خاض فيها الإنسان بغير هداية ربانية خالصة فإنه يضل ضلالا بعيدا . والذى يتأمل هذه القضايا فى كتاب الله تعالى ، وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجدها واضحة الدلالة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق ، وأن النبى الخاتم والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم كان موصولا بالوحى ، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض . وهذا التسلسل المنطقى لا يمكن لعقل سوى أن يرفضه ولكن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط بكل شىء أن الإنسان سيصل فى يوم من الأيام إلى مرحلة كالتى نعيشها اليوم يتجمع له فيها من المعارف بالكون ، ومكوناته ، وظواهره وسننه ، ما لم يتوافر لجيل من الأجيال من قبل ، فينبهر باكتشافاته العلمية ، وتطبيقاته التقنية انبهارا يغمسه فى أمور الدنيا إلى آذانه ، ويصرفه عن أمور الدين وركائزه ، أو يشغله عنها حتى يتجاهلها ، أو ينكرها بالكامل كما هو حادث فى غالبية المجتمعات غير المسلمة التى ركبها الزهو والغرور بإنجازاتها العلمية والتقنية ولذلك أبقى ربنا الحكيم الخبير فى محكم كتابه ، وفى سنة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم من حقائق الكون ووصف عدد من ظواهره ، وسننه ما يقيم على إنسان اليوم الحجة البالغة بالمنطق العلمى الذى يتباهى به أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذى يجب ألا يعبد سواه ، وأن هذا النبى الخاتم والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم الذى تلقى القرآن الكريم كان موصولا بالوحى ، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض ، وهذا وحده لمما يحرك القلوب الواعية ، والنفوس السوية ، والعقول المنصفة إلى قبول دين الله الذى لا يرتضى ربنا سبحانه وتعالى من عباده دينا سواه ، فيعود الناس وفى مقدمتهم أهل العلوم البحتة والتطبيقية مرة أخرى إلى الله مسلمين بحقائق الغيب التى بدأت الحضارة المادية المعاصرة بإنكارها ، وانتهت بحوثها العلمية إلى إقرارها والتسليم بصدقها .. !وعلى ذلك فإن من الأسرار المكنونة فى كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) ، وفى سنة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم لهى تلك الإشارات الكثيرة إلى الكون وإلى عدد من مكوناته ، وظواهره ، وسننه ، والتى جاءت فى أكثر من ألف آية صريحة من آيات القرآن الكريم ، وفى العديد من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم والتى نسلم بأنها لم تأت لنا من قبيل الإخبار العلمى المباشر لأن الكسب العلمى قد ترك لاجتهاد الإنسان جيلا بعد جيل ، ولذلك فقد جاءت تلك الإشارات الكونية كلها فى مقام الاستدلال على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة فى الخلق ، وفى التأكيد على أن الذى أبدع هذا الخلق قادر على إفنائه ، وعلى إعادة خلقه من جديد ، وقد كانت قضايا الخلق والبعث ولا تزال معضلة العقول القاصرة ، والقلوب الغافلة ، وحجتهم فى إنكار الخالق وجحوده سبحانه وتعالى ، وفى رفض ما أنزل من الدين .. !! ونسلم أيضا بأن هذه الإشارات القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة إلى الكون ومكوناته وظواهره جاءت فى مقام تنبيه المسلمين إلى أهمية التعرف على خلق الله ، واستقراء سننه فى الكون وتوظيفها فى عمارة الأرض ، وفى حسن القيام بواجبات الاستخلاف فيها . ومع هذا التسليم والإقرار تبقى الإشارات الكونية فى كتاب الله تعالى ، وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانا من الله الخالق ، ووحيا أوحاه إلى خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم فلابد وأن تكون حقا مطلقا ، ولو أن علماء المسلمين اهتموا بتحقيق تلك الإشارات تحقيقا علميا دقيقا ، وبتقديمها إلى الناس فى عصر العلم والتقنية الذى نعيشه لكانت من أنجح وسائل الدعوة إلى هذا الدين الخاتم الذى بعث به هذا النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم والذى لا يرتضى ربنا سبحانه وتعالى من عباده دينا سواه وذلك لأن فى تلك الإشارات الكونية تثبيتا للمؤمنين على إيمانهم ، وهداية للضالين التائهين من الكفار والمشركين ، وما أكثرهم فى زماننا ، وما أخطرهم على مجتمعاتنا فى زمن الضياع الذى يعيشه إنسان اليوم !! ومصادر الدين الإسلامى هى القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة التى عنيت بشرح قواعد الدين كما أنزلت فى كتاب الله وتطبيقها تطبيقا عمليا فى واقع الناس وتفصيلها وتثبيتها ومن هنا كانت العناية بالسنة ضرورة من ضرورات الدين ولازمة من لوازمه ، وكان الاسترشاد بأحكامها فى كثير من الأمور التى أجملها القرآن الكريم من العوامل المساعدة فى تفسير هذا الكتاب العظيم ولذلك حرص علماء الإسلام على جمع السنة النبوية وتمحيصها تمحيصا دقيقا وتبويبها وشرحها وصيانتها وحفظها بمختلف وسائل الحفظ كمصدر مهم من مصادر هذا الدين الخاتم . وقد اعتنى كل من القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة أساسا بركائز الدين من العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق ، والمعاملات وهى من الدين فى الصميم وكل ركيزة من هذه الركائز إذا درست بشىء من الموضوعية والحيدة فإنها تثبت لكل ذى بصيرة أن كلا من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، معجز في بيانه ونظمه ، معجز فى تشريعه وعلمه وفى خطابه للنفس الإنسانية وقدرته على تربيتها ، معجز فى تفاصيل العقيدة التى يدعو إليها والعبادة التى يأمر بها والأخلاق التى يؤكد عليها ، والمعاملات التى يحدد دساتيرها ، كما أن كلا منهما معجز فى سرده لقصص بعض الأمم السابقة ، والأحداث الغابرة ، وفى تنبؤاته بالعديد من الأمور المستقبلية التى تحقق بعضها بالفعل ، وكل ذلك يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية ، بل هو كلام الله الخالق ، كما يشهد للنبى الخاتم صلى الله عليه وسلم بالنبوة وبالرسالة ، وبأنه لا ينطق عن الهوى . كذلك فإن قصص الأمم السابقة فى كل من القرآن الكريم ، وأقوال النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم لمما يؤكد على هذه الحقيقة ، وتأتى الإشارات الكونية داعمة لهذا التأكيد بأسلوب العصر ولغته . ونحن فى محاولاتنا لفهم الآيات الكونية الواردة فى كتاب الله تعالى وفى فهم الإشارات إلى أمثالها فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نحتاج إلى فهمها فهما دقيقا فى إطار اللغة العربية ، ودلالات ألفاظها ، وأساليب التعبير فيها ، وفى أضواء أسباب النزول أو سياق الحديث النبوى الشريف ، وأسباب وروده ، وفى أنوار النصوص القرآنية والنبوية الأخرى ، وفى إطار المبادئ العامة والمقاصد الكلية للإسلام ، بالإضافة إلى توظيف كل قطعى وثابت من المعارف العلمية الحديثة فى المجال الذى تتحدث عنه الآية القرآنية الكريمة أو يشير إليه الحديث النبوى الشريف . هذا بالإضافة إلى أن إبراز السبق القرآنى والنبوى بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وأسراره وظواهره وسننه هذا السبق لكل المعارف الإنسانية بعدد متطاول من القرون مع دقة علمية فى التعبير وشمول وإحاطة فى الدلالة وإيجاز يعتبر ضربا من الإعجاز ، لمما يجعل من تلك الإشارات الكونية وسيلة من أفضل وسائل الدعوة إلى الله تعالى فى زمن التقدم العلمى والتقنى الذى نعيشه ، والذى يتعرض فيه الإسلام والمسلمون إلى هجمة همجية كافرة شرسة مدعومة بكل وسائل التفوق المادى ولكنها تفتقر إلى أبسط القيم الإنسانية ، وأقل الضوابط الأخلاقية والسلوكية الصحيحة ! فمنذ أن انتهت الحروب الصليبية بهزيمة جيوش الغرب المعتدية على أرض فلسطين واندحارها أمام جحافل الجيش الإسلامى انصب تفكير الغربيين على الانتقام من المسلمين بمحاولة تشويه الدين الإسلامى تحت مظلة دراسته ونقده ، وفى هذا الجو الملىء بالكراهية والتعصب الأعمى ضد الإسلام وأهله ظهرت مدارس الاستشراق التى كرست جهدها فى دراسة الإسلام ، والحضارة الإسلامية ، وتاريخ ، وعادات ، وسلوكيات المسلمين من أجل إيجاد ثغرات للهجوم عليهم منها ، وطبيعى أن تأتى هذه الدراسات فى غالبيتها بنتائج أبعد ما تكون عن الإنصاف ، وعن الموضوعية ، وعن الحيدة العلمية ، وتأتى أعمال المستشرقين غالبا وهى مشوبة بكثير من مشاعر الكراهية ، ونزعات الغرور والاستعلاء .. ! وفى هذه الحروب الاستشراقية حاول المستشرقون التهجم على القرآن الكريم ، وعندما فشلوا فى ذلك ، وارتدت أسلحتهم إلى صدورهم ، وجهوا سهامهم إلى السنة النبوية المطهرة فى حملة تشكيكية منظمة كانت دعواهم فيها أن السنة لم تدون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك خشية على القرآن الكريم حتى لا يختلط شىء من السنة بتدوينه . وهؤلاء النفر من شياطين المستشرقين يعلمون جيدا أن السنة النبوية الشريفة هى المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى وهى الصلة الوثيقة بين أجيال الأمة الإسلامية من جهة ، وبين نبيها ورسولها الخاتم صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى ، وهو إمام الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، وأن قطع هذه الصلة بالتشكيك فى سنة هذا الرسول الخاتم والنبى الخاتم صلى الله عليه وسلم تمثل تشكيكا فى الإسلام ، وهدما لركن أساسى من أركانه .. ! وعلى الرغم من وضوح الهدف من وراء هذه الهجمة الاستشراقية المغرضة والمتسترة زورا برداء البحث العلمى لتخفى كما هائلا من الكراهية والحقد والتعصب للباطل ضد الحق والداعية زورا وبغير أدنى دليل مادى إلى التشكيك فى حجية السنة النبوية الشريفة ، وفى مصداقية رواتها وجامعيها وشراحها ، وأغلبهم من كرام الصحابة والتابعين ، وتابعى التابعين ومن بعدهم أملا فى إغراء المسلمين بالإعراض عن سنة نبيهم كوسيلة من وسائل هدم هذا الدين الخاتم فإن نفرا من أبناء المسلمين قد انساق وراء هذه الصيحات الشيطانية المنكرة والمؤامرات الحاقدة الماكرة فنادى بأن الدين جاء فى القرآن الكريم لأنه متواتر وفى السنة العملية لأنها من حيث العمل بها فى تواصل أصبحت تحقق صفة التواتر ، أما عن السنة القولية فلا يلزم العمل بها .. وفى هذا الادعاء الباطل افتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنته ، ومعارضة صريحة لمقولته الشريفة :" فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين ، عضوا عليها بالنواجذ " (الترمذى ، أبو داود ، أحمد ، وابن ماجه) . وقوله : " ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه " (أبو داود) . وفى هذا الادعاء الباطل أيضا مخالفة صريحة لأوامر الله لقوله عز من قائل :" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " (الحشر: من الآية7) . وتتلخص مصادر التشريع الإسلامى فى القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، والإجماع ، والقياس . والسنة هى : ما أثر عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة الشريفة أو بعدها . وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة بنص القرآن الكريم إذ يقول الحق :" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " (آل عمران:132) . ويقول : " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " (الحشر: من الآية7) . ولقد قرن ربنا سبحانه وتعالى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فى آيات كثيرة من آيات القرآن الكريم واعتبر مخالفة ذلك كفرا . مثل قوله تعالى :" قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " (آل عمران:32) . وكذلك قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " (سورة الأنفال24) ويعتبر القرآن الكريم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة لله واتباعه حبا لله حيث يقول على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ " (آل عمران: من الآية31) . ويحذر القرآن الكريم من مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول :" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (النور: من الآية63) . ويحرم القرآن الكريم على المؤمنين مخالفة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عصيان أوامره حيث يقرر :" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً " (الأحزاب:36) . والقرآن الكريم ينفى الإيمان عن الذين يعرضون عن تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواطن الخلاف بينهم فيقول :" فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " (النساء:65) . ويؤكد القرآن الكريم على أن السمع والطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم من صفات المؤمنين ومن لوازم الفلاح فى الدنيا والآخرة فيقول :" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (النور:51) . ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتى ". ويقول صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتى ، وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " . ويقول صلى الله عليه وسلم : " كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ ". قال صلى الله عليه وسلم : " من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى " . ويقول صلى الله عليه وسلم : "رحم الله امرءا سمع مقالتى فأداها كما سمعها ، فرب مبلغ أوعى من سامع". وقد حذر صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه تحذيرا شديدا فقال : " إن كذبا على ليس ككذب على أحد ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " . ولذلك حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نقل أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بدقة بالغة على اعتبار أقواله وأفعاله وتقريراته أحكاما شرعية لا يختلفون عليها ، بل يسلمون بها تسليما مطلقا ، ويتبعونها اتباعا تاما ، ويلزمون أنفسهم بها إلزاما كاملا ، ومن هنا فقد حرصوا على حفظها وتناقل نصوصها نقلا متواترا وعلى تدوينها فى حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعد مماته على الرغم من حرصه الشديد صلى الله عليه وسلم على القرآن الكريم وتدوينه قبل كل شىء فقال :" لا تكتبوا عنى ، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه " . إلا أن النهى هنا كان خاصا بمن لا يؤمن عليه الغلط والخلط بين القرآن والسنة ، وأنه قد نسخ بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمرو : " اكتب عنى فوالذى نفسى بيده ما خرج من فمى إلا الحق " . وعلى الرغم من ذلك كله فقد حمل أعداء الإسلام على السنة النبوية المطهرة وهاجموها وشككوا فى حجيتها وفى صدق جامعيها ورواتها من أعلام الصحابة والتابعين وتابعى التابعين . ومن المؤسف حقا أن يتبع أعداء الإسلام فى ذلك نفر من أبناء المسلمين الذين انخدعوا بمناهج المستشرقين والمؤرخين الغربيين وهو منهج كاذب لجهلهم بحقائق الإسلام وتراثه ولحقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين ، ولتعصبهم الأعمى وغرورهم واستعلائهم على معرفة الحق . ونحن لا ننكر أن محاولات كل الحاقدين م المشركين والكافرين والمنافقين والزنادقة والشعوبيين فى الدس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفى وضع الحديث ، وأن الخلافات السياسية التى أثارها هؤلاء فى أواخر خلافة سيدنا عثمان رضى الله عنه وفى خلافة سيدنا علىّ رضى الله عنه كانت من الأسباب المشجعة على وضع الحديث إلا أن جهود علماء المسلمين من أجل تحقيق السنة وتنقيتها من دس الوضاعين قد فاقت جهود التحقيق فى أى مجال آخر ، وقد سلكو من أجل تحقيق ذلك طرقا فى النقد والتمحيص لم يسبقوا بها من تمحيص إسناد الحديث والتوثق منه ، وأنشأوا من أجل ذلك من العلوم ما لم تعرفه البشرية من قبل مثل علم الجرح والتعديل ، وعلم مصطلح الحديث ، وغيرها من علوم الحديث التى فاقت الخمسة والستين علما ، وبذلك قسموا الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف وتمكنوا من تدوين السنة النبوية المطهرة ، كما لم يدون علم من العلوم الإنسانية من قبل ولا من بعد . وردا لهذه الدعوة الباطلة المشبوهة اخترت فى هذا الكتيب عددا محدودا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التى أشارت إلى بعض أشياء الكون وظواهره شارحا ما جاء فيها من حقائق كونية ، ودقة تعبيرية ، وصياغة علمية سلسة ، وسبق بين بالإشارة إلى تلك الحقائق أو الظواهر والسنن التى لم تصل إلى إدراك الإنسان إلا منذ عقود قليلة ، وقد تكلم بها المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل أربعة عشر قرنا ، وهذا السبق يؤكد جانبا من جوانب الإعجاز فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهو الإعجاز العلمى الذى لم يسبق أن لقى اهتماما كافيا من علماء الحديث ، ولا من المشتغلين بجوانب الإعجاز العلمى فى كتاب الله . وهذا الجانب الإعجاز العلمى هو أحد جوانب الإعجاز العديدة فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحده كاف لدحض دعاوى المبطلين ، وتشكيك المشككين فى صدق رواة الحديث ودقة جامعيها ، والدعوة الباطلة إلى إسقاط حجيتها ، مع تسليمنا بأن هناك من الأحاديث الضعيف ، والغريب ، والموضوع ، والمضطرب ، والشاذ ، والمردود ، والمتروك ، والمعل ، والمنكر وغيرها من الأحاديث التى لا يؤخذ بها ، والتى قام علماء الحديث بغربلتها غربلة دقيقة فى تصانيفهم لها . وعلماء الحديث بصفة عامة وعلماء الجرح والتعديل بصفة خاصة قد أعطوا علم الحديث من جهدهم ما أغنانا عن الخوض فى كلام دسه أعداء الإسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم زورا وبهتانا ، وكان علم الحديث مدرسة تعلم منها الغرب معنى التوثيق العلمى الصحيح .الضوابط اللازمة للتعامل مع قضية الإعجاز العلمى للسنة النبوية المطهرة : أولا : تعريف لفظة "الإعجاز" (الإعجاز) لفظة مشتقة من إثبات (العجز) وهو الضعف وعدم القدرة . يقال : (عجز) عن كذا : أى لم يقدر عليه ، فهو (عاجز) عن الإتيان به ، وجمعه (عواجز) . يقال : (عجز) (عجزا) و(عجوزا) ، و(عجزانا) و(معجزا) بفتح الجيم وكسرها ، و(معجزة) أيضا بفتح الجيم وكسرها ، ولذا يقال : رجل (عجز) بضم الجيم وكسرها أى (عاجز) ، وامرأة (عاجزة) و(عاجز) ، كما يقال : (عجزه) الشىء أو الأمر بمعنى فاته ولم يقدر عليه . ويقال : (عجزه) و(أعجزه) و(استعجزه) أى صيره (عاجزا) نسبة إلى (العجز) ، وتستعار لمعنى التثبيط أى بمعنى ثبطه . كما يقال : (عاجزه) (معاجزة) أى سابقة مسابقة ، و(تعجز) أى ادعى (العجز) ؛ و(الأعجز) هو العظيم العجز ومؤنثه (العجزاء) و(المعجاز) هو الدائم العجز ، و(المعجوز) الذى (أعجز) . ويقال : (عجز) (عجوزا) أى صار (عجوزا) ، و(العجوز) وجمعه (عجز) و(عجائز) المرأة المسنة . و(العجز) وجمعه (أعجاز) مؤخر الشىء أو الجسم (وتكتب بفتح الجيم وكسرها وضمها وبفتح العين وضم الجيم أو كسرها) ، و(عجز) بيت الشعر هو الشطر الثانى منه ، و(أعجاز) النخل هى أصولها . ويقال : (أعجز) فى الكلام أى أدى لمعانيه بأبلغ الأساليب . و(الإعجاز) بمعنى السبق والفوت مصدر من (أعجز) . وعلى ذلك تعرف (المُعْجِزة) وجمعها (المعجزات) بأنها الأمر الخارق للعادة ، السالم من المعارضة ، المقرون بالتحدى لعجز البشر عن الإتيان بمثله . وإعجاز السنة النبوية المطهرة معناه (عَجْز) الخلق أجمعين فى زمن الوحى ، ولقرون متطاولة من بعده عن الإتيان بشىء من مثلها وذلك لما احتوته من حق وعلم سابق لزمانه بأكثر من عشرة قرون كاملة . وإثبات الإعجاز العلمى لأقوال الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فى عصر التقدم العلمى والتقنى الذى نعيشه هو من أنسب وسائل الدعوة إلى دين الله تعالى باللغة التى يفهمها أهل عصرنا ، وهى لغة العلم فوجود كم هائل من الحقائق العلمية التى لم تصل إليها العلوم المكتسبة إلا فى العقود المتأخرة من القرن العشرين فى أقوال نبى أمى صلى الله عليه وسلم بعث فى أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين من قبل أربعة عشر قرنا لمما يقطع له بالنبوة وبالرسالة . وفى سبيل إثبات ذلك لابد من توظيف الحقائق العلمية القاطعة التى حسمها العلم والتى لا رجعة فيها ، وهذا الالتزام واجب حتمى فى التعرض لإثبات الإعجاز العلمى لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها باستثناء الأحاديث المتعلقة بالأمور الغيبية غيبة كاملة من مثل الذات الإلهية ، الملائكة ، الجن ، الروح ، حياة البرزخ ، البعث ، الحساب ، الميزان ، الصراط ، الجنة والنار ، ومن مثل قضايا الخلق بأبعادها الثلاثة : خلق الكون ، خلق الحياة ، وخلق الإنسان ، وقضايا إفناء ذلك كله وإعادة خلقه من جديد لأن عمليات الخلق قد تمت فى غيبة كاملة من وعى الإنسان ، ولكن الله تعالى قد أبقى لنا فى صخور الأرض وفى صفحة السماء من الشواهد الحسية ما يمكن أن يعين الإنسان بإمكانياته المحدودة فى الوصول إلى تصور ما عن عملية الخلق إلا أن هذا التصور يبقى فى مجال الفروض والنظريات ، ولا يمكن أن يرقى إلى مقام الحقيقة أبدا ، لأن الحقيقة العلمية لابد وأن تكون واقعة تحت حس الإنسان وإدراكه على الرغم من محدودية ذلك الحس وهذا الإدراك . ومن هنا فإن العلوم المكتسبة لا يمكن لها أن تتجاوز مرحلة التنظير أبدا فى هذه القضية قضية الخلق بأبعادها الثلاثة وتتعدد النظريات فى تفسير خلق كل من الكون والحياة والإنسان بتعدد خلفيات واضعيها : من الإيمان أو الكفر ، والتوحيد أو الشرك ، والسعادة أو الشقاء ، والجدية أو الهزل ، والاستقامة أو الانحراف وغير ذلك من الخلفيات التى تحكم صياغة النظريات العلمية . وفى هذا الخضم المتلاطم من الفروض والنظريات يبقى للمسلم نور من الله تعالى فى آية قرآنية كريمة أو فى حديث نبوى شريف مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن أن يعينه على الارتقاء بإحدى هذه النظريات إلى مقام الحقيقة لا لأن العلوم المكتسبة قد أثبتت ذلك ولكن لمجرد وجود إشارة إلى تلك الحقيقة فى كتاب الله الخالق أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونكون فى هذه الحالة قد انتصرنا للعلم بالقرآن الكريم أو بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ولم ننتصر بالعلم لأى منهما . أما باقى الإشارات العلمية التى جاءت فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلقة بالأشياء المحسوسة المدركة من أمور هذا الكون .فلا يجوز أن يوظف فى الاستشهاد على سبقها العلمى إلا بالحقائق القطعية الثابتة التى لا رجعة فيها وبالضوابط المنهجية التالية : (1) حسن فهم النص اللغوى للحديث النبوى الشريف وفق دلالات الألفاظ ، وقواعد اللغة ، وأساليب التعبير فيها على ألا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية ، وعند الضرورة اللازمة . (2) فهم مناسبة الحديث إن وجدت ، وتحديد درجته . (3) جمع الروايات المختلفة للحديث الواحد إن وجدت . (4) جمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع الواحد إن وجدت ورد بعضها إلى بعض ، بمعنى فهم دلالة كل منها فى ضوء الآخر فأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر بعضها بعضا كما تؤيده الآيات القرآنية الكريمة ، ولذلك يجب توظيف كل الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع الحديث النبوى الشريف من أجل حسن فهمه كلما توفرت تلك الآيات . (5) مراعاة سياق الحديث كاملا دون اجتزاء للنص . (6) مراعاة قاعدة أن العبرة هى بعموم لفظ الحديث لا بخصوص السبب فى قوله (7) توظيف الحقائق العلمية القاطعة فى الاستشهاد على سبق الحديث أو الأحاديث النبوية الشريفة بالإشارة إلى تلك الحقائق وذلك فى جميع القضايا المدركة الملموسة والتى أشار إليها الحديث النبوى الشريف ووصل العلم المكتسب فيها إلى الحقيقة , أما فى القضايا التى لم يصل فيها العلم إلى حقيقة بعد فيمكن الاستفادة بالحديث النبوى الصحيح وبآيات القرآن الكريم فى الارتقاء بإحدى النظريات المطروحة إلى مقام الحقيقة أو الوصول إلى حقيقة أخرى يفصلها القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة وذلك من مثل أحاديث الخلق والإفناء والبعث . ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عدم التكلف ، أو محاولة لى أعناق كلمات الحديث من أجل موافقتها للحقيقة العلمية وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم فى أمر الدين . والقرآن الكريم يصفه بأنه :" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى " (لنجم:35) (9) عدم الخوض فى القضايا الغيبية غيبة مطلقة كالذات الإلهية ، والملائكة والجن والروح ، وحياة البرزخ ، وقيام الساعة ، والبعث ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، والجنة ، والنار وغيرها والتسليم بالنصوص الواردة فيها تسليما إيمانيا كاملا انطلاقا من الإيمان ببعثة النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينطق عن الهوى ، ويقينا بعجز الإنسان عجزا كاملا عن الوصول إلى مثل هذه الغيبيات المطلقة . (10) التأكيد على أن وصف أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخرة ومشاهدها لا يمكن تفسيره تفسيرا علميا ، وذلك لأن الآخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة ، وأنها لا تحتاج هذه السنن الدنيوية الرتيبة ، لحدوثها فجأة بأمر من الله تعالى ، وأن ما ترك الله لنا فى كل من صخور الأرض وصفحة السماء من الشواهد الحسية على فناء الكون هو من قبيل مساعدتنا على فهم حتمية حدوث ذلك وليس على فهم كيفية حدوثه . (11) ضرورة مراعاة التخصص الدقيق فى مراحل إثبات وجه الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى الشريف لأن الإعجاز العلمى مجال تخصصى على أعلى مراتب التخصص فلا يجوز الخوض فيه من قبل كل خائض ، كما لا يمكن لفرد واحد أن يغطى تحقيق كل جوانب الإعجاز العلمى فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تغطى مساحة هائلة من العلوم المكتسبة تمتد من علم الأجنة إلى علم الفلك وما بينهما من مختلف العلوم والمعارف الإنسانية . (12) ضرورة التفريق بين المحقق للإشارة العلمية فى حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والراوى للتحقيق مع ضرورة الإشارة إلى المحقق الأول فى كل حالة . (13) التأكيد على أن ما وصل إليه المحقق العلمى فى فهم دلالة الإشارة العلمية فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منتهى الفهم لها أو للحديث ذاته فقد يأتى من بعده ما يرى فى تلك الإشارة ما لم يره هو لأن الله تعالى قد آتى خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم . (14) ضرورة مراعاة أن نص الحديث النبوى الشريف قد ينطبق على حقيقة علمية ثابتة ولكن ذلك لا ينفى مجازا مقبولا بقرينة منطقية معقولة مقصودا بنص حديث أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه الكرام . (15) عدم التقليل من جهود العلماء السابقين فى محاولاتهم الجادة لفهم دلالة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حدود المعلومات التى كانت متاحة لهم فى زمانهم . (16) التفريق بين قضيتى التفسير العلمى للإشارات الكونية فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وما فيها من سبق بالإشارة إلى تلك الحقائق يقدر بأكثر من عشرة قرون كاملة وهو ما يعرف باسم الإعجاز العلمى للأحاديث النبوية الشريفة وذلك لأنه لم يكن ممكنا لأى من البشر الوصول إليها عن طريق العلوم المكتسبة أبدا فى زمن الوحى ، ولا لقرون عديدة من بعده . (17) الأخذ فى الاعتبار إمكانية الانطلاق من الحديث النبوى الشريف للوصول إلى حقيقة كونية لم تتوصل العلوم المكتسبة إلى شىء منها بعد . انطلاقا من الإيمان الكامل بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى . (18) احترام كل حديث محقق منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد هذه النسبة إليه ، فإن فهمه المسلم عمل به ، وإن لم يفهمه توقف دون التجرؤ على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم . وضرورة الرجوع إلى علماء الحديث فى الحكم على سنده ودرجة قوته . (19) استخدام الحق العلمى الوارد فى أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة من وسائل إزالة الغرابة عن الحديث أو رفع درجته لأنه ليس كل حديث غريب أو ضعيف بغير صحيح . (20) يجب تحرى الدقة الكاملة فى التعامل مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخلاص النية فى ذلك ، والتجرد لهذا التعامل من كل غاية وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " . | |
|
رانا نجم نجوم المنتدى
عدد المساهمات : 8555 رصيد نقاط : 25674 رصيد حسابك فى بنك نور : 262 تاريخ التسجيل : 04/12/2009
| موضوع: رد: قضية الإعجاز العلمى للسنة النبوية المطهرة وضوابط التعامل معها ج1 الأحد فبراير 14, 2010 9:03 pm | |
| | |
|