هل الإكراه على الزنا يبيحه ؟
[right]السؤال : يحدث في بلدنا (بلدة في أفريقيا) ان يقوم السطاة المسلحين بتهديد شخص بالقتل اذا لم يمارس الجنس وخصوصا مع أمه أو أخواته وأريد معرفة هل يجوز للشخص في هذه الحالة اقتراف هذا الفعل؟ وإذا قتل لرفضه فهل يعد ذلك انتحار؟
الحمد لله
لا شك أن ما ذكرت من إكراه الرجل على الزنا بأمه أو أخته من أعظم المصائب ، ولا يأمر بهذا من لديه ذرة من مروءة أو شرف أو دين مهما كان عدوا .
ومن ابتلي بذلك فليصبر وليختر القتل على الزنا ؛ لأن الزنى لا يبيحه الإكراه عند أكثر العلماء ، ولأنه إن زنى لم يأمن على نفسه من عدوه القادر أن يعود فيقتله ، وإن عاش عاش بالخزي والألم . والظاهر أن مراد عدوه هو إذلاله ثم قتله .
وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن من أكره على الزنا بامرأة لم يجز له الإقدام عليه ؛ لتعلق ذلك بحقوق الناس ، فلا يجوز أن يحمي نفسه بالاعتداء على حق غيره ، فكيف إذا كان ذلك بأمه أو أخته .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله : "وقالوا فيمن أكره على قتل رجل أو على الزنا بامرأة : لا يسعه الإقدام عليه لأن ذلك من حقوق الناس وهما متساويان في الحقوق , فلا يجوز إحياء نفسه بقتل غيره بغير استحقاق , وكذلك الزنا بالمرأة فيه انتهاك حرمتها بمعنى لا تبيحه الضرورة وإلحاقها بالشين والعار" انتهى من "أحكام القرآن" (3/285) .
وقال ابن فرحون رحمه الله : "تنبيه : قال عبد الملك : قالوا وكذلك إن استكرهه على أن يزني وحمل السيف على رأسه , أقيم الحد عليه في ذلك ووجب عليه إثمه , وليس هذا من الاستكراه الموضوع عن صاحبه , وإنما الموضوع عن صاحبه إثم ما ركب بالاستكراه في الأيمان والطلاق والبيع والإفطار في رمضان وشرب الخمر وترك الصلاة ، كما إذا عدا قوم على رجل واستكرهوه عن الصلاة وقالوا له : إن صليت وأنت معنا ضربنا عنقك , وأشباه هذا مما هو لله تعالى" انتهى من "تبصرة الحكام" (2/174) .
وقال السيوطي رحمه الله : "ما يباح بالإكراه وما لا يباح فيه فروع : الأول : التلفظ بكلمة الكفر , فيباح به , للآية . ولا يجب , بل الأفضل : الامتناع مصابرة على الدين , واقتداء بالسلف . وقيل : الأفضل التلفظ , صيانة لنفسه . وقيل : إن كان ممن يتوقع منه النكاية في العدو , والقيام بأحكام الشرع فالأفضل التلفظ , لمصلحة بقائه , وإلا فالأفضل الامتناع ...
الثالث : الزنا , ولا يباح به بالاتفاق أيضا ; لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره رجلا , أو امرأة" انتهى من "الأشباه والنظائر" (ص 206) .
وقال البهوتي رحمه الله : "وإن أكره الرجل على الزنا فزنى مكرها حُدَّ ، لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث بالاختيار بخلاف المرأة ، وعنه [يعني : الإمام أحمد] لا حد على الرجل المكره كالمرأة ، واختاره الموفق وجمع ، لعموم الخبر ولأن الإكراه شبهة" انتهى بتصرف من "كشاف القناع" (6/97) .
والخلاف في إقامة الحد على المكره ، لا يعني إباحة الفعل ، لأن الحد يسقط لوجود الشبهة .
وجوز كثير من المالكية للمكره على الزنى أن يفعل إذا كان المزني بها طائعة غير متزوجة . فإن كانت مكرهة - كما هو الحال في مسألتنا - أو كانت ذات زوج لم يجز .
قال خليل وهو يذكر بعض ما لا يجوز فعله ولو تحت التهديد بالقتل : "لا قتل مسلم وقطعه ، ولا أن يزني" .
قال الدردير رحمه الله في شرحه : "(ولا من أن يزني) أي بمكرهة أو ذات زوج أو سيد فلا يجوز بخوف القتل . وأما بطائعة لا زوج لها ولا سيد فيجوز مع الإكراه بالقتل لا غيره" انتهى من "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي" (2/369) .
فإن زنى المكره ، ففي حدّه خلاف :
ففي "الموسوعة الفقهية" (24/32) : "واختلف الفقهاء في حكم الرجل إذا أكره على الزنى : فذهب صاحبا أبي حنيفة ، والمالكية في المختار والذي به الفتوى ، والشافعية في الأظهر إلى أنه لا حد على الرجل المكره على الزنى للحديث السابق ولشبهة الإكراه .
وذهب الأكثر من المالكية - وهو المشهور عندهم - ، والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية إلى وجوب الحد على المكره , وذلك لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث بالاختيار .
وفرق أبو حنيفة بين إكراه السلطان وإكراه غيره , فلا حد عليه في إكراه السلطان ... والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين" انتهى .
نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل شر وبلاء وفتنة ، وأن يرد كيد أعدائهم في نحورهم .
والله أعلم .