|
شهد عام 2009 إقامة 9 خيام بقي منها 6 | في حي الشيخ جراح بمدينة القدس الشرقية المحتلة، صورتان لذات المعاناة تجسدان في الوقت نفسه آلام المقدسيين وصمودهم.. الصورة الأولى للحاجة "رفقة الكرد" تقف على قارعة الطريق ترمق بعينيها المغرورقتين بالدموع منزلها الذي استولت عليه الجماعات اليهودية وطردتها خارجه. الصورة الثانية للسيدة نفسها وهي تفترش أرض خيمة الاعتصام التي أقامها أهالي الحي لتؤويها وبقية أفراد أسرتها، مثبتة برغم جدرانها الواهية حقها في أرض الوطن. تمر اللحظات، وما يلبث المشهد أن ينتقل لركن آخر في أرجاء المدينة المحتلة.. إلى حي سلوان، حيث رائحة التاريخ والتراث المقدسي العريق.. يصمت كل شيء فجأة، وتتعالى صيحات أطفال مستنجدين لعل هناك من يسمع استغاثاتهم فيلبي النداء ويمنع الاحتلال الإسرائيلي من سلب منزلهم أمام أعين العالم وعلى مسامعه.. وكسابقه ينتهي المشهد بأحلامهم مبعثرة، كما هي باقي أشيائهم، في زوايا خيمة. وعلى مدار أيام عام 2009 تتوالى خيام الاعتصام وتمتد من سلوان للشيخ جراح للطور لبيت حنينا.. وغيرها من أحياء القدس، لتبقى رمزاً لصمود المقدسيين الذين يواجهون أسوأ موجات التهويد التي تأبى إلا أن تترك منازلهم بين مهدم ومحتل من الجماعات اليهودية المتطرفة.
ويشرف على إقامة خيام الاعتصام -التي بلغت خلال العام الجاري 9 ما زال قائماً منها 6 فقط- كل من "الائتلاف من أجل القدس" -وهو تجمع يضم مؤسسات وشخصيات مقدسية- والحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948، إضافة إلى نشطاء حقوقيين. من "الكرد" بدأت من حي الشيخ جراح تبدأ الحكاية.. ففي نوفمبر 2008 اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة "أم كامل الكرد" لتسلمها قرارا بإخلائه وتسليمه لإحدى الجماعات اليهودية.. ورغم امتلاكها أوراقا تثبت ملكيتها للمنزل اضطرت العائلة المقدسية للخروج منه بعد أن طرقت أبواب القضاء والمؤسسات الحقوقية وعادت خالية الوفاض. وأمام منزلها نصب أهالي الحي خيمة اعتصام تحمل اسمها.. "خيمة أم كامل الكرد"، لكن قوات الاحتلال، اقتلعتها بعد أسبوع، ما خلق حالة من التحدي مع المقدسيين الذين أعادوا نصب الخيمة في مكانها مطلع عام 2009. لكن خيمة "الكرد" كمنزلها لم تسلم من ممارسات الاحتلال، إذ تعرضت للاقتلاع أكثر من 10 مرات، فضلا عن فرض غرامات مالية في كل مرة، إلى أن صدر قرار نهائي من سلطات الاحتلال في أغسطس 2009 بإزالة الخيمة، وفرض شرط جزائي على صاحب الأرض التي تقام عليها، وتعد خيمة "الكرد" أولى خيام الاعتصام ضد هدم المنازل، ومثلت نموذجا لخيام التحدي من قبل المقدسيين لسياسات التهويد. خيمة الـ"38" في سلوان ومن الشيخ جراح إلى سلوان، حيث أقامت 38 عائلة مقدسية خيمة اعتصام في فبراير 2009، بعد أن سلمهم الاحتلال قرارات بالطرد من منازلهم؛ بزعم أن هذه المنازل تعود ملكيتها لعائلات يهودية. ومنذ ذلك الوقت والعائلات الـ38 تترقب أن تهاجمهم قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى لتنفذ قرار الإخلاء، الذي لم يتم حتى كتابة هذا التقرير، فيما أصبحت خيمة الاعتصام مقراً لفعالياتهم الاحتجاجية التي من أبرزها استقبال الوفود الأجنبية وإقامة مؤتمرات صحفية للتنديد بهدم المنازل وإخلائها في إطار مخططات التهويد. وسبق إقامة هذه الخيمة إرسال نداءات واستغاثات، لكن المتضررين لم يتلقوا ردا من المؤسسات الحقوقية، ورفعوا دعاوى قضائية لم يبت فيها حتى الآن. الغاوي وحنون وفي أغسطس 2009 هاجمت قوة من شرطة الاحتلال منازل عائلتي حنون والغاوي في حي الشيخ جراح، وهي تسع منازل أخرج أهلها منها بالقوة دون السماح لهم بأخذ أي شيء من حاجياتهم، وأسكنت مجموعات من المستوطنين فيها. ومنذ ذلك الحين أقامت العائلتان خيمتي اعتصام قبالة منزليهما، بعد أن رفضت المحكمة الإسرائيلية الاستئناف الذي تقدما به لإثبات ملكية العائلتين للمنازل، وقامت قوات الاحتلال بإزالة الخيمتين، لكن عائلات الحي أعادت نصبهما، وما زالتا قائمتين حتى الآن. وأصبحت الخيمتان مقصدا للكثير من السياسيين والوفود الأجنبية والمتطوعين إلى جانب وسائل الإعلام المختلفة. خيمة الطور وفي نفس الشهر أغسطس 2009 وزعت سلطات الاحتلال حفنة أخرى من أوامر الطرد، لكن هذه المرة في حي الطور، أحد الأحياء التاريخية القديمة في القدس الشرقية، وشملت الأوامر أغلبية أهالي الحي. الجميع وقف صامتا، وقرروا أن يحتجوا هذه المرة بطريقتهم بعدما عايشوا تجارب العائلات المقدسية في الأحياء الأخرى التي لم يستجب أحد لصرخاتها، فنصبوا خيمة اعتصام بحيهم أسموها "خيمة الطور". ومنذاك يحاول أهالي الحي أن يجعلوا من خيمتهم دليلا على رفضهم لسياسة الاحتلال، من خلال تنظيم المؤتمرات الصحفية وعقد اللقاءات السياسية فيها لعلهم يستطيعون دفع الاحتلال إلى التراجع. بيت حنينا وفي بيت حنينا، لم يكن أمجد الترياقي بالأفضل حالا من العائلات المقدسية الأخرى التي تترقب في إشفاق الطرد من منازلها، إذ يعيش منذ أكتوبر 2009 حالة من الترقب لموعد تنفيذ قرار طرده. وقرر الترياقي مع من تضامن معه من أهالي الحي إقامة خيمة اعتصام أمام منزله، ليحاول هو الآخر توصيل كلمته ورفضه لممارسات الاحتلال، وما زال يواصل الاعتصام أملا في حماية منزله رأس عطية والعباسية أما خيمتا حي رأس عطية وحي العباسية، فقد دخلتا تاريخ مقاومة التهويد لمدة شهرين فقط ثم زالتا بعد أن قرر الاحتلال التراجع عن إخلاء المنازل. ففي مارس 2009 سلم الاحتلال أهالي الحيين قرارات بإخلاء منازلهم؛ بحجة ملكياتها لجمعيات يهودية، فما كان من أهالي الحي إلا أن نصبوا خياما للاعتصام، وباشروا في تنظيم فعاليات مناهضة لأوامر الإخلاء، وبعد شهرين عاد الاحتلال ليلغي أوامر الإخلاء. البعض رأى أن هذا التراجع كان بسبب خيام الاعتصام، وما قام به أبناء الحيين من فعاليات خشي الاحتلال معها من احتمال قيام هبة شعبية، فيما رأى آخرون أن الاحتلال قرر فقط تأجيل تنفيذ أوامر الإخلاء لنوايا يخفيها. ثقافة المقاومة محمد صادق، مدير مركز إعلام القدس، يرى أن استمرار الاحتلال في تهويد المدينة العتيقة دفع بالمقدسين إلى إيجاد "ثقافة الخيام، وهي جزء من ثقافة المقاومة الفلسطينية الرافضة للتهويد". وقال صادق في حديث لـ"إسلام أون لاين.نت": "هناك أثر كبير لوجود خيام الاعتصام، حيث أصبحت تشكل مزارا لكل من يزور المدينة المحتلة يطلع من خلالها على معاناة الأهالي، ومكانا لإعطاء بعض الدروس والمحاضرات للوفود الطلابية من المدارس والجامعات". وأردف: "خيام الاعتصام، وفي ظل الصمت العربي والإسلامي والدولي تجاه ما يجري في بالقدس، تلعب دورا أساسيا في إبراز قضية المقدسيين، إذ تمكنت من اجتذاب الوفود السياسة والإعلامية، إلى جانب كونها مراكز انطلاق للكثير من الفعاليات والأنشطة الفنية والسياسية والدينية". إضافة لذلك –بحسب صادق- فإن "صلاة الجمعة والأعياد أصبحت تقاوم في هذه الخيام من قبل أهالي أحياء القدس والفلسطينيين داخل الخط الأخضر في محاولة لإيصال رسالة تحد في وجه مخططات الاحتلال". ونتيجة لهذه الفعاليات، تستهدف قوات الاحتلال خيام الاعتصام بين الفترة والأخرى، ووصل الأمر لحد اعتقال عدد من المتواجدين في تلك الخيام، كما حدث مع الشيخ رائد صلاح رئيس الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية داخل الأراضي المحتلة عام 1948. واستدل صادق على تأثير هذه الخيام بالإشارة إلى تراجع الاحتلال عن هدم منازل في حي العباسية ورأس خميس بعد شهرين من إقامة خيمتي اعتصام في هذين الحيين، استنكارا لأوامر الإخلاء. رمزية التحدي بدورها رأت ريما عوض، الناشطة المقدسية وعضو "الائتلاف من أجل القدس"، أن "الدافع الرئيسي وراء إقامة هذه الخيام هو إيواء الكثير من العائلات العربية التي أصبحت بلا منازل". وأوضحت في حديث لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "ثمة رسائل عدة يسعى القائمون على تلك الخيام إلى إيصالها، أبرزها رسالة سياسة للاحتلال تؤكد له أن المقدسيين متمسكين بأرضهم ويرفضون ممارساته التهويدية". كما اعتبرت أن خيام الاعتصام "تشكل رمزا للتهجير والتطهير العرقي الذي يمارسه الاحتلال من خلال طرد المقدسين من منازلهم وإسكان الجماعات اليهودية مكانهم، بل تخطت تلك الخيام الأماكن التي أقيمت عليها، وأصبحت رمزا للقضية الفلسطينية بشكل عام التي لا تنفصل مدينة القدس عنها". النسيج الاجتماعي فوائد خيام الاعتصام تحدث عنها علي أبو شيخة، مسئول ملف القدس في الحركة الإسلامية، وأبرز الشخصيات المتابعة لهذه الخيام، بقوله: إن "المقدسيين بحاجة إلى تقوية النسيج الاجتماعي والترابط النفسي فيما بينهم من أجل التصدي لمخططات التهويد، وهذا يمكن أن يتشكل داخل تلك الخيام". وتابع أبو شيخه قائلاً لـ"إسلام أون لاين.نت": "نحاول أن ندعم النضال الشعبي الجماهيري، ففي هذه الخيام تقام كل يوم أنشطة، ما يجعل من كل فرد في المجتمع عنصرا فاعلا، ما يساهم في تحقيق الالتحام بين المقدسيين". ولفت إلى أن "الفعاليات التي تقام داخل خيام الاعتصام لا تقتصر على فئة معينة من الناس، فهي تستهدف النساء والرجال، الأطفال والكبار، المقدسيين والأجانب، وكل من يزور تلك |