الامل مـــدير المنتدى الفنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
عدد المساهمات : 19301 رصيد نقاط : 51953 رصيد حسابك فى بنك نور : 577 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 البلد : مصر
بطاقة الشخصية عـــائلــة نــــــــــور: 50
| موضوع: لمحات من تاريخ النوبة الغد المشرق السبت يونيو 26, 2010 7:18 pm | |
| لمحات من تاريخ النوبة الجزء الأول د.فرج الله أحمد يوسف النوبة هو الاسم الذي يطلق على البلاد التي تقع جنوب الشلال الأول وتمتد من أسوان في الشمال إلى مدينة الدبة في الجنوب (تقع مدينة الدبة إلى الجنوب من مدينة دنقلة)، وقيل إن حدود النوبة كانت تمتد إلى مشارف مدينة الخرطوم، وكان يطلق على النوبة في اللغة المصرية القديمة أسماء عدة منها "كوش" وهو الاسم الأكثر شيوعًا منذ عهد الدولة الوسطى، وبهذا يمثل الشلال الأول الحدود الطبيعية بين النوبة ومصر، ولكن هناك من يرى أن حدود النوبة تمتد شمالاً حتى جبل السلسلة – يقع شمال أسوان بحوالي 50 كيلو متر. ينحدر النوبيون من أصل مشابه للمصريين، وتشبه حضارتهم الأولى حضارات ما قبل التاريخ في مصر، ومنذ عهد الدولة القديمة كان النوبيون يصدرون إلى مصر الذهب على هيئة حلقات، وسبائك، وتبر، والعاج، والأبنوس، والبخور، والغنم ، والماعز، وتنقسم النوبة إلى قسمين: الشمالي، وهو جزء من مصر ويمتد من أسوان شمالاً حتى وادي حلفا جنوبًا، ويعرف بالنوبة السفلى، والجنوبي، وهو جزء من السودان ويمتد من وادي حلفا شمالاً حتى الدبة جنوبًا، ويعرف بالنوبة العليا. النوبة في العصر الفرعوني: أطلق المصريون القدماء أسماء كثيرة على النوبة لعل من أقدمها "كينست"، و"تاستي" الذي يعني بلاد حاملي الأقواس، وعاشت في بلاد النوبة السفلى عدة قبائل ذكرها قدماء المصريين منها: 1 – قبيلة الواوات، وسكنت حول قرية كرسكو. 2 – قبيلة الايرثت، وسكنت حول قرية توماس. 3 – قبيلة ستاو، وسكنت حول قرية توشكى. 4 – قبيلة إيام وسكنت حول قرية أرمنا. 5 – قبيلة مدجاو وهي من القبائل الرحل التي لم تستقر في منطقة معينة بل كانت تجوب مناطق السودان والنوبة السفلى. وتنتمي هذه القبائل إلى الجنس الحامي الذي ينتمي إليه سكان شمال إفريقية، وأثبتت الدراسات الآثارية أن أهل النوبة السفلى استقروا في أرضهم منذ الألف الخامس قبل الميلاد على الأقل، ووصلوا إلى المستوى الحضاري نفسه الذي وصل إليه المصريون. بدأت عناية المصريين بالنوبة تزداد منذ عصر الأسرة السادسة، ومن أدلة ذلك قيام أحد عظماء تلك الأسرة واسمه "أوني" بحفر خمس قنوات في صخور الشلال الأول لتسهيل الملاحة في اتجاه النوبة، وسجل أعماله تلك على نصب ذكر فيه أن قبائل الايرثت، والواوات، والمدجاو قد ساعدته في حفر القنوات، وفي عهد الأسرة الثانية عشرة (2000ق.م) دارت حروب طويلة بين المصريين والنوبيين انتهت بانتصار المصريين الذي قاموا بتشييد عدة حصون على طول الطريق من أسوان وحتى الشلال الثاني من أهمها حصنا "سمنة وقُمه". ومنذ عصر الدولة الحديثة (منتصف القرن السادس قبل الميلاد) انضمت النوبة السفلى والعليا حتى الشلال الرابع إلى مصر، وتأثرت بالثقافة المصرية وتعبدت إلى الآلهة المصرية وانتشرت في النوبة المعابد المصرية التي كانت بمثابة مراكز ثقافية يتعلم فيها الناس الدين والعلم، وعهد المصريون بإدارة بلاد النوبة إلى موظف كبير كان يلقب بلقب "ابن الملك المولى على كوش"، واستمر الحال على هذا المنوال حتى القرن الثامن قبل الميلاد حين ظهرت أسرة نوبية قوية انتهزت فرصة اضطراب الأوضاع في مصر منذ القرن التاسع قبل الميلاد، فأخذت تعمل جاهدة على تحقيق الحلم النوبي المتمثل في الاستيلاء على عرش مصر، حتى تمكن أحد أفرادها وهو الملك "بعنخي" من تحقيق ذلك الحلم وتأسيس الأسرة الخامسة والعشرين في التاريخ الفرعوني، واستطاع ملك نوبي آخر يدعى طهارقا (ترهاقا) الوصول إلى عرش مصر إلا إن الآشوريين تمكنوا من طرده من مصر سنة 670ق.م، فعاد إلى عاصمة النوبة نباتا، وبعد موته خلفه ابنه تانوت آمون الذي زحف شمالاً نحو منف واستعادها من الآشوريين الذين ما لبثوا أن انتصروا عليه واجبروه على الانسحاب منها، وبخروجه انتهى الحكم النوبي لمصر، ولم يحاول النوبيون بعد ذلك الرجوع إلى مصر واكتفوا بسيطرتهم على مناطق النوبة السفلى، واستمرت دولتهم هذه فترة تزيد على ثلاثة قرون من سنة 663 – 300 ق.م. وبعد فتح الإسكندر الأكبر لمصر تغلغل البطالمة في بلاد النوبة وسيطروا على المنطقة التي تقع جنوب أسوان بحوالي 110 كيلومتر، وأطلقوا عليها اسم "الدوديكاشينوس" وكانت تشمل البلاد التالية: دابود – ثافا – كلابشة – جرف حسين – الدكة – كوبان – قورتة – المحرقة، ومن الملوك النوبيين الذين تأثروا كثيرًا بالثقافة اليونانية الملك أركامون الذي كانت تربطه صلة وثيقة بالملك بطليموس الثاني. وبعد سقوط دولة البطالمة في مصر وانتقال الحكم إلى الرومان بدأت سلسلة من الثورات ضد الحكم الروماني في جنوب مصر، وشارك النوبيون في تلك الثورات وقدموا في إحداها مساعدات كبيرة لأهل طيبة الذين ثاروا ضد الحاكم الروماني كورنيلوس جاللوس في عهد الإمبراطور أغسطس، وبعد أن تمكن الحاكم كورنيلوس من القضاء على الثورة في طيبة توجه جنوبًا لمعاقبة النوبيين، لكنه لم ينجح في مهمته وترك النوبيين متمتعين بالاستقلال مع الاعتراف الاسمي بسيطرة الرومان. وفي سنة 25ق.م قام النوبيون بثورة كبيرة ضد الرومان وتغلبوا على الحامية الرومانية واستولوا على جزيرتي أنس الوجود، وألفنتين، ومدينة أسوان، فخرج الحاكم الروماني بترونيوس على رأس جيش كبير التقى الجيش النوبي عند الدكة وكانت الغلبة للرومان الذين تقدموا جنوبًا وحاصروا فلول الجيش النوبي في قلعة أبريم واستولوا عليها ثم واصلوا زحفهم صوب عاصمة النوبة نباتا وتمكن بترونيوس من تدميرها ونهب ما فيها من كنوز إلا إن كل ذلك لم يضعف مقاومة النوبيين الذين جمعوا قواتهم وتقابلوا مع الجيش الروماني عند أبريم فقبل النوبيين الصلح مع الرومان والذي تم بموجبه إعفاء هم من دفع الجزية للرومان، ووقعت تلك المعاهدة سنة 20ق.م، وقام الرومان بعد ذلك بتشييد المعاقل والحصون التي لا تزال أثارها باقية في الدكة وكلابشة ودابود. النوبة بعد دخول المسيحية: دخلت المسيحية بلاد النوبة في منتصف القرن السادس الميلادي، وفي سنة 577م افتتح رئيس مطارنة أسوان معبد إيزيس (فيلة) بعد تحويله إلى كنيسة، وتحولت معظم المعابد الفرعونية في النوبة إلى كنائس، وقامت في النوبة العليا دولة مسيحية اتخذت من مدينة دنقلة عاصمة لها وسيطرت على معظم مناطق النوبة السفلى، وشيد الملك النوبي "مركوريوس" كنيسة في مدينة ثافا على بعد 42 كيلو متر إلى الجنوب من أسوان، ومن أشهر ملوك النوبة في تلك الفترة الملك "سلكو" الذي حارب قبائل البجة وتمكن من طردهم من بعض مناطق النوبة التي استولوا عليها أكثر من مائتي سنة، وكان الملك سلكو حاكمًا على كلابشة وسجل انتصاراته على نصب عثر عليه في كلابشة قائلاً: (وجئت إلى طلمي وتافة مرة ومرتين وتقاتلت مع البلميين ومنحني الرب النصر وفي المرة الثانية نلت نصرًا حاسمًا ففتحت مدنهم واحتلتها قواتي، وأخضعتهم، فأدوا إلىّ مظاهر الاحترام وعقدت الصلح معهم واقسموا بآلهتهم فقبلت ذلك منهم على أنهم ناس شرفاء، وقد تقاتلت مع البلميين من يريم إلى تئل). وبعد انتصاره على البجة أصبح الملك سلكو من أقوى الحكام المحليين، والزعيم الأوحد للنوبة السفلى، وامتدت أملاكه من الشلال الأول شمالاً حتى الشلال الثالث جنوبًا، وعلى ضفتي النيل، وأكد الملك سلكو سيطرته على النوبة بقسميها العليا والسفلى وسجل ذلك على النصب سالف الذكر(ففي البلاد السفلى أنا الأسد وفي البلاد العليا أنا الدب)، وفي أسفل النصب نحتت صورة الملك مرتديًا بعباءة وسترة قصيرة مشابهة لأباطرة الرومان وعلى رأسه تاج مزين بقرون الإله خنوم وريش الآلهة معات والأفاعي الملكية "الأوريات"، وهذا النوع من التيجان استخدمه ملوك النوبة السفلى منذ القرن الثامن الميلادي وحتى القرن الثالث عشر، وانتهت فترة حكم الملك سلكو في سنة 559م فخلفه الملك إيريانمة. وعثر في معبد دندور على نصب يرجع لعهده يحمل تاريخ 27 تيب من الاندوقتيون السابع الموافق 23 يناير سنة 559م، وسجل على النصب اللقب الذي كان يطلق على حكام النوبة السفلى في ذلك الوقت وهو لقب: "هيبارخ"، بالإضافة إلى الألقاب البيزنطية الأخرى التي كانت تطلق على علية القوم مثل: هيبوتران، وفيلارخ، والأسماء المسيحية مثل: بافنوطيوس، وابيفانوس، ومرقص، ويذكر النصب أيضًا أسقف فيلة والقس التابع له وهو يوحنا القبطي الذي رفع الصليب عند تكريس معبد دندور.
الجزء الثاني د.فرج الله أحمد يوسف النوبة بعد الفتح الإسلامي لمصر: عرف العرب النوبة باسم "مريس أو مريسة"، ويقول المسعودي "الريح التي تسمي ببلاد مصر المريسية مضافة إلى بلاد مريس من أوائل أرض النوبة في أعالي النيل". بعد الفتح الإسلامي لمصر سنة 21هـ/641م توقفت الجيوش الإسلامية عند أسوان، وتقدمت في العام نفسه فرقة من الجيش الإسلامي بقيادة عقبة بن نافع صوب النوبة السفلى، لكنها لم تتقدم كثيرًا لأنها واجهت مقاومة شديدة أبداها النوبيون الماهرون في الرمي بالسهام حتى أطلق عليهم المؤرخون العرب "رماة الحدق" لدقتهم الفائقة في الرمي، وعقدت معاهدة بين الطرفين توقف بموجبها المسلمون عن التوغل جنوبًا في بلاد النوبة. وفي عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان قاد والي مصر عبدالله بن سعد بن أبي السرح حملة تمكنت من التوغل جنوبًا حتى وصلت إلى مدينة دنقلة واستولت عليها، ورغم ذلك فقد وقع عبدالله بن سعد معاهدة مع النوبيين عرفت باسم "معاهدة البقط" (البقط تعني الضريبة التي تدفع عينًا)، وكتب عبدالله بن سعد للنوبيين عهدًا يعد أساسًا للعلاقات بين الدولة الإسلامية والنوبة المسيحية ووقعت تلك المعاهدة في سنة 31هـ/651م. وبهذا دخل الإسلام النوبة السفلى في وقت مبكر جدًا عن النوبة العليا، وبعد هذه المعاهدة بدأت القبائل العربية المختلفة في النزوح من مصر إلى بلاد النوبة السفلى، وتأثر النوبيون بهذه القبائل العربية المسلمة التي استقرت معهم واعتنق كثير منهم الإسلام، ولم يعد لملوك النوبة المسيحيين في النوبة السفلى سوى نفوذ اسمي. وبمرور الزمن نزحت العناصر النوبية إلى الشمال وكان والي مصر أحمد بن طولون (254-270هـ/868-884م) أول من استخدم النوبيين في الجيش وبلغ عددهم أربعين ألف جندي، وبلغ من كثرة عددهم حدًا استوجب تعيين حاجب خاص لصرف جراياتهم، ومن الأدلة على كثرتهم شكوى الناس من ضيق المسجد الجامع بالجند النوبيين، واستمرت الاستعانة بالجنود النوبيين في عهد الدولة الإخشيدية (333-358هـ/934-969م). ولم يقتصر دور النوبيين على الخدمة في الجيش أو ممارسة الأعمال الأخرى في أحيائهم المنتشرة في عواصم مصر (الفسطاط – العسكر – القطائع – القاهرة) بل قدر لبعضهم أن يشارك مشاركة إيجابية في تشكيل الثقافة العربية الإسلامية في مصر ومن هؤلاء يزيد بن أبي حبيب، ونشأ يزيد نشأة عربية إسلامية واستفاد من صلته ببعض الصحابة الذين شاركوا في فتح مصر وأصبح محدثًا ومؤرخًا وفقيهًا وتتلمذ على يديه عدد من أشهر فقهاء مصر مثل: الليث بن سعد وعبدالله بن لهيعة. وساهم أهل النوبة السفلى في هجرة العرب من مصر إلى النوبة العليا ومنها إلى أقاليم السودان المختلفة شرقًا وغربًا مما ساعد على سرعة تعريب هذه الأجزاء من السودان وانتشار الإسلام والثقافة العربية في ربوعه الواسعة. ومن أبرز الأحداث التي توضح العلاقة بين الدولة الإسلامية والنوبيين هي الزيارة التي قام بها ولي عهد مملكة النوبة جورج بن زكريا بن يحنس لبغداد في زمن الخليفة العباسي المعتصم (218-227هـ/833-842م) وقد اهتمت الأوساط المسيحية في العالم الإسلامي عمومًا، وفي مصر خصوصًا، بتلك الزيارة، وذلك لأن النوبة كانت في ذلك الوقت لا تزال تضم أكثرية مسيحية، وأشار ساويرس بن المقفع إلى الزيارة في كتابه "تاريخ البطارقة". وفي عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أرسل القائد جوهر الصقلي بعثة إلى ملك النوبة برئاسة عبدالله بن أحمد بن سليم الأسواني يدعوه إلى الإسلام لكنه رفض، وفي عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (376 –411هـ/996 –1021م) أصبح ملك النوبة السفلى عربيًا مسلمًا، وذلك عندما اعتلى عرش مملكة النوبة أبو المكارم هبة الله الذي استطاع القبض على أحد الخارجين على الخليفة الحاكم فأنعم عليه الخليفة بلقب " كنز الدولة "، وفيما بعد أطلق لقب الكنوز على أتباعه ومن ثم أطلق الاسم على سكان الجزء الشمالي من النوبة السفلى واستمرت التسمية إلى الآن، وشهد عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله تعاون النوبيين مع الوزير بدر الجمالي (466-487هـ/1073-1094م) ضد القبائل العربية في الصعيد. سكان النوبة السفلى: ينقسم سكان النوبة السفلى إلى ثلاثة أقسام: 1 – الكنوز: يقطنون المنطقة الممتدة من أسوان في الشمال إلى قرية المضيق في الجنوب، وكان أثر العرب كبيرًا على الكنوز منذ الفتح الإسلامي لمصر وسكنت بجوارهم قبائل عربية، واعتنقوا الإسلام مبكرًا. 2 – العرب: يسكنون المنطقة الممتدة من قرية المضيق شمالاً وحتى قرية كرسكو جنوبًا، وهم عرب من الحجاز ينتسبون إلى عقيل بن أبي طالب (ما زالوا يعرفون بعرب العقيلات) استقروا في سيناء أولاً، ثم هاجروا إلى بلاد النوبة في القرن الثامن عشر الميلادي حسب بعض الروايات، وهناك روايات أخرى تؤكد استقرارهم في النوبة منذ الفتح الإسلامي لمصر، ويؤيد ذلك ما نقله الرحالة بوركهارت عن قبائل العرب في النوبة عند زيارته لها في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أكدوا له أن أسلافهم قدموا إلى النوبة بعد الفتح الإسلامي. 3 – الفدجة: يقطنون المنطقة الممتدة من قرية كرسكو شمالاً وحتى الشلال الثاني جنوبًا، وهم أصلاً من الجماعات المعروفة في النوبة العليا باسم السكوت والمحس – يسكن السكوت والمحس المنطقة الواقعة بين الشلال الثاني والشلال الثالث - وهاجروا إلى النوبة السفلى في القرن التاسع عشر نظرًا لصعوبة العيش في المناطق التي كانوا يقطنون فيها. ويرى بعض المؤرخين أن هجرتهم كانت بسبب الظلم والتعسف الذي عانوا منه مما دفعهم للهجرة شمالاً واتخذوا لأنفسهم اسمًا جديدًا هو الفدجة ومعناه في لغتهم "أننا سنهلك" مما يشير إلى أنهم كانوا هاربون من هلاك، لذلك يعتقد هؤلاء المؤرخون أن هذه التسمية لا ترجع لأبعد من عهد الثورة المهدية " أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ". لغة أهل النوبة: اللغة النوبية من اللغات الحامية لكنها تأثرت بمؤثرات لغوية خارجية على مر العصور لذلك نجد فيها عناصر مصرية قديمة، وقبطية، ويونانية، ومروية، وعربية. ظلت اللغة النوبية مدة طويلة لا تكتب حتى نهاية العصر البيزنطي. (أواسط القرن السابع الميلادي)، حيث يرجع تاريخ المخطوطات النوبية التي عثر عليها مكتوبة بالخط اليوناني، وظل النوبيون متمسكين بلغتهم حتى بعد اتخاذهم الإسلام دينًا فاستطاعت اللغة النوبية أن تحافظ على كيانها بالرغم من انتشار اللغة العربية في مصر ووجود جماعات من العرب استوطنت النوبة. وللغة النوبية لهجتان: الأولى يتحدث بها الفدجة وتعرف هذه اللهجة باسم المريسي (الجنوبي)، واللهجة الثانية يتحدث بها الكنوز وتعرف بالمتوكي (الشمالي). النشاط البشري في النوبة قبل التهجير: كانت الزراعة النشاط البشري الرئيسي للنوبيين الذين كانوا يزرعون أراضيهم الضيقة على ضفتي النيل، وكانوا يعتمدون في الري على السواقي التي تديرها الماشية لرفع المياه إلى الأراضي الزراعية نظرًا لارتفاعها عن أعلى منسوب لمياه النيل، ويذكر الرحالة بوركهارت أن ملكية الرجل من الأراضي الزراعية كانت تقدر بعدد السواقي التي يملكها، وكان عدد السواقي في النوبة أثناء زيارته لها في القرن التاسع عشر الميلادي يقدر ما بين 600 – 700 ساقية، وارتفع العدد في بداية القرن العشرين إلى أكثر من 1.600 ساقية أغلبها كانت توجد في المنطقة الواقعة جنوب قرية كرسكو، وبصفة خاصة في الضفة الشرقية لنهر النيل، حيث الأراضي أكثر اتساعًا. تناقص عدد السواقي بعد إنشاء سد أسوان في سنة 1902م فارتفع منسوب مياه نهر النيل من 89 مترًا إلى 106 أمتار، وبعد إتمام التعلية الأولى في سنة 1912م وصل منسوب المياه إلى 113 متر، وبعد التعلية الثانية في سنة 1934م بلغ منسوب المياه 121مترًا، ليتقلص عدد السواقي في نهاية الخمسينيات الميلادية إلى حوالي 400 ساقية، واستخدم النوبيون الشادوف في رفع المياه إلى الأراضي المرتفعة، وبعد التعلية الثانية لسد أسوان استخدمت الماكينات (الطلمبات) العائمة والثابتة لري الأراضي الزراعية، وكانت أهمها توجد في قرى: الدكة، وعنيبة، وبلانة، وتوشكى. ونظرًا لضيق المساحات المزروعة، وصعوبة وسائل الري اتجه النوبيون إلى زراعة المحاصيل التي تسد حاجاتهم مثل: القمح والشعير والذرة الرفيعة والفول واللوبيا والكشرنقيق، ولا تذكر الزراعة في النوبة إلا ويذكر النخيل الذي كانت له أهمية كبرى في الاقتصاد النوبي، فقد كان التمر هو السلعة التجارية الرئيسية، لما له من شهرة فائقة في الأسواق المصرية والسودانية، وقدر عدد النخيل في النوبة في بداية القرن العشرين بحوالي نصف مليون نخلة غرق الكثير منها بعد بناء سد أسوان، وكانت قريتا الدر وأبريم تشتهران بإنتاج أجود أنواع التمر وإن كانت الثانية فاقت الأولى شهرة لارتباط أحد أجود أنواع التمر باسمها حتى الآن وهو البلح الأبريمي، وكانت القريتان بالضفة الشرقية لنهر النيل. وإلى جانب الزراعة اشتهر النوبيون بممارسة بعض الأنشطة الأخرى مثل التجارة التي اشتهر بها أهالي منطقة العرب الذين كانت لهم تجارة نشطة مع السودان عبر الصحراء واتخذوا من مدينة بربر في السودان مركزًا لتجارتهم، وكانت الرحلة من منطقة العرب إلى مدينة بربر تستغرق ثمانية أيام، وكانت تسلك ذلك الطريق العديد من القوافل يتراوح عددها أسبوعيًا ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف جمل، وكان لهم طرق أخرى منها طريق يبدأ من شمال السودان ويسلك الصحراء غرب النيل متجهًا إلى الواحات الداخلة والخارجة في رحلة تستغرق ثلاثة وعشرين يومًا، ومنها تتجه القوافل إلى أسيوط والقاهرة. وهناك طرق أخرى تبدأ من شمال السودان إلى صعيد مصر عبر الصحراء غرب النيل حيث ذكر الرحالة بوركهارت أنه سمع أثناء وجوده في قرية الدر عند زيارته للنوبة في بداية القرن العشرين بقافلة يقودها عرب العقيلات كانت في طريقها من بلاد المحس في النوبة العليا إلى مدينة أسنا في صعيد مصر. ومن المهن الأخرى التي اشتغل بها النوبيون الملاحة النهرية بين مصر والسودان وإرشاد السفن النهرية بعد تنظيم خطوط الملاحة النهرية بين أسوان، ووادي حلفا، ولا يزال النوبيون حتى اليوم مشهورين بقدرتهم الفائقة في الملاحة النهرية، خاصة وسط الجنادل والصخور والتيارات المائية الصعبة، ومارس النوبيون أيضًا صيد الأسماك، وجمع ثمرة نوع من أشجار السنط تعرف بالقرض، وتصديرها إلى مصر حيث تستخدم في دبغ الجلود، هذا إلى جانب بعض الحرف البسيطة مثل: صناعة الأواني الفخارية، والغزل والنسيج، والحصر، والسلال، وللنوبيين ذوق خاص في التطريز يتبين في زخرفة غطاء الرأس للرجال (الطاقية والعمامة). ومنذ أمد بعيد هاجر العديد من النوبيين من بلادهم ملتمسين كسب العيش وأهم المدن التي يهاجرون إليها القاهرة، والإسكندرية، والسويس، والإسماعيلية في مصر؛ ووادي حلفا، وبربر، وعطبرة، وبورسودان، والخرطوم في السودان. آثار النوبة السفلى: يرجع تاريخ استيطان النوبة إلى العصر الحجري القديم، وتنسب أقدم الرسوم المحفورة على الصخور في النوبة السفلى إلى الحضارة السبيلية المتأخرة وهي تمثل سفن وحيوانات مختلفة مثل الفيل والزراف، وعثر على تلك الرسوم في وادي العرب، كما عثر على رسوم أخرى ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات في جرف حسين والسيالة والدر وأبريم وأبوسمبل، واكتشفت رسوم أخرى في السبوع سنة 1955م. ولقد ظهرت أدلة أثرية تشير إلى قيام مملكة نوبية قبل عهد الملك مينا في قرية قسطل بالقرب من الحدود بين مصر والسودان، وتم الكشف عن هذه الأدلة الأثرية خلال أعمال إنقاذ آثار النوبة سنة 1962م، وتمكن الآثاري الأمريكي كيث سييل مدير بعثة المعهد الشرقي بجامعة شيكاجو من الكشف عن جبانة كبيرة تضم مقابر تنتمي لـ (ثقافة المجموعة الأولى) أي عصر ما قبل الأسرات في مصر، وأكدت المعثورات الأثرية في تلك المقابر أنها تعود لملوك وأمراء نوبيين تمكنوا من تأسيس مملكة نوبية سبقت عصر الأسرات في مصر. ويوجد في النوبة السفلى ست عشر معبدًا سأذكرها فيما يلي مرتبة حسب موقعها الجغرافي من الشمال إلى الجنوب: 1 – معبد فيلة: فيلة هي تحريف لكلمة "بيلاك" التي تعني في اللغة المصرية القديمة النهاية لوقوع المعبد في أقصى جنوب مصر عند حدود النوبة، ومعبد فيلة شُيد في عصر البطالمة لعبادة إيزيس. 2 – معبد دابود: يقع على مسافة 20 كيلو متر جنوب سد أسوان، وبناه الملك النوبي أزخر آمون سنة 300ق.م. 3 – معبد قرطاسي: يقع على بعد 45 كيلو متر جنوب سد أسوان، وشيد في العصر الروماني. 4 – معبد تافا: يقع على مقربة من معبد قرطاسي، وشيد مثله في العصر الروماني. 5 – معبد كلابشة: يبعد عن سد أسوان بحوالي 75 كيلو متر، ويعد من أكبر المعابد المشيدة في النوبة السفلى وتم تشييده في عصر الملك أمنحتب الثاني (الدولة الحديثة) إلا أن المعبد في شكله الحالي يعود لعصر البطالمة، ويمتاز المعبد بتخصيصه لعبادة إله الشمس النوبي ماندوليس، ويوجد به النصب الذي سجل عليه الملك النوبي سلكو انتصارات على البجة. 6 – معبد بيت الوالي: يقع بالقرب من معبد كلابشة، وهو من أول معابد الملك رمسيس الثاني المنقورة في الصخر ببلاد النوبة. 7 – معبد دندور: يقع على الشاطئ الغربي للنيل وعلى بُعد 78 كيلو متر جنوب أسوان، وشيده الإمبراطور الروماني أغسطس سنة 30 ق.م وخصص لعبادة شخصين من الأبطال تم رفعهما إلى مصاف الآلهة وهما: باديسة ومعناه عطية إيزيس، وباهور ومعناه عبد حورس، وتم تحويل المعبد إلى كنيسة في عهد الملك النوبي اكيسبانومي سنة 557م. 8 – معبد جرف حسين: وهو ثاني معابد رمسيس الثاني المنقورة في الصخر ويقع على بعد 90 كيلو متر جنوب سد أسوان، وشيده ستاو الذي كان يشغل منصب نائب الملك المولي على كوش، وخصص المعبد لعبادة الإله بتاح إله مدينة منف والإله بتاح ناتنن والآلهة سخمت والملك رمسيس الثاني بوصفه أحد آلهة المنطقة. 9 – معبد الدكة: يقع على مسافة 107 كيلو متر جنوب سد أسوان، وشيده الملك النوبي اركامون في عصر البطالمة. 10 – قلعة كوبان: تقع على مقربة من معبد الدكة، ويرجع تاريخ إنشائها إلى عصر الأسرة الثانية عشرة (الدولة الوسطى 2000ق.م)، وكانت القلعة هي حلقة الوصل بين وادي النيل ومناجم الذهب، حيث كانت كميات الذهب المستخرجة تخزن في القلعة تحت حراسة مشددة حتى يتم نقلها إلى مصر. 11 – معبد وادي السبوع: يقع المعبد على بعد 150 كيلو متر جنوب سد أسوان، وهو المعبد الثالث من معابد رمسيس الثاني المنقورة في الصخر، وتعود التسمية إلى صفين من التماثيل على هيئة أبو الهول أمام المعبد. 12 – معبد عمدا: يقع على بعد 185 كيلو متر جنوب سد أسوان، وهو أقدم المعابد في النوبة إذ يعود تاريخ تشييده إلى عهد الملك تحتمس الثالث وأدخلت عليه زيادات في عهد كل من: الملك أمنحتب الأول والملك تحتمس الرابع، وخُصص المعبد لعبادة الإله آمون. 13 – معبد الدر: يقع على مسافة 200 كيلو متر جنوب سد أسوان، وهو المعبد الرابع من معابد رمسيس الثاني المنقورة في الصخر، وكان المعبد خاصًا بعبادة الإله حور أختي والملك رمسيس بوصفه إله المنطقة. 14 – قلعة قصر أبريم: تقع على بعد 235 كيلو متر إلى الجنوب من سد أسوان، ويوجد بها خمسة هياكل صغيرة منقورة في الصخر، وعلى جدران القلعة توجد صور تمثل ملوك النوبة يتعبدون إلى آلهة المنطقة والسبب في وجود هذه الهياكل يرجع إلى قرب القلعة من عاصمة بلاد النوبة السفلى في عصر الدولة الحديثة وهي المعروفة باسم ميعم (عنيبة) 15 – معبد أبوعودة: يقع على الشاطئ الشرقي أمام معبد أبوسمبل نقره في الصخر الملك حورمحب أول ملوك الأسرة التاسعة عشر.
16 – معبد أبوسمبل: وهما في الواقع معبدان نقر كلاهما في الصخر في عهد الملك رمسيس الثاني ويعدان المعبدان الخامس والسادس بالنوبة في عهد هذا الملك، والمعبد الأول للملك رمسيس الثاني والمعبد الثاني للملكة نفرتاري (جميلة الجميلات، وهي نوبية الأصل) ولا يفصل بين المعبدين إلا واد صغير ويعد المعبد الأول من أكبر المعابد في العمارة البشرية، والمنطقة التي شيد فيها المعبدان من الأماكن المقدسة عند قدماء المصريين منذ أقدم العصور، فقد شيد بها معبد يرجع لعصر الملك خوفو (باني الهرم الأكبر في الجيزة - الأسرة الخامسة – 2800ق.م)، واستعان الملك رمسيس الثاني ببعض الفنانين والنحاتين النوبيين في تشيد المعبدين ويظهر ذلك في عدم إتقانهم لنسب التشريح التي اشتهر بها الفنانون المصريون طوال العصر الفرعوني. ومن الجدير بالذكر أن ملوك النوبة لم يدفنوا في بلادهم باستثناء الملك بننوت الذي عاصر الملك رمسيس السادس، وشيدت مقبرة الملك بننوت في مدينة ميعم (عنيبة).
| |
|
جاسمين مـــدير المنتدى السياحى
عدد المساهمات : 1029 رصيد نقاط : 7918 رصيد حسابك فى بنك نور : 20 تاريخ التسجيل : 05/01/2010
| موضوع: رد: لمحات من تاريخ النوبة الغد المشرق الجمعة أكتوبر 08, 2010 10:41 pm | |
| | |
|