[right] [right]وقع في الزنا مع فتاة ويريد الزواج بها ولكن أهلها يرفضون وله عدة أسئلة
[right]السؤال : تورطت في علاقة جنسية مع فتاة من أقربائي ، ولكنها قرابة بعيدة ، وطلبت منها أمها أن تتركني ، لشدة قربها منى عندما كنت شخص سيء السلوك . لقد أسأت التصرف مع والدتها وبعد ذلك شعرت بالندم وطلبت من الأم أن تقبل أسفى ، وتوسلت إليها ، وكدت أقبل قدمها كي تسامحني ، فقالت : والدتها إنها سامحتني ، ولكنها لن تزوجني ابنتها. ابنتها على علاقة بي منذ خمس سنوات ، وارتكبنا الزنا مرات كثيرة لا تحصى ، ولكننا تبنا وسألنا المغفرة من الله . كانت الفتاة صادقة معي ، وكنت صادقا معها ، وقالت إننا سنتزوج لارتكابنا الزنا ، ولكن فجأة قالت لي إنها لا تستطيع العيش معي ، وإنها ستتركني . ومنذ عام بذلت قصارى جهدي محاولا الاتصال بها ، ولكنها لم تتصل بي ، ولم تتحدث معي بعد ذلك . أنا لا أعرف إن كانت والدتها قد ضغطت عليها لكيلا تكلمني ، أو أقنعتها بذلك ، أو ماذا حدث؟ سؤالي : 1- ما هو الحل إذا كنا ارتكبنا الزنا ، ولا نستطيع أن نتزوج ؟ فهل لو تزوجنا سينقص ذلك من جنايتنا ؟ 2- إذا لم نتزوج هل سيغفر الله لنا هذه الجناية ، لو أخذ كل منا مائة جلدة ؟ أو ببساطة : نسأل الله المغفرة بدون أخذ مائة جلده ؟ 3- لو أرادت أن تتزوج ووالدتها لم تتركها ، فهل نستحق المائة جلده على هذه الجناية ؟ 4- لو غيرت الفتاة رأيها فى الزواج بسبب والدتها ، وهى تعلم أنها ينبغي أن تتزوج بالشخص الذي ارتكبت معه الزنا ، فماذا تكون درجة الجناية للفتى و الفتاة ؟ سأكون ممتنا إذا أعطيتموني من وقتكم الثمين في الرد على أسئلتي .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
اعلم أيها المبتلى المصاب في دينه ، وذلك أعظم المصاب ، أن فجرة الزنا هي من أعظم الجرائم التي نفر الله عباده منها ، وبين لهم سوء عاقبتها . قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء/32 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله ؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه ؛ فإن: " من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " ، خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه .
ووصف الله الزنى وقبحه بأنه { كَانَ فَاحِشَةً } أي : إثما يُستفحش في الشرع والعقل والفطر ، لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله ، وحق المرأة ، وحق أهلها أو زوجها ، وإفساد الفراش ، واختلاط الأنساب ، وغير ذلك من المفاسد .
وقوله : { وَسَاءَ سَبِيلا } أي : بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم !! " انتهى.
"تفسير السعدي" (457) .
ثانيا :
الزنا جريمة مستقلة ، في آثامها ، وآثارها ، لا يرفع شيئا من إثمها إلا أن تتوب إلى الله عز وجل توبا نصوحا ، كما قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا )الفرقان/68-70.
وليس من شروط التوبة النصوح إن يتزوج الزاني بمن زنى بها ؛ بل لا بد لزواجه بالمزني بها أن تتوب أولا ، ثم يتزوجها بعد ذلك ، إن شاء .
كما لا يزيد من إثم الزنى أن ترفض أمها زواجها منك ، أو لا يتيسر لكما ذلك بعدما تبتما إلى الله تعالى ، كما أنه لا إثم على الفتاة ، ولا على أهلها ، إذا رفضت الزواج ممن زنى بها ؛ إن الزواج ، وإن كان فيه ستر على ما وقع بينكما من الفواحش والقاذورات ؛ فإنه ليس علاجا شرعيا لإثم الزنا وعاره ؛ إن علاج ذلك هو التوبة النصوح ، والإصلاح ـ قدر ما أمكنكما ـ فيما بقي ، والاستكثار من الحسنات ، لعل الله أن يمن عليكما بالقبول .
وينظر جواب السؤال رقم (14381) ورقم (11195) .
ثالثا :
إن التوبة لا تمنع من إقامة الحد على من تاب ، ولا تسقطه عنه إذا قامت عليه البينة ، ولا تنقص من مقداره .
وليس من شروط صحة التوبة ـ أيضا ـ أن يقام الحد في الدنيا ؛ بل متى انكشف ذنب المذنب ، وأقيم عليه الحد في الدنيا : كان ذلك الحد كفارة له ، وإذا ستر الله عليه ، فأمره بعد ذلك إلى الله.
روى البخاري (17) ومسلم (3223) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : ( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ؛ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ؛ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك ) .
قال ابن رجب :
" وهذا صريح في أن إقامة الحدود كفارات لأهلها . وقد صرح بذلك سفيان الثوري ، ونص على ذلك أحمد في رواية عبدوس بن مالك العطار ، عنه . و قال الشافعي : لم أسمع في هذا الباب أن الحد كفارة أحسن من حديث عبادة " . انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (1/72) .
وقال أيضا :
" وقد اختلف العلماء : هل إقامة الحد بمجرده كفارة للذنب من غير توبة أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : أن إقامة الحد كفارة للذنب بمجرده ، وهو مروي عن علي بن أبي طالب ، وابنه الحسن ، وعن مجاهد ، وزيد بن أسلم ، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد ، واختيار ابن جرير وغيره من المفسرين .
والثاني : أنه ليس بكفارة بمجرده ، فلابد من توبة . وهو مروي عن صفوان بن سليم وغيره ، ورجحه ابن حزم وطائفة من متأخري المفسرين، كالبغوي وأبي عبد الله بن تيمية وغيرهما. واستدلوا بقوله تعالى في المحاربين : ( ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ ( [ المائدة : 33 ] .
وقد يجاب عن هذا : بأن عقوبة الدنيا والآخرة لا يلزم اجتماعها ، فقد دل الدليل على أن عقوبة الدنيا تسقط عقوبة الآخرة . وأما استثناء الذين تابوا فإنما استثناهم من عقوبة الدنيا خاصة ، ولهذا خصهم بما قبل القدرة ، وعقوبة الآخرة تندفع بالتوبة قبل القدرة وبعدها .
ويدل على أن الحد يطهر الذنب : قول ماعز للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إني أصبت حدا فطهرني . وكذلك قالت له الغامدية ، ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فدل على أن الحد طهارة لصاحبه " انتهى . من فتح الباري ، له (1/73-74) ، وينظر : فتح الباري ، لابن حجر .
رابعا :
إذا كان الحد كفارة وطهرة لصاحبه ، وكان صاحب الذنب قد ستر الله عليه ، فلم يُكْتشفْ أمره ؛ فهل الأفضل في حقه أن يقر على نفسه بالذنب عند الإمام ، ليطهره بإقامة الحد ، أو الأفضل له أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه ؟
قال ابن رجب رحمه الله :
" واستدل بعضهم ، وهو ابن حزم ، بحديث عبادة هذا : على أن من أذنب ذنبا فإن الأفضل له أن يأتي الإمام فيعترف عنده ليقيم عليه الحد حتى يكفر عنه ، ولا يبقى تحت المشيئة في الخطر . وهذا مبني على قوله : إن التائب في المشيئة .
والصحيح : أن التائب توبة نصوحا مغفور له جزما ، لكن المؤمن يتهم توبتة ، ولا يجزم بصحتها ، ولا بقبولها ؛ فلا يزال خائفا من ذنبه وَجِلاً ...
وجمهور العلماء على أن من تاب من ذنب فالأصل أن يستر على نفسه ولا يقر به عند أحد، بل يتوب منه فيما بينه وبين الله عز وجل . روي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وغيرهم ... " انتهى . من " فتح الباري" لابن رجب (1/75-77) .
وما جاء في تعظيم الرجاء لمن ستر الله عليه في الدنيا ، ما رواه البخاري (2261) ومسلم (4972) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، أَيْ رَبِّ !! حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ !! فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
ورى مسلم (4671) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
ألا فليستحي العبد من ربه ، إذ ستر عليه ، ولا يهتك الستر فيما بينه وبين الله !!
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر ، وأن يتقى الله عز وجل ، ولا يعود لمعصية الله ، فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده " انتهى . من "الأم" (6/149( .